بايدن يأمل أن تكون الهجمات الإسرائيلية على إيران هي النهاية    القبض على شخص في رفحاء لترويجه عبر مواقع التواصل مادة الإمفيتامين المخدر    الخريجي: السعودية لم تألُ جهدًا عبر تاريخها في مد يد العون والمساعدة للدول والشعوب المحتاجة    البدء بإجراءات نزع ملكية المباني المجاورة لمقر رئاسة أمن الدولة بجدة    منظمة الصحة العالمية: الوضع في شمال غزة «كارثي»    هل أصبح الإجهاض مسألة المسائل في الانتخابات الأميركية؟    وزير الاقتصاد والتخطيط : رؤية المملكة 2030 تقود تحولًا جذريًا    بريطانيا تحظر السجائر الإلكترونية ابتداءً من العام المقبل    اختتام برنامج الدراسات التأهيلية للقادة الكشفيين    رابطًا الفن بالتاريخ والمستقبل.. "نور الرياض" يعلن مراكز الاحتفال    "صافرة البداية" مسلسل وثائقي عن الدوري السعودي على نتفليكس الشهر المقبل    7 نوفمبر: انطلاق مهرجان الغناء بالفصحى في الرياض    مركز البذور: تقييم الموارد الوراثية المحلية لتحسين جودة المحاصيل وزيادة الإنتاج    ضبط مخالفات بيئية بذهبان في جدة    3 إصابات في النصر قبل مواجهة التعاون    لاعب يوفنتوس على رادار دوري روشن    «الداخلية»: ضبط 20896 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في أسبوع    القيادة تهنئ الرئيس الاتحادي لجمهورية النمسا بذكرى اليوم الوطني لبلاده    "تعليم الرياض" يطلق معرض "إبداع 2025" لتعزيز مواهب الطلبة    تكريم الفائزين بجائزة الأمير محمد بن فهد في دورتها الثالثة لأفضل أداء خيري في الوطن العربي    هل أبلغت إسرائيل إيران بالهجوم؟    "الأرصاد" هطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الأول من نوعه في العالم.. استئصال أورامٍ دماغية بتقنية جديدة !    جهاز خارق يشخِّص السرطان في 60 دقيقة    فضيحة ب «نيويورك».. مدرب يعتدي جنسياً على 7 طلاب    العتيبي يحصل على الدكتوراه    10,159 ريالاً.. متوسط رواتب الموظفين السعوديين    الأهلي يتعادل إيجابياً مع الأخدود في دوري روشن للمحترفين    إغلاق مؤشرات البورصة الأمريكية على تباين    إجراء 460 عملية ضمن برنامج نور السعودية التطوعي لمكافحة العمى في مدينة كيفة بموريتانيا    خام برنت يرتفع 2.25% ويبلغ 76.05 دولاراً للبرميل    المملكة توزع 1.039 سلة غذائية في مديرية الضالع باليمن    النصر ينجو من هزيمة الخلود بالتعادل الإيجابي    مدرب برشلونة يشيد بوحدة الفريق قبل مواجهة ريال مدريد    وزير الإعلام: نمتلك الأدوات اللازمة لتقديم محتوى إعلامي أكثر تميُّزًا وفاعلية    جيسوس يختار حارس الهلال أمام التعاون    إمام المسجد النبوي يفتتح أكبر مسجد في بودغوريتسا عاصمة الجبل الأسود    مكتب التربية العربي لدول الخليج الراعي للمنتدى التربوي المصاحب لدورة الألعاب المدرسية الدولية المقامة في البحرين    خطيب المسجد النبوي: الصلاة أعظم فريضة افترضها الله بعد التوحيد فهي عمود الإسلام    خطيب المسجد الحرام: إذا أدى العبد حق ربه انتظمت حياته    وكيل الأزهر يشيد بجهود القيادة في خدمة الإسلام والعناية بالحرمين    خبير اقتصادي ل«عكاظ»: أسعار الذهب سترتفع تدريجياً حتى 2025    مضمضة الكربوهيدرات    شرطة مكة: لا صحة لادعاء اختطاف وافدة من الجنسية الأردنية    هاكر يكشف مخاطر الإنترنت العام    مشروب يخلصك من آلام الظهر والصداع    كونوا أحياء    من صراع الأدوار إلى تدافع الأفكار    السنة المهجورة.. خدمة الرجل لنفسه ومساعدته لزوجته    الناعقون وشيطنة «السعودية»    كادي الخثعمي بطلة لتحدي القراءة العربي 2024    محمية الشمال للصيد.. رؤية الحاضر بعبق الماضي    وزيرة الدفاع الإسبانية تستقبل وزير الدفاع ويعقدان جلسة مباحثات رسمية    نائب أمير مكة يتوّج الفائزين بجائزة مكة للتميّز في دورتها ال 16    «الحسكي».. واحات طبيعية ومكونات سياحية مميزة    وزير الدفاع يجتمع مع عدد من رؤساء كبرى الشركات الصناعية الإيطالية    حدثوني عن مقبرة الأحلام    نائب أمير الرياض يعزي أسرتي بن شوية وبن حضرم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحفيد
نشر في الرياض يوم 10 - 01 - 2013


1
كنت اخطط لبدء مشروع رواية منه، حفيدي الكبير. الاحقه وانغص عليه وقته وهو يعزف أو يصغي للموسيقى. أمر على اطراف أصابعي إلى مراكز عالمه فلا يلتفت . وإذا دمدمت بتحية الصباح أو المساء كان يجيب بتهذيب ومسافة. قررت ان اتخصص به، فدائما الحب ينال مني فلا أقدم على طلب الاسترحام لا منه ولا من والده ولا من جده. كنا ثلاثة أجيال نعيش سويا في فيلا جميلة أنيقة وضاءة في قرية سانت لازار من ضواحي مونتريال الكندية. كنت احاول ان يكون مروري هادئا وغير متطلب فأنا في طبعي شديدة التطلب ولا ادري للساعة هل هي صفة حميدة أم لا؟ فقررت ان لا ادع الدائرة فيما بيننا تضيق وإذا ما أتسعت فهي ستبدو صمام أمان. فأنا كائن غريب حط بينهم، يجاورهم في إحدى غرف الطابق العلوي ويستخدم حمامهم، والممرات الفسيحة من بيتهم. فكنت أخشى فعلا واتساءل؛ هل جلست في صورة صحيحة أو غلط؟ هل هذا الكرسي المفضل لليون ام بيجان، ربما لأحدهما ودون علمي. تحصل وحصلت أشياء ودائما دون علمنا لكننا أما ان نغض الطرف أو لا نرى البتة وهذه - البتة - نادرا ما استعلمها في الكتابة، وإذا ما استعملتها فأنا أطلق ضحكة مجلجلة بعدها فهي لا تحضر إلا في السياق ولكن من يخلق السياق ذاته؟ حفيدان حقيقيان لذيذان لدي وكانت الشؤون والأمور والأفكار السطحية والعادية جدا، تحمل لي عيدا لحظويا معهما.
2
إننا لا نعرف أو غير معنيين؛ كيف يرانا الآخر، وعلى الخصوص هؤلاء الأقرب إلى من حبل الوريد. كنت في سنهم أجد في جميع ما يمر حولي اداة للسخرية والفكاهة، وعلى وجه الدقة كنت انجز ما يحتاج إلى انجاز في صورة متقنه كتنظيف الزجاج الذي افضله، اما الكوي فإلى اليوم لا اطيقه. لكنني كنت اتقن جميع ما يطلب مني ولكن بالتهكم. وعندما تدعى إلى ضيافة حتى لو كانت إلى بين وليدك، فما عليك إلا ان تعلم ان المكان يعج بالغرباء. صحيح أنا الجدة لكننا نختلف. هم الجيل الثالث ونحن جميعا نتساءل من تكون هذه السيدة؟ نجتمع حول المائدة إلا اننا اطياف من كائنات يغطيها الضباب. إننا نتأرجح ما بين النفور والألفة فنسلك سلوكا متعرجا وذلك لكي نرجىء الصدمة إلى أطول وقت مستطاع منا جميعا. كنت احتار كيف سألتقي بهم ؟ الوالدة اللطيفة أنا أولا التي لن تتشبث أن تكون محبوبة وانما مفهومة وواضحة. اما الجدة التي حضرت ولا تريد ان تكون في المركز فهي تفضل الطرف، الهامش الأبعد إذا امكن ذلك. ليون هل يصلح ان اضع بين يديه حياتي وبيتي في الأعظمية واسحب البكرة فيبدأ الفيلم ؟ هل بمقدوره السفر إلى بغداد وتقليب تربة الجنينة كأي بستاني مبتدىء. كم خطوة علي القيام بها لكي لا أخاف من تسديد الثمن؟ ثمن الجزع وأنا ادري فيما إذا وضعت بين يديه؛ البيت، بيتي هناك وكأنني سأدعه في حالة احتضار كما أنا، ومازلت؟
3
لا أحد سيفتح له الباب هناك، فالجيران انقلبوا على البطانة ثم غادروا. العمة فريدة غادرت اليابسة والماء سويا وكل مشاق الطريق سوف تدعه يرى ما لا يخطر على البال. لكن لغته العربية صفر، والفرنسية صداحة والانكليزية ممتازة وما بينهما كان سلك الحديد الموضوع في فكه العلوي من أجل تقويم اسنانه كما فعلنا بالضبط مع والده حين كان اصغر قليلا. هل الاعوجاج في أشياء كثيرة يُورث ؟ فبدت لي لهجته ولغته غير مفهومة حتى بالنسبة لوالديه. هو يأكل بعض الحروف ويبلع بعض التفاصيل. هو يكتفي بالايماءة بدلا من التصريح التام فأعيد عليه السؤال بصورة مواربة فلا يبخل علي بالاجابة المقتضبة. هو الاقتضاب بالضبط. أظن ان حفيديً سويا يتآلفان من هامش من حرية اللاحوار فلديهم ملحق يمتد على مسافة واسعة جدا من الصمت واللاكلام. فكرت ان هناك مستودعات من هذا العتاد من الخرس ما يجعل المحادثة تتوارى . الجميع وأنا واحدة منهم أمام شاشة الحاسوب وكأننا نقتفي أثرا في رمال النت الكاسحة. كل تلك المواقع الافتراضية تفتح شهية الحفيد الصغير لفضول محتدم فاسمعه يتشاجر مع النت وهو يدعو زميله أو رفيقه بهذه اللعبة أو تلك فيتشاجران على خطوط المواصلات ومن يقف قبل الآخر ؟.
4
كل شيء ممكن روايته على ان نرويه ولوحدنا فلا ننتظر أية إشارة من هذا أو ذاك على الاستجابة أو الاستحسان أو .. أو . كل رواية نستطيع ان ندع اشخاصها يركضون حفاة القدمين ونحن وراءهم انقطعت أنفاسنا لكي نحاول انقاذ أحدهم حاول ان يغرق أو ينتحر مثلا. أنا كنت هكذا هناك وهذه نقطة ضعف أية رواية، ان نكون في مباراة أو منافسة، أو مجرد انتقام. ما هم الحفيد ليون العذب والصموت من حياتي والعراق، بيتي وحكاياتي، وقصصي. ما هم ان بقي هو وشقيقه كلاعبين بدون ادعاء أو توهم. آه، الكبير بعيد عني جدا، ناءٍ. يؤثر الموسيقى على النوم والطعام فهو يراها فضيلة. يؤلف اغان للراب مع زميله وهذه هي الحقائق لديه. أما أنا فطارئة في نهاية الأمر. حضرت ُفي غفلة من زمنه وسأعاود ذلك الرحيل والتشتت. يعزف على البيانو ويسجل فيه عزفه واسمعه وهو يحادث زميله ليلا ويغني فلا يفصلنا إلا حائط خفيف. ولكن هل صحيح يفصلنا مجرد جدار؟ أظن هو وشقيقه - الجني - غير موهوبان في الالتفات إلى وراء. تركا الحسرات لي وأخذا الضحك والظرف والدعابة والقهقهة لهما. لا أحد يناديني لكني وقبل هذا كنت ألبي النداء. هكذا، اردد دائما وأقول ذلك، لم يفت الأوان بعد، ودائما كان بمقدوري ان أبدا معهم أو مع غيرهم ومن الصفر. أبدأ أواصل واتعب.. تعبت ووهنت وثقلت حركتي وما زلت انتعل الحذاء الرياضي وأفحص هندامي، واعتني ببشرتي فأشعر ان ثقتي بالنفس وكأنها دخلت في تنزيلات لهذا الموسم.
حفيدان حقيقيان يتنفسان ويتشاجران برفق، ويلهوان لكنهما ينفصلان تماما. كلُ في صحوه ولهوه وسيره. كبرا دوني وأنا تقدمت إلى الأفول دونهما. وحين سيكونان في الشباب سأكون في مكان آخر. ياه، كم هما بعيدان، وكم كندا شاسعة إلى حد أنني شعرت أنها طريق في اتجاه واحد. حين اودعهما سيتم التجاهل التام. إننا لا نبصر إلا ذاك الذي بجوارنا، نراه ونسمع حفيف ثيابه وبحة صوته فيكون حضوره عذبا. هل ماتت تلك المرأة الأولى؟ أنا اليافعة قليلة الحيلة، شحيحة الملاحة. أنا الزوجة العاشقة والأم التي تريد ان تنتف ريشها بيدها الاثنتين ومن دون صراخ وألم. اجتزت الشابة والزوجة والأم والجدة. اجتزت جميع النساء في داخلي لكني لم أقدر على دفن أية واحدة منهن. كل واحدة ترفع رأسها تريد بقية من ربع دور، فضلة من كومبارس حتى لو لم تظهر إلا من القفا. النساء في داخلي لا يشبعن قط. شراهتهن لا تتوقف والممر هناك مازالت بضعة درجات تنتظرني وما علي إلا قطعها حتى تٌقطع حبال الارجوحة المترججة أصلا. هل التقدم بالسن يوصل إلى سن الرشد الحقيقي؟ هل وصول الحفيد إلى حضن الجدة أو بين ذراعيها هو اكتمال الرشاد؟ آه، أحببتهما كثيرا، قطعا ليس أكثر من والدهما. لا آلة تضبط قياس شغف الآباء والأمهات بالأبناء، أما الاحفاد فأظن هو، هما، هم انتظام خفقات القلب.
لست لهم ولا معهم. محكومة بولدي وبالتالي بهما سويا. بدأ عمري وأنا احضنهما طويلا جدا لكنه قصير أيضا فقد لا التقي بهما ثانية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.