افتتحت بغداد يومها أمس بحوالي مئة قتيل على الهوية الطائفية وعشرات الجرحى، بينهم اطفال ونساء، مندفعة بجنون نحو مهالك"حرب أهلية"، ففي حي الجهاد قتل 42 شخصاً، معظمهم من السنة، وقتل 19 بعد الظهر بتفجير سيارتين مفخختين أمام حسينية شيعية في الأعظمية، ما دفع الرئيس جلال طالباني الى التحذير"من الإنزلاق الى القتل على الهوية"واستهداف الأبرياء"، فيما أكد مستشاره الأمني موفق السامرائي ان"العراق دخل فعلاً في الحرب الأهلية الطائفية ولم يعد الأمر مجرد احتقان طائفي". وكان مسلحون سنة وشيعة أغلقوا مناطقهم في مختلف أنحاء بغداد، خصوصاً تلك القريبة من حي الجهاد، تحسباً لعمليات انتقامية، فيما انتشر مسلحون بين رجال الشرطة والجيش والميليشيات، في سابقة تعد الأولى من نوعها وسط تأكيد لعجز الخطة الأمنية عن توفير الامن للعاصمة الملتهبة. وتناقضت روايات المسؤولين في الحكومة حول أحداث العنف الطائفي في حي الجهاد، فاعتبرها بعضهم"مجزرة"بحق السنة نفذتها ميليشيات"جيش المهدي"الشيعية، واتهم آخرون المتطرفين السنة بإذكاء نار الفتنة. وحمّل نائب رئيس الوزراء سلام الزوبعي من سماهم"السيئين"من الشرطة والجيش المسؤولية، مؤكداً ان"ما حدث في حي الجهاد مجزرة حقيقية بحق أبناء السنة على يد ميليشيات تخترق القوى الأمنية او تتعاون معها"، فيما أصدر مجلس الوزراء بياناً اعتبر فيه تصريحاته"لا تمثل رأي الحكومة"واتهم"وسائل الاعلام بنقل أنباء غير دقيقة". وأكدت"هيئة علماء المسلمين"وشهود ان عشرات المسلحين اقتحموا في وقت مبكر صباح امس حي الجهاد ذا الغالبية السنية، غرب بغداد، مرتدين ملابس الشرطة ونصبوا نقاط تفتيش ونفذوا عمليات قتل على الهوية بحق العشرات من الأهالي الذين نقل تلفزيون بغداد المحلي استغاثاتهم بالحكومة والقوات الاميركية لإنقاذهم،"لكن أحداً لم يستجب لهذا النداء". فيما اقتحم مسلحون آخرون منازل سنية وقتلوا من فيها وأحرقوها. وقال الشيخ عبد الصمد العبيدي، إمام أحد المساجد في حي الجهاد في اتصال مع"الحياة"ان المهاجمين"تجمعوا أولاً حول حسينية الزهراء التي تعرضت مساء السبت الى هجوم بسيارة ملغومة أودى بحياة ثلاثة اشخاص واصاب 19 آخرين"، في اشارة الى ان هجوم الامس كان للانتقام لتلك الحادثة، مشيراً الى ان المسلحين"دخلوا المنازل واقتادوا أصحابها على الهوية وقتلوهم أمام أعين عائلاتهم". واضاف ان المسلحين"ينتمون الى ميليشيات"جيش المهدي"الذي يتهمه السنة بتنفيذ عمليات قتل وتهجير على الهوية في المناطق ذات الغالبية الشيعية. لكن عبدالهادي الدراجي، احد مساعدي رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في بغداد نفى بشدة هذه الاتهامات. واكد ان"جيش المهدي لا يتورط بمثل هذه الاحداث وان جهات خارجية تحاول جر العراق الى الحرب الأهلية عبر كيل الاتهامات الى التيار الصدري". وفيما تواصلت الاتهامات المتبادلة بين الاطراف العراقية خارج الحكومة وداخلها، طالب برلمانيون بكشف الاوراق والمصارحة بين جميع الاطراف، قبل الحديث عن"مصالحة وطنية"، معتبرين ان"المؤتمرات الخطابية وآخرها مؤتمر الدول المجاورة لن تحل أزمة الثقة بين مكونات المجتمع العراقي وقادته الى حافة الحرب الاهلية". وفرضت قوات اميركية وعراقية دخلت المنطقة بعد ساعتين من الاحداث حظر تجول في حي الجهاد من المقرر ان يستمر ليومين، فيما اكد شهود ان الجثث ظلت ملقاة في الشوارع ساعات، قبل نقلها الى المستشفيات القريبة. الى ذلك حذر طالباني من انحدار العراق الى"منزلق القتل على الهوية واستهداف الأبرياء". واستنكر في بيان"الأعمال الاجرامية والارهابية التي طالت حسينية الزهراء في حي الجهاد في بغداد أول من أمس، وما تلاها من قتل على الهوية في المنطقة ذاتها"، لافتاً الى أنها لن تودي سوى إلى الفرقة والشتات وإلى المزيد من القتل وسفك الدماء لإيقاف العملية الديموقراطية في البلاد، وهو ما لا يجب السكوت عنه". وأضاف:"نقف اليوم أمام منزلق خطير ومنحدر لا نريد للعراقيين الوقوع فيه، وهو القتل على الهوية واستهداف الأبرياء من دون وجه حق من الارهابيين والتكفيريين والصداميين والعصابات المجرمة التي تهدف إلى زرع الفتنة والