"لا أعز من الولد غير ولد الولد"هو المثل الشعبي الذي يتوارثه المصريون، ويستخدمه كل من صار جدّاً أو جدّة. ومع أن"المشاعر الفياضة"لا تزال تتدفق من جيل إلى آخر، اختلفت الأمور مع اختلاف الجغرافيا والاقتصاد والسوسيولوجيا. عمر وبريهان وزياد، ثلاثة أشقاء في العاشرة والثامنة والسادسة من العمر، يعيشون مع والدهم ووالدتهم في مدينة جديدة متاخمة للقاهرة. وجدتهم"تيته زيزي"تسكن في وسط العاصمة وحدها بعد وفاة الجد. والمسافة بين بيت الأحفاد وبيت الجدة تزيد على 40 كيلومتراً. تقول الوالدة:"غريب أمر هذه الدنيا، صرت لا أرى والدتي إلا في ثلاث مناسبات: المرض فأهرع إليها، الأعياد، ومرة في الشهر لترى الأولاد. وفيما عدا ذلك، يمكن القول ان تبادل الزيارات بيننا معدوم، فالمسافة طويلة جداً والازدحام لا يحتمل في وسط القاهرة. وقد تستغرق الرحلة أكثر من ساعة ونصف الساعة. والجدة، بدورها، لا يسمح لها وضعها الصحي بركوب وسائل النقل لتزورنا، علماً أن المواصلات في المدينة التي نقطنها شبه معدومة". بقي أن علاقة عمر وبريهان وزياد بپ"تيته زيزي"قائمة، في الأساس، عبر الهاتف. وهي علاقة صوتية يومية لعلّها تعوّض قليلاً عن شح اللقاءات. والعلاقة التي نشأت بين الجدة وأحفادها تختلف تماماً عن العلاقة الحميمة التقليدية المتوقعة بين جدة وأحفادها. فلا مجال لدى هؤلاء الثلاثة لاطلاع الجدة على تفاصيل حياتهم اليومية ومشاكلهم وألعابهم وحتى معاركهم ونزاعاتهم. والدة الأطفال الثلاثة تترحم على أيام زمان حين كانت جدتها هي الشخص الأقرب إليها في طفولتها وسندها ومصدر تدليلها. كانت جدتها تقطن في آخر الشارع الذي تسكن فيه مع أسرتها. وكانت تمضي أياماً متواصلة معها، لا سيما في العطلة الصيفية. وتتمنى لو أن"ظروف الحياة الماضية استمرت ليكون لأمي دور حيوي في تربية أبنائي وتنشئتهم والاستفادة من خبراتها وحنانها. لكن أزمة السكن وازدحام المواصلات وإيقاع الحياة اليومي المتخم بالمهمات التي يستحيل إنجازها في الأربع وعشرين ساعة من كل اليوم، بدّدت ذلك الحلم". وعلى النقيض تماماً، فأسرة كمال 15 عاماً وحسام 12 عاماً: تعيش الجدة معهما في البيت نفسه، أو بالأحرى، أفراد الأسرة هم الذين يعيشون في بيت الجدة، بعدما عرضت على ابنها الأكبر أن يقيم معها بعد زواجه منذ 16 عاماً. كانت أزمة السكن في أوجها ولم تكن موارده المادية تسمح له باستئجار"عشة"، فكيف بشقة. وكان العرض موقتاً، فقد كانت زوجته تخطط لتوفير مبلغ من المال يتيح لها وزوجها الاستقلال بحياتهما بعيداً من حماتها، وتفادياً للمشكلات المعهودة. إلاّ أن الأمور سارت في الاتجاه المعاكس وساء الوضع المادي بعد إنجابهما الصبيين. وعلى رغم كثرة المشكلات التي"تفاقمت"بين الجدة من جهة، وابنها وزوجته من جهة أخرى، لعبت الجدة دوراً مهماً في حياة الصبيين. كانت ترعاهما، وهما صغيران، أثناء غياب والدتهما في عملها خارج البيت. ويقول كمال، الحفيد الأكبر، إن جدته هي التي ربته هو وشقيقه. ويتذكر كمال الحكايات التي كانت تحكيها له جدته وهو صغير، وذكريات الأسرة وأصولها التركية وأمجاد الأجداد والتي يعتبرها كمال التراث الحي الذي يحمله معه اينما ذهب والذي لولا جدته لما عرف عنه شيئاً. أما حسام، شقيقه الأصغر، فيبدو أقل حرصاً على تاريخ العائلة لكنه يعتبر جدته نصيره الأول والأخير في البيت، من ناحية"المصروف"، طبعاً. ويروي:"بصراحة مصروفي الأسبوعي يتبخر بعد يومين أو ثلاثة فقط ودائماً ألجأ إلى جدتي التي تنقذني ببضعة جنيهات من معاشها الشهري. وهي تتدخل بيني وبين والدي في كل مرة ينشب بيننا خلاف".