إذا كان الرئيس الأميركي جورج بوش مصراً على أن وزير خارجيته كولن باول "حقق تقدماً" خلال جولته الكارثية من وجهة النظر العربية، فإن من المنطقي أن نسأله أين هذا "التقدم" الذي يتحدث عنه؟ هل يتمثل في توفير باول غطاء لرئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون لإكمال مجازره في مخيم جنين والبلدة القديمة في نابلس؟ أم في إبقاء الشعب الفلسطيني بأسره محاصراً تحت منع صارم للتجول، مثله مثل رئيسه ياسر عرفات المسجون في مقره في رام الله؟ أم في اعتقال خمسة آلاف فلسطيني معظمهم من المدنيين الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أن أعمارهم تراوح بين 18 عاماً و45 عاماً، ومن بينهم مروان البرغوثي وهو عضو في القيادة السياسية الفلسطينية وعضو في المجلس التشريعي الفلسطيني، يتركز عمله ونضاله بالدرجة الأولى على انهاء الاحتلال العسكري الاسرائيلي الظلامي الكولونيالي للأراضي الفلسطينية؟ لم يكتف بوش بإلقاء وزيره باول باللوم في استمرار الصراع على الفلسطينيين، ضحايا المجازر الارهابية الصهيونية، وانما بزّ وزيره فألقى باللوم، بصفاقة فائقة وغطرسة عمياء، على المملكة العربية السعودية ومصر والأردن التي قال انها "ساعدت في الحرب الأعم على الارهاب، والآن يجب عليها أن تساعد في مواجهة الارهاب في الشرق الأوسط"! أليس من الغريب جداً والمستهجن الى أبعد الحدود أن يذكر بوش في نفس واحد ثلاث دول عربية من بينها اثنتان لكل منهما معاهدة سلام مع اسرائيل، والثالثة التي تقدم ولي عهدها الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بمبادرة سلام ذات شقين متكافئين مرتكزين على قرارات مجلس الأمن وصيغة "الأرض مقابل السلام"، أي انسحاب اسرائيل انسحاباً تاماً من الأراضي العربية المحتلة وقيام الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدسالشرقية، لقاء اعتراف الدول العربية بوجودها ضمن حدود آمنة معترف بها؟ لقد عمي الرئيس الأميركي عن جرائم الحرب الاسرائيلية الكثيرة التي ارتكبت منذ بداية الاجتياح العسكري الجديد للضفة الغربية: كاستخدام المدنيين الفلسطينيين دروعاً بشرية، ومنع وصول سيارات الاسعاف الى الجرحى والمرضى والأمهات الحوامل، ومنع وصول امدادات الماء والغذاء الى المدن والقرى والمخيمات المحتلة، ودمغ المعتقلين الفلسطينيين بأرقام كما كان النازيون يفعلون باليهود، وتدمير شبكات الماء والكهرباء والهاتف، وهدم المباني والبيوت وتجريف الشوارع وخلع الأشجار، والاعدامات الميدانية لمقاومي الغزو الهمجي... اضافة الى ممارسات وحشية كثيرة أخرى. وإذا كان بوش قد تعامى عن جرائم الحرب هذه، فإن القادة العرب يجب ألا يعموا عن بقية ما سيأتي من المخطط الشاروني - الأميركي. ذلك ان الانسحابات التي يتحدث عنها الاسرائيليون ويتظاهر الأميركيون بالتفاؤل بها هي انسحابات وهمية تبقي المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية محاصرة. وشارون بدأ في تنفيذ خطة "المناطق الأمنية" التي تكرس احتلال الضفة الغربية، وهو وعصابته الحكومية - العسكرية ما زالوا يشتغلون في اتجاه التهجير القسري للشعب الفلسطيني من وطنه، وما زالوا يخططون لتوسيع المستوطنات اليهودية. لقد رفض باول اعطاء ضمانة للرئيس ياسر عرفات بأن القوات الاسرائيلية لن تقتحم مقره وكنيسة المهد في بيت لحم. وتظاهر باول ب"الحياد" في موضوع خطير لا يحتمل أي حياد عندما سئل ان كان حاول اقناع الاسرائيليين برفع الحصار عن مقر عرفات، اذ قال ان الاسرائيليين يطلبون تسليمهم قتلة الوزير رحبعام زئيفي لمحاكمتهم وفق القانون الاسرائيلي، وان الفلسطينيين يقولون انهم يحتجزون هؤلاء، بموجب الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل وحسب القانون الفلسطيني. ان الجميع يذكر أن اسرائيل طالبت فور مقتل زئيفي باعتقال قتلته لدى اجهزة الأمن الفلسطينية. والأمر الوحيد الذي يمكن أن يعنيه اصرار حكومة شارون على تسلم هؤلاء، وايضاً على الاتجاه الى محاكمة مروان البرغوثي، هو انها تعتبر الفلسطينيين جميعاً خاضعين، هم وأراضيهم، للقانون الاسرائيلي. وبهذا، فإن اسرائيل لا تقر بأنها دولة احتلال لها خصوم يطلبون زوال احتلالها قبل العيش معها في سلام، وانما ترى انها "اسرائيل كبرى"! ومخطئ جداً من العرب من يظن أن النفط لا يشكل سلاحاً لردع المعتدين.