على رغم شنها حرباً على"حزب الله"، لا تحارب إسرائيل الحكومة اللبنانية. فهذه لا تبسط سيادتها على أراضيها كلها. وعلى رغم نفوذها الكبير على حزب الله، لا تسيطر إيران عليه سيطرة كاملة. ولا شك في أن روسيا هي أقرب أعضاء مجموعة الثماني الى سورية وإيران. وكذلك هي علاقة الصين بسورية وإيران. وعلى ما جرت العادة، لا تفوّت الدول الأوروبية الكبرى مناسبة إلا وتظهِّر الخلافات الأوروبية، وتبرز عجزها عن انتهاج سياسة خارجية موحدة ومشتركة على الملأ. وأما الولاياتالمتحدة، وهي أكبر قوة عسكرية عالمية، فتستخدم أسطولها الحربي في إجلاء مواطنيها. والحق أن شرط وقف القتال الأميركي هو ديبلوماسية غير أحادية، ومتعددة الأقطاب. وليست غلبة الأحادية الأميركية، في الأعوام الماضية، سوى مرحلة انتقالية أعقبت نهاية الحرب الباردة، ودوران السياسة الدولية حول قطبيها، وسبقت بروز النظام العالمي المتعدد الأقطاب الجديد. وتعاظم نفوذ عدد من الدول الصين والهند والبرازيل وروسيا، وظهور قوة المنظمات غير الحكومية، سواء"غرين بيس"أو"حماس"، أسهما في بلورة النظام المحدث هذا، وفي إضعاف الدول الغربية الكبرى. فالتطور التكنولوجي غيّر طبيعة القوة وجوهرها. وبات في وسع مجموعات صغيرة مهاجمة دول كبيرة ومستقرة على ما حصل بنيويورك في 2001، وحيفا في الأيام الماضية، والعراق، وبريطانيا في تموز يوليو المنصرم. وباتت خسارة أقوى الجيوش، وأعظم الدول، تأييد الرأي العام العالمي ممكنةً جراء تطور تكنولوجيا الاتصالات، وعولمة وسائل الإعلام. والإدارة الأميركية ماشت هذه التحولات في ولاية جورج بوش الثانية. ففي 2005، عند سعيها الى تذليل صعوبات مع إيرانوكوريا الشمالية، انتهجت الإدارة الأميركية ديبلوماسية متعددة الأقطاب. ويعوّق رفض واشنطن التفاوض ثنائياً مع الدول المارقة، وانشغال جيشها في العراق، انتهاجها سياسة خارجية جديدة. والتباين بين السياسة الخارجية الأميركية في 2006، وبين سابقتها في 2003، جلي، على رغم تعثر النهج السياسي الوليد. فعلى أثر اختبار كوريا الشمالية صواريخ، طالبت واشنطن بيونغ يانغ بالعودة الى المفاوضات السداسية، ولوّحت بإحالة ملف إيران النووي الى الأممالمتحدة، بعد استئناف هذه تخصيب اليورانيوم. ولكن النظام العالمي الوليد قد ينقلب فوضى عالمية متعددة الأقطاب. وليس الاشتباك على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية غير فاتحة الى الفوضى. والحق أن الانزلاق نحو فوضى متعددة الأقطاب قد تحمل الليبراليين على الحنين الى الأحادية الأميركية. عن تيموثي غارتون آش، "غارديان" البريطانية. 20/7/2006