التضخم السنوي في السعودية يتباطأ إلى 1.9%    اقتصادي / "مدن" و "اكتفاء" توقعان مذكرة تفاهم للتعاون في توطين سلاسل إمداد قطاع الطاقة    السعودية تدفع بالطائرة ال 11 لإغاثة الشعب السوري    مجمع الملك سلمان العالمي للُّغة العربيَّة ووزارة الحج يُطلقان "معجم مصطلحات الحاج والمعتمر"    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بمدينة غزة    «وزارة الصناعة» توقع مذكرات تفاهم مع 6 دول لتطوير قطاع التعدين والمعادن في المملكة    250 شركة برتغالية تستعد لدخول السوق السعودية    «إثراء الضيافة القابضة» تدشن هويتها الجديدة بحضور وزير الحج والعمرة    حسابات السومة    «دلة البركة» توقّع اتفاقية تعاون مع شؤون حجاج الصين    «التعليم»: الفحص اللياقي.. شرط لقبول الطلاب المستجدين العام القادم    حج آمن    أمير القصيم يدشن مشروعات محافظة أبانات    الأهلي يصطدم بالخلود.. وصراع «الوسط» ب «ديربي الرياض»    الشباب ينهي عقد كويلار    الاتحاد يتخلى عن صدارته    "سلامة الأغذية" بالرس يحصل على "الأيزو"    المتحدث الأمني لوزارة الداخلية يؤكد أهمية تكامل الجهود الإعلامية بمنظومة الحج    أمير الشرقية يتسلم تقرير الملتقى العلمي    فيصل بن نواف يطلق ملتقى «جسور»    سعود بن بندر يستقبل مدير الالتزام البيئي ورئيس «رياضة الأساتذة»    فيصل بن بندر يطلع على أعمال أمن المنشآت    المملكة والسَّعي لِرفع العقوبات عن سورية    البروتين البديل    سعود بن خالد يشهد اتفاقية «الفاحص الذكي»    مستشفى المذنب يُجري 1539 عملية جراحية    «أمن الدولة»: انتقلنا من مرحلة توفير الأمن إلى صناعته    مفتي الطائفة العلوية ل«عكاظ»: السعودية محل ثقة.. ودورها محوري في سورية    مدير الجوازات: أجهزة ذكية لقياس مدة بقاء الحجاج في «الكاونتر»    مجلس الوزراء: تشكيل لجنة مركزية دائمة للجهات الأمنية في المنافذ الجمركية    من أعلام جازان.. الشيخ الجليل ناصر بن خلوقة طياش مباركي    برينتفورد يفرض التعادل على مانشستر سيتي بالدوري الإنجليزي    صراع «الفاشنيستا» تديره فَيّ فؤاد    الدبلوماسي الهولندي ما رسيل يصف بعض جوانب الحياة في قنا حائل    ابو قلبٍ مريح    أمريكا والتربية    م ق ج خطوة على الطريق    يا رجال الفتح: كونوا في الموعد    زمن السيارات الصينية    منشأة خامسة لأرامكو السعودية تدخل قائمة "المنارات الصناعية"    مفوض الإفتاء في جازان يحذر من خطر الجماعات المنحرفة خلال كلمته بالكلية التقنية بالعيدابي    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يفتتح» مؤتمر ومعرض الحج 2025»    بايدن يرفع كوبا عن اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب وهافانا ترحب    "سلمان للإغاثة" يحلق عالمياً    ولي العهد ورئيس البرازيل يبحثان تطوير العلاقات    الآثار المدمرة بسبب تعاطي المخدرات    «الغذاء والدواء»: الجنسنغ بجرعات عالية مضر بالصحة    هل انتهت كرة السلة في المدينة المنورة ؟!    ألمانيا.. بين دعم السلام والأسلحة الفتاكة!    الدكتور علي مرزوق إلى رتبة أستاذ مشارك بجامعة الملك خالد    أفكار قبل يوم التأسيس!    انطلاق فعاليات معرض مبادرتي "دن وأكسجين" غدًا في جازان    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لانجازات واعمال فرع وزارة التجارة    أمير الشرقية يقدم التعازي لأسرة السماري    إنجاز علمي جديد.. «محمية الملك عبدالعزيز الملكية» تنضم للقائمة الخضراء الدولية    أمير الجوف يشيد بدور "حقوق الإنسان"    «اجتماعات الرياض» تبحث إعادة بناء سوريا وتحقيق أمنها    برعاية الأمير فيصل بن خالد.. إطلاق جائزة الملك خالد لعام 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدروس الجيو - سياسية من حرب لبنان
نشر في الحياة يوم 18 - 08 - 2012

في التساؤل عن الرابح والخاسر في حرب لبنان يبدو أن محور طهران - دمشق -"حزب الله"خرج أكثر ثقة وارتياحا في حين بدت أميركا وإسرائيل أضعف على الصعيدين السياسي والمعنوي، وتشكوان من هشاشة فعلية على صعيد حرب العصابات.
