تنتظر السيدة زهرة العلي، البالغة من العمر 90 عاماً وتتمتع بصحة جيدة، مرافقة ابنائها وأحفادها البالغ عددهم 160 لزيارة قريتها تلال الحمبلاس، مسقطها قرب انطاكية في تركيا التي كانت تتبع سورية... بعد رحلة بحث امتدت 85 سنة بعدما سرقتها وثلاث فتيات سيدة مجهولة، مع بداية الحرب العالمية الأولى. وكان برنامج تلفزيوني يبث على الفضائية السورية مختص بإذاعة أسماء المفقودين، مهّد الطريق لمتابعة فصول القصة. وتقول السيدة زهرة: "أحن الى مشاهدة قريتي وكرمي والجسر فوق نهر العاصي قربها. علمت أن البيت تهدم ولم تبق سوى شجرة الجوز داخله. أذكر حرب سفربرلك العالمية الأولى التي ذهب والدي اليها، ولم يعد فتكفل عمي تربيتي، وفوجئت الآن انني كان لدي أخ، جاء أولاده للبحث عني بناء على وصيته كي يرتاح في قبره". وعن حادث سرقتها تقول: "كنت ألعب تحت شجرة مع ثلاث فتيات، قال لي أولاد أخي إني كنت أنتظر والدهم سليمان ليعود من السوق وفقاً لروايته، فجاءت امرأة لا أعرفها واصطحبتنا معها الى بلدتي حارم ثم كفر تخاريم، الواقعتين على الحدود السورية - التركية". وتضيف: "كان شائعاً بيع الأطفال بسبب الفقر ولم يرغب أحد في شرائي لأن عمري خمس سنوات ولا أصلح للخدمة داخل البيوت، تبنتني سيدة اسمها أمّون من أصول حلبية بعدما دفعت بضعة كيلوغرامات من البرغل للسارقة. انتقلنا مع زوجها الموظف في سن العاشرة الى قرية الأنصاري المتاخمة لحلب والتي تعد الآن أحد أحيائها. عطفت عليّ تلك المرأة أكثر من أبنائها وزوجتني في سن الخامسة عشرة وأنجبت أربع صبيان وثلاث بنات أصغرهم في الخمسين الآن، وما زلت أعيش في بيتي هذا مع أصغر أبنائي مذ ذاك". وفوجئ أحمد مخزوم، أحد أحفادها، عندما سمع نداءً عبر برنامج "خبرني يا طير" وجهه أشخاص من انطاكية للبحث عن سيدة "تتقارب في المعطيات الموصوفة مع جدتي، إذ أن ذكريات طفولتها في قريتها شبه معدومة"، على حد قوله. ويتابع: "اتصلت بالبرنامج لأستوضح الأمر وما لبثت المعلومات ان تطابقت بعد أسابيع من تداول الطرفين لها عبر البرنامج، واتفقنا على أن يزورونا في حلب". ويشرح السيد عبدو مخزوم، ابن السيدة زهرة، اللقاء الأول مع أولاد خاله سليمان: "كنت أخشى ألا يعرف بعضنا الآخر في محطة انتظار الباصات، إلا أن أحدهم عانقني بعدما أخرج صورة والده من جيبه، وذهلت للشبه الكبير جداً مع خالي من حيث الشكل"، علماً انه ذهب أربع مرات الى تركيا للتنقيب عن قرية والدته، كان آخرها قبل عشرين عاماً من دون أمل يرتجى. ويرتب الجميع الآن لزيارة قرية الجدة ولمّ شمل الأقارب الذين يتقنون اللغة العربية، عسى أن يدخلوا شيئاً من البهجة الى قلب الجدة بعد رحلة العناء هذه.