تراجعت الولاياتالمتحدة والصين عن خوض مواجهة مدارها على سعر صرف العملة الصينية. وأرجأ وزير الخزانة الاميركي، تيموثي غايتنر، موعد إصدار تقرير عن تلاعب الصين بسعر صرف عملتها، اثر اعلان الرئيس الصيني، هو جينتاو، عزمه المشاركة في قمة نزع الأسلحة النووية الدولية بواشنطن. ولم يدعم أحد موقف الولاياتالمتحدة الصارم. وأرسل خمسة من زعماء مجموعة الدول العشرين رسالة احتجاج مشتركة و «ناعمة». والتزمت اليابان وكوريا الجنوبية الصمت. فاستثماراتهما ضخمة في الصين. ولكن ضيق جيران بكين بقوتها يتفاقم. فالهند سعت في التحالف مع الولايات. وبعثت علاقاتها العسكرية بروسيا. ودعا وزير الدفاع الياباني السابق، يوريكو كويكي إلى تعزيز الروابط العسكرية اليابانية – الهندية. فالقوى الإقليمية المحيطة بالصين تبحث عن سبل احتواء الصين. وتحدت بكين الهند في عقر دارها. فهي ساعدت سريلانكا على سحق تمرد التاميل، وكشفت نياتها توسل قدرتها العسكرية خارج دائرة نفوذها التقليدية، في «الحزام» الروسي. فبكين تمنح الجمهوريات السوفياتية السابقة، بآسيا الوسطى وشرق أوروبا قروضاً، وتطغى، تالياً، في حق موسكو المزعوم في احتكار «مجال نفوذ» بجوارها القريب. وترافق نمو الصين السريع في العقود الثلاثة الماضية مع بناء قوتها العسكرية. فأصبحت الأقوى في آسيا. وحريّ بالقادة في بكين إتقان أصول السياسة الخارجية وحيلها للحؤول دون سعي التحالفات الإقليمية في احتواء الصين، والحفاظ على علاقات صداقة بالولاياتالمتحدة، وصوغ سياسة «اوشوبوليتيك» (سياسة شرقية، في الألمانية) لتذليل التوتر وإرضاء جيران الشرق». وعِبر توحيد ألمانيا في القرن التاسع عشر، على يد استاذ الديبلوماسية أوتو فون بيسمارك كثيرة. فهو لم يأل جهداً في نصب بروسيا قوة كبيرة. وإثر بلوغه غايته، حرص على الحفاظ على التوازن الأوروبي القائم، فانتهج سياسة تحفظ وضبط نفس لتفادي «كابوس التحالفات المعادية». ولم يعتم أن تحقق الكابوس. وتشبه المعضلة الصينية اليوم تلك التي اعترضت ألمانيا في عهد بسمارك. فقوتها تفوق قوى جيرانها مجتمعة، باستثناء روسيا وترسانتها النووية. وحري بالصين تجنب مصير الرايخ الثاني، والإقرار بأنها لم تعد دولة نامية بل قوة عالمية تتحمل مسؤوليات تتجاوز مصالحها الوطنية المباشرة. وعليها المبادرة الى تسويغ أعمالها وسياساتها ومراعاة مصالح الدول الأخرى. وأزمة العملة الصينية هي في مثابة ناقوس خطر. والانسحاب من حافة المواجهة مع الولاياتالمتحدة ليس كافياً. ولا يسع الصين الاعتماد على «سلسلة الإنتاج الآسيوية العظيمة» لتضمن جواراً آمناً ومستقراً. وهي تحتاج الى انتهاج سياسة متعددة الطرف تقر بمصالح الاقطاب في جوارها. * رئيسة مؤسسة «لونغفورد أدفايزرز» الاستشارية في مجالي السياسة والاقتصاد، عن «فايننشال تايمز» البريطانية، 13/4/2010، إعداد حسام عيتاني