كتب الروائي المغربي بالفرنسية الطاهر بن جلون مقالة في صحيفة"لو موند"الفرنسية في 8 من الشهر الجاري يتطرق فيها الى الحرب التي تشنها اسرائيل على لبنان. هنا مقاطع من المقالة: قد يكون التهديد الأعظم الذي يلقي بظلاله على إسرائيل هو السلام نفسه، حتى وإن كان سلاماً عادلاً ودائماً وين بثق من اعتراف متبادل بدولتين مصيرهما العيش جنباً إلى جنب، وحتى إن كان سلاماً لا يعترف لا بالخيال ولا بالأساطير بل يستند إلى الواقع. غير أنّ هذا الواقع مليء بالتعقيدات ومن الصعب الإمساك بكل جوانبه لا سيّما وأنّه يرفض الاستسلام لرغبات السيطرة قل لرغبات الإذلال، وأنّ موجة من الغضب الهائج والوحشي تحكم اليوم قبضتها عليه. إنه واقع يحمل بصمات المأساة والكراهية والعنصرية وعقدة الانتقام. علينا أن نقولها بهدوء، إنما من دون الابتعاد عن الحقيقة، الحقيقة كما يعيشها العالم العربي على الأقل: إنّ معظم الإسرائيليين لا يرغبون بالعيش جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين، فالجراح العميقة لم تندمل والأحقاد لم تزل، والخلافات التاريخية لم تذهب طي النسيان والحروب لم تستثني أحداً. ولأنّ الفلسطينيين عانوا من وحشية الإحتلال وهمجية الدمار، ليس لديهم أدنى رغبة بتقاسم الرغيف والأمل بالعيش بسلام مع عدو أقام حائطاً من الباطون المجبول بالكراهية، بالعيش مع عدو لم يتوقف يوماً عن اضطهادهم وحرمانهم من أبسط حقوق الوجود. إنّ الوجود يعني العيش في دولة تتمتع بحدود دائمة وآمنة، يعني الذهاب إلى المدرسة ومن ثم إلى الجامعة، يعني رسم مشاريع مستقبلية، يعني امتلاك جواز سفر، يعني السفر، يعني العيش في ظل حماية الشرطة والجيش، يعني بناء الطرقات والمستشفيات والحدائق والحضانات والمنازل من دون التفكير بأنّ جرافات العدو ستدمرّها يوماً على رؤوس أصحابها ظنّاً أنها تحوي بعض المقاومين للإحتلال خلف جدرانها... أمّا الوجود، بالنسبة إلى إسرائيل، فيعني العيش ضمن حدود آمنة ومعترف بها، يعني الحصول على ضمانات على أمن مواطنيها، يعني وضع حدّ لعمليات الاستشهاديين الذين يفجرون أنفسهم داخل مطعم أو حافلة لقتل الأبرياء، يعني عدم الخشية من تلقي صواريخ تطلق من الناحية الأخرى للحدود، يعني بتّ مسألة الجوار هذه من خلال تحرير الأراضي المحتلة وإرساء السلام وتحرير الأسرى وبذل جهود دؤوبة للاستغناء عن أسطورة"إسرائيل الكبرى"، يعني التوقف عن صب جام الغضب الذي ولّدته المحرقة، الجريمة ضد الإنسانية هذه، على العرب، الجريمة التي ينبغي علينا أن نذكّر بأنها ارتكبت باسم إيديولوجية أوروبية، يعني أخيراً تقبل فكرة إرساء دولة سوية، ممّا لا يعني دولة عاجزة. خطأ فادح إنّ ما يشهده لبنان وغزة ليس حرباً، بل هو خطأ سياسي وعسكري فادح. فلا يقتل الأبرياء ظناً من جلادهم بأنهم يحمون عناصر من حزب الله. ولا يمكن رفض وقف إطلاق النار والتفاوض تحت رعاية هيئة محايدة، هي الأممالمتحدة، هكذا، بالمطلق .... لقد أدّت سياسة الاحتلال الإسرائيلية إلى زرع شعور بمناهضة السامية وتعزيزه في قلوب عدد كبير من السكان العرب. ويجدر تذكير قادة الدول العربية بأن العنصرية لم تحل يوماً دون انعدام العدالة، وأنّ المشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية هي مشكلة استيطانية وليست مشكلة دينية تفرق اليهود والمسلمين. وإذا كان العالم العربي يريد أن يوصل صوته وينقل صورة ذات صدقية، عليه إذا أن يكافح ضد كل أشكال العنصرية. فقد تعايش اليهود والمسلمون في لحمة اجتماعية وثقافية رائعة، ولا سيما في المغرب كما قال المؤرخ حائيم زفراني. وبدورها، تقع إسرائيل، بملء إرادتها، في شباك سياسة جورج بوش الكارثية. والتاريخ يشهد على أنّ الولاياتالمتحدة لطالما لعبت دور الداعم الأساسي لدولة إسرائيل"غير أنّ نيات بوش اتجاه المنطقة ليست حسنة. فهو، على عكس كارتر وكلينتون، لا يرغب بتجسيد مشروع السلام. فكرهه للعرب والمسلمين متجذّر في كيانه ويمنعه من فهمهم أو حتى احترامهم. ولا بدّ من أن يأتي اليوم الذي تلتفت العدالة إلى الجرائم المرتكبة تحت شعار سياسات بوش الذي أسقطت عجرفته وتعصبه آلاف الضحايا في العراق، والذي يحمل اليوم ذنب مئات المدنيين الذين سقطوا ضحية القصف الإسرائيلي وذنب تزويد إسرائيل بالأسلحة والذي يتحمل مسؤولية دعمه الدائم لأولمرت كما لسلفه شارون. دقّت الساعة لوضع حد للمجازر وإبعاد الموت الذي يأتي ليقطف أرواح عائلات لم تقترف أي ذنب بحق إسرائيل ولا بحق فلسطين أثناء نومها. لقد دقت الساعة لإنقاذ إسرائيل من نفسها ومن الأصدقاء الذين يدفعون بها نحو الهاوية. فإن استمرّت إسرائيل في مغامرتها بالشراسة نفسها والأخطاء عينها، من المؤكد أنها أبداً لن تعرف السلام، هذا السلام الذي يطالب به معظم المواطنين الإسرائيليين، هذا السلام الذي تدافع عنه بكل شجاعة قلّة قليلة من المثقفين اليهود في العالم، هذا السلام الذي فلسطين بأمس الحاجة إليه لتولد من جديد وتحيا .... وفي ظل السلام الحقيقي، سيهمد حريق هذا التطرف من تلقاء نفسه عندما تزول أسباب وجوده.