لا يمكن للتنمية الاجتماعية والاقتصادية أن تتحقق في العالم الصناعي الحديث، الذي تطبعه مقتضيات عصر العولمة، في غياب القوة العاملة المتعلمة وذات الكفاءة. كما أن استثمارات رأس المال والمساعدة الإنمائية ستحقق نتائج أفضل لو امتلكت الجماعات المحلية المعرفة اللازمة لاستخدامها بالشكل المناسب. ولا شك أن الخطوة الأولى لبناء هذه القدرات البشرية إنما تكمن في التعليم. في عام 2000 تعهدت حكومات العالم بتوفير فرص التعليم لكل رجل وامرأة وطفل بحلول عام 2015. ومنذ ذلك التاريخ، التحق حوالي 20 مليون تلميذ جديد بالمرحلة الابتدائية في أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب وغرب آسيا. وحقق سبعة وأربعون بلداً هدف تعميم التعليم الابتدائي. كما أن عدد التلاميذ في المرحلة الثانوية ارتفع بنسبة تزيد أربعة أضعاف عن عددهم في المرحلة الابتدائية. وفي زهاء 70 بلداً من أصل 110 بلدان، خضعت للمسح، سجل الإنفاق العام على قطاع التعليم ارتفاعاً لافتاً. بيد أن أكثر من 100 مليون طفل في سن الالتحاق بالمدرسة الابتدائية ما زالوا خارج النظم التعليمية، ومعظمهم في أفريقيا. وتشكل البنات 55 في المائة منهم. من جهة أخرى، ما زال حوالي خمس الكبار عبر العالم - أي ما يقدر ب771 مليون شخص، ثلثاهم من النساء - يجهلون القراءة والكتابة. ومن المؤكد أن جعل التعليم للجميع واقعاً قائماً يستدعي تعبئة الإرادة السياسية كاملة ومجمل الموارد البشرية والمالية للمجتمع الدولي. وثمة فرصة متاحة أمام أعضاء مجموعة البلدان الثمانية الأكثر تقدماً الذين سيجتمعون في سان بطرسبورغ في تموز يوليو الجاري، لزيادة الزخم، باعتبارهم الممولين الرئيسيين لهذا الجهد الدولي، إذ سيتعذر تحقيق هدف التعليم للجميع من دونهم. وكانت مجموعة البلدان الثمانية الأكثر تقدماً تعهدت خلال اجتماعها في مدينة غلينيغلز البريطانية العام الماضي بتقديم 50 بليون دولار أميركي من المساعدات الإضافية سنوياً بحلول عام 2010، مع تخصيص نصف هذه القيمة على الأقل للقارة الأفريقية. ولم تحدد بعد النسبة التي سيجري رصدها للتعليم، علماً أن قسطاً كبيراً يجب أن يخصص لهذا القطاع. وإذا أردنا تحقيق أهداف التعليم للجميع بحلول عام 2015، يتعين زيادة المساعدة لمستلزمات التعليم الأساسي بحوالي 12 بليون دولار أميركي سنوياً، بعدما كانت تبلغ زهاء 4.4 بليون دولار عام 2004. كما ينبغي اعطاء أولوية أكبر للبلدان الأشد حاجة إلى تلك المساعدة. فالبلدان ال52 الأقل تقدماً لا تتلقى أكثر من ثلث المساعدة الإجمالية للتعليم، فيما يتم توزيع القسم المتبقي على البلدان ذات الدخل المتوسط والتي تشهد نسب التحاق مرتفعة نسبياً بالمرحلة الابتدائية. يجب على اليونسكو، إلى جانب وكالات أخرى ضمن منظمة الأممالمتحدة، والمجتمع المدني، والحكومات، تقديم إرشاد واضح بشأن كيفية إنفاق تلك الأموال بالشكل الأنسب. ويمثل المعلمون الأولوية القصوى في هذا المجال. فنحن بحاجة لأعداد متزايدة منهم - 18 مليون معلم إضافي عبر العالم بحلول عام 2015 - في حين أنهم يحتاجون لتدريب أفضل. فالمعلمون في العديد من البلدان الأكثر فقراً كثيراً ما يحصّلون اليوم مستوى أفضل بقليل من المرحلة الابتدائية. كما أن محو الأمية لدى الكبار والتعلم مدى الحياة يكتسبان أهمية كبرى. فالكبار المتعلمون يجنون عادةً دخلاً أكبر ويكوِّنون أسراً صغيرة تتمتع بصحة أفضل. وهم يميلون إلى ضمان التحاق أطفالهم - وبناتهم بالأخص - بالمدرسة. ويجب كذلك تعزيز القدرة على التنبؤ بحجم المساعدات المقبلة لإتاحة المجال أمام الحكومات لوضع خططها على الأمد الطويل. فقد شهدت المساعدات في المراحل الماضية تقلبات كثيرة وتفاوتاً كبيراً بين سنة وأخرى، علماً أن تكاليف التعليم تبقى ثابتة. ويجب، على سبيل المثال، تسديد رواتب المعلمين بانتظام، وبناء المدارس وصيانتها. كما يتعين توفير الكتب المدرسية وغيرها من مواد التعلم، وتيسير الحوافز لتشجيع الفئات الفقيرة من الأهالي على إرسال أطفالهم إلى المدارس. لقد أسهم إلغاء الأقساط المدرسية وتوفير وجبات غذائية مجانية، ورصد الأموال للتعويض عن الدخل الضائع للطفل العامل في إحراز نتائج لافتة في العديد من البلدان. فعندما ألغت كينيا الأقساط المدرسية عام 2003، قفزت نسبة الالتحاق لتشمل 1.2 مليون تلميذ إضافي. وبحلول عام 2004 كان 84 في المائة من الأطفال في سن الذهاب إلى المدرسة الابتدائية ملتحقين بالنظم التعليمية. يشكل توفير التعليم للجميع عملية معقدة وطويلة زمنياً، ويستدعي التزاماً على الأمد البعيد. وتوفير 12 بليون دولار من المساعدات الإضافية سنوياً ليس ثمنا باهظا لتحقيق المنافع الكبرى التي ستجنيها البلدان والجماعات والأفراد من هذا الاستثمار المتين. * المدير العام لمنظمة اليونسكو