والواقع أن حرب إسرائيل على لبنان لم تكن"حربا عادلة". فاختطاف جنديين إسرائيليين يوم 12 تموز يوليو كان يأمل"حزب الله"بمبادلتهما بسجناء لبنانيين يقبعون في السجون الإسرائيلية منذ ثلاثين سنة لا يمكن أن يبرر تدمير لبنان.
لقد كانت هذه الحرب الوحشية المفرطة في عدم تناسبها معدة سلفاً مع واشنطن. وكان الغرض منها القضاء على"حزب الله"وإقامة حكومة لبنانية تخضع لإسرائيل وأميركا. وكان الغرض منها أيضاً اضعاف حليفي"حزب الله"إيران وسورية وربما تعريضهما لهجوم. وإذا بها تحقق العكس تماماً.
وكان من النتائج الفورية لهذه الحرب أن ازدادت شعبية"حزب الله"وزعيمه السيد حسن نصرالله. ومع أن مقاتليه سوف ينسحبون قريباً من منطقة الحدود - في الوقت الذي تنسحب فيه إسرائيل ويحل الجيش اللبناني محلها تدريجياً، مدعوماً بقوات المراقبة الدولية - إلا أنه من المستبعد جدا أن يفكك"حزب الله"كحركة سياسية مسلحة أو أن يُجرد من سلاحه في المستقبل القريب. فلقد أخفقت إسرائيل في أداء هذه المهمة ولن تستطيع الحكومة اللبنانية أو أي جهة أخرى محاولة تحقيق ذلك.
وقد يسعى خصوم"حزب الله"في الداخل إلى توجيه اللوم له لتسببه في إلحاق الكثير من الأذى بالبنية التحتية اللبنانية وفي قتل ما يزيد عن ألف مدني. فهنالك مليون نازح يعودون الآن إلى ديارهم وقراهم المدمرة.
ومن المفروض أن يلعب"حزب الله"، بوصفه ممثلا لطائفة تعد مليون واربعمائة ألف نسمة، دورا رئيسيا في إعادة إعمار جنوب لبنان ووادي البقاع وضواحي بيروت الجنوبية التي دمرتها الغاارت والمدفعية الإسرائيلية.
وأما الطائفة الشيعية، فبدلا من أن تلجم"حزب الله"- كما تطالبها إسرائيل وأميركا بذلك - فإنها سوف تطالب بدور أكبر له في إدارة شؤون الدولة. وقد يتطلب الأمر إعادة النظر في المؤسسات اللبنانية بحيث تؤخذ الوقائع الجديدة في الاعتبار.
ولا شك أن من نتائج حرب لبنان تضاؤل احتمال شن أي هجوم على إيران أو سورية. فالمحافظون الجدد في واشنطن أمثال مايكل لدين ووليام كريستول وغيرهما من المتعصبين ما زالوا يدعون بشراسة لقلب نظامي الحكم في طهران ودمشق بالقوة. ولكن لا إسرائيل ولا أميركا تملكان الجرأة على ذلك.
وقد تكون إيران قبل حرب لبنان تشكك إلى حد ما في الحكمة من امتلاك السلاح النووي. ولكنها اليوم ستسعى حثيثا للحصول على هذه القدرة الردعية التي يمكن أن يوفرها السلاح النووي. ومن الصعب أن نتصور، بعد حرب لبنان، كيف يمكن أن يوقف برنامج إيران النووي أو يلغى، ومن يجرؤ على ذلك.
وما زالت الصحافة الأميركية تتساءل عن إمكانية توجيه ضربة للمرافق الإيرانية ولكن معظم الخبراء يستبعدون حصول هذه المغامرة الخطرة. فقد يكون الرئيس جورج بوش جاهلا أو عنيدا ولكنه ليس مجنوناً.
ومن نتائج حرب لبنان أيضا إعادة سورية إلى اللعبة بعد أن جرى استبعادها. فالسياسيون والمراقبون في أميركا وأوروبا - بل وحتى وزير الدفاع الإسرائيلي عمير بيرتس - نوهوا بالحاجة إلى إدخال سورية في أي تسوية دائمة لنزاعات المنطقة. ولفتت الحرب الانتباه إلى الشرطين المسبقين للسلام الدائم في لبنان، وهما إعادة الجولان إلى سورية والاعتراف لها بمصلحة مشروعة في منع أي دولة معادية من بسط نفوذها في لبنان، الأمر الذي يشكل تهديداً مرفوضاً لأمن سورية القومي.
وحاول الرئيس بوش والرئيس شيراك، كل منهما لأسباب مختلفة، أن يخرجا سورية كليا من الشؤون الخاصة بلبنان. وتبعتهما تسيبي ليفني وزيرة خارجية إسرائيل إذ قالت هذا الأسبوع"أن على سورية أن تفهم أن لبنان ينطلق باتجاه مختلف، بعيدا عنها". وهذه الآمال عقيمة لأنها تتناقض مع الواقع على الأرض، والأصح هو القول إن على إسرائيل ألا تتدخل في الشؤون اللبنانية وأن تبقى خارجاً.
وأما في إسرائيل فالطبقة السياسية غارقة في البحث عن كبش فداء لحرب أدت إلى المساس بسمعتها كدولة لا يمكن أن تقهر عسكرياً والمساس بقدرتها الردعية. ولعلها ذاقت عينة مما تعانيه أميركا في العراق.
وهناك بالإضافة إلى ذلك عواقب أخرى للحرب على المدى البعيد ما زال الرأي العام الإسرائيلي لم يدركها بعد، كالتساؤل عن الغرض من جدار العزل الباهظ التكاليف الذي وصفته محكمة العدل الدولية في لاهاي بأنه غير قانوني، والذي يجعل حياة الفلسطينيين في غاية البؤس، ما دامت الصواريخ تستطيع التحليق من فوقه.
ومن نتائج الحرب أيضاً نزعة ايهود اولمرت لاتخاذ قرارات الانسحابات الأحادية الجانب التي ورثها عن شارون وكان يأمل بتوسيعها، والتي أصبحت إحدى ضحايا الحرب. فالانسحاب الانفرادي من غزة، مع بقاء الحصار القاسي عليها أدى إلى توجيه الصواريخ الى المدن الإسرائيلية في النقب. كما أدت محاولة نسف حكومة"حماس"الديموقراطية إلى حالة تشبه الحرب. ومع أن هنالك نحو 200 فلسطيني قتلوا خلال الأسابيع الستة الأخيرة فليس هنالك ما يشير إلى أن"حماس"مستعدة للاستسلام. وأما مشروع أولمرت المسمى بخطة التجميع والقاضي بالاستيلاء على أراض في الضفة الغربية من دون الرجوع أو التفاوض مع الفلسطينيين فيبدو أنه في طريقه إلى الزوال.
ويدور التساؤل في إسرائيل حول سقوط حكومة أولمرت وما إذا كان الفشل العسكري سوف يكون لصالح اليمين أم اليسار، وما إذا كان رئيس الأركان الجنرال دان حالوتس سوف يضطر إلى الاستقالة كما طالب بذلك العديد من المعلقين الإسرائيليين. فقواته لم تستطع خلال 34 يوما إيقاف سيل صواريخ"حزب الله"في حين ارتكبت قواته الجوية جرائم حرب.
ولا يبدو حتى الآن ما يشير إلى أن إسرائيل مستعدة لمواجهة الأسئلة الحقيقية التي طرحتها حرب لبنان. فهل تمضي في التوسع في الضفة الغربية وترفض الانسحاب من الجولان أم تقتنع بضرورة التفاوض مع الفلسطينيين وسورية على أساس صيغة الأرض مقابل السلام التي تضمنها قرار مجلس الأمن 242 لعام 1967؟ وهل ستسعى إلى بسط تفوقها العسكري على سائر المنطقة العربية أم تقبل بنوع من توازن القوة أو على الأقل توازن الردع؟
لعل الإجابة على هذه التساؤلات هي التي ستحدد ما إذا كانت إسرائيل تستطيع العيش بسلام وأمن في المنطقة أم أن عليها أن تواجه حركات التمرد والعصيان الدائمة من جانب جيرانها السيئي الطالع.
وأما الدول الغربية فقد كان لموقفها من الأزمة أسوأ الأثر. فأميركا فازت بقسط وافر من الكراهية والاحتقار، إذ بتأجيلها وقف إطلاق النار طوال شهر حتى تتمكن إسرائيل من إكمال مهمتها، وجهت ضربة قاتلة لمجلس الأمن، فأثارت غضب الأمين العام كوفي أنان.
فقلما حظي زعيم عالمي بقدر من السخرية التي حظي بها الرئيس جورج بوش حين أكد أن الأزمات العديدة، سواء في أفغانستان أم في العراق أم في لبنان أو غزة، ما هي سوى صراع بين الإرهاب والحرية. ذلك أن مفهومه للحرية لم يكن مردوده سوى الموت، وهو حين استخدم عبارة"الفاشية الإسلامية"التي استعارها من الليكوديين، أثار استنكار العالم الإسلامي، وطالبه خمسون نائبا في البرلمان المصري بالاعتذار. وهو بكل أسف ليس الزعيم القادر على تصور خطة جريئة لسلام شامل أو على تطبيق مثل هذه الخطة في منطقة هي أحوج ما تكون إليها.
وأما في بريطانيا فقد عادت سياسة توني بلير بالتبعية العمياء لأميركا عليه بالخزي والعار وأدت سياسته إلى تعريض البلاد للخطر نتيجة لموقف غاضب من طرف جزء من السكان المسلمين.
وأما فرنسا فكان موقفها أفضل بكثير. فرغم أنها بدأت بالوقوف إلى جانب أميركا إلا أنها سارعت إلى تصحيح الهدف كي تأخذ بالاعتبار الاعتراضات اللبنانية والعربية، الأمر الذي أتاح لها أن تفاوض على الحل الوسط الأخير مع أميركا الذي انتهى إلى تبني قرار مجلس الأمن رقم 1701.
وختاماً نتساءل إلى أي أمد تستمر الهدنة الحالية؟ ذلك يتوقف على مدى استعداد واشنطن وإسرائيل لتقبل الدروس الجيو - سياسية للحرب وهضمها.
* كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الاوسط


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.