تسعى اميركا الى تخريب مؤتمر للأمم المتحدة عن العنصرية سيعقد في دوربان جنوب افريقيا نهاية الشهر المقبل. وعلى رغم ان الموضوع اكبر وأشمل من المحنة التي يمر بها الشرق الاوسط، إلا ان واشنطن تهدد بنسف المؤتمر اذا اثيرت الصهيونية كأحد انماط العنصرية. ان يقال عن الصهيونية انها عنصرية، فهذا اقل من الحقيقة، يتساوى في ذلك ان تكون لأميركا وجهة نظر معارضة او لا تكون. فالعنصرية ليست مجرد توصيف لحال من التمييز اللاإنساني. انها ايضاً وقائع على الارض. وقياساً الى ذلك تكون الصهيونية حالاً عنصرية معتملة ومَرَضية، بل أسوأ منها، ان لم تكن حالاً عنصرية خاصة ينبغي ان يقول العالم يوماً رأياً فيها فضلاً عن ان يردعها. لا يعني دفاع واشنطن عن الصهيونية سوى ان سياستها تعتنق الايديولوجية الصهيونية بكل ما تنطوي عليه من رفض للآخر ومقت للانسانية واحتقار للمبادئ والأعراف الدولية. وكل ذلك تجسد في الحال الاستعمارية التي تمثلها اسرائيل ك"كيان صهيوني" نشأ من سرقة الأراضي وطرد سكانها الفلسطينيين ولا يزال يمارس هذه السرقة ويحميها بترسانة نووية، بل يريد من جيرانه العرب "سلاماً" معترفاً ب"مشروعية" الاحتلال. وحتى بعدما اعترف معظم العرب للاسرائيليين بوجودهم في الارض التي سرقوها العام 1948، ليكون السلام مبنياً على حدود 1967، اتبعت اسرائيل نهجاً متعنتاً وكأن ما سرقته اصبح حقاً لها ويحق لها ان تكتسب المزيد. حاربت اميركا الشيوعية وانتصرت عليها، لكنها تطوعت للدفاع عن الايديولوجية الصهيونية التي اثبتت طبيعتها العدوانية. فلا تعترف بممارسات اسرائيل العنصرية، على رغم ما تعرفه من حقائق ووقائع تتنافى مع المبادئ طالما دافعت اميركا عنها. ولم تعترف واشنطن يوماً بأن اسرائيل تحتل اراضي الغير، لكي تجنبها تبعات الاحتلال. ولم تعترف بجرائم الحرب التي ارتكبها عساكر اسرائيل ضد شعب واقع تحت احتلالها، لكي تبعد عنهم اي محاسبة او عقاب. ولم تعترف اميركا بحق شعب في المقاومة واعتبرتها ارهاباً ودانتها. لكنها اعترفت عملياً بسياسة الاستيطان بل ارتضت ان تموّله من اموال دافعي الضرائب الاميركيين واتخذت حياله مواقف متقلبة وغير جدية، فشجعت الاحتلال وقدمت اكبر المساعدات للقمع الاسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني. وبلغت صهيونية اميركا حد التمييز بين المقدسات مرجحة في مفاوضات كامب ديفيد افضلية المقدسات اليهودية في القدسالمحتلة. اي ان واشنطن تنطلق في مقاربتها للسلام من موقف عنصري خالص ضد الفلسطينيين والعرب. وترفض اميركا، وهي راعية عملية السلام، ان توصم اسرائيل والصهيونية بالعنصرية، مع انها تعرف ان حكومة اسرائيل تفكر في طرد ثانٍ للسكان الفلسطينيين من ارضهم، ومع انها استمعت الى زعيم "شاس" وهو يصف عرب فلسطين ب"النمل". اسهمت الضغوط الاميركية على مؤتمر دوربان والتهديد بعدم حضوره في جعل مفوضة حقوق الانسان في الاممالمتحدة ماري روبنسون تطلق تحذيراً للدول العربية بأن اثارة فكرة الصهيونية/ العنصرية قد تُفشل هذا المؤتمر، وهي استندت الى ان قراراً سابقاً يساوي الصهيونية بالعنصرية قد ألغي. والواقع ان هذا الالغاء حصل بموافقة العرب في خضم حملة "بناء الثقة" بعد مؤتمر مدريد وتسهيلاً ل"عملية السلام". لكن تجربة "السلام" نفسها، بما رافقها من خدع وممارسات وحشية، راكمت اسباباً وعناصر جديدة برهنت على الطبيعة العنصرية للصهيونية. يبحث مؤتمر دوربان الذي يعقد تحت شعار "مكافحة العنصرية" في ملفات استعمارية لم تقفل بعد، لكن اميركا تعارض ايضاً طرح قضايا التعويضات في هذا المجال غير مبالية باستياء الأفارقة، كما تعارض ما ينوي العرب طرحه بالنسبة الى الصهيونية غير مبالية بغضبهم. اذا لم تكن الحالات الاستعمارية نوعاً من العنصرية، فلا بد من ان الاميركيين يظنونها - كما في ذهنية باتت مستهلكة وبالية - احد انماط "نقل الحضارة" والتمدن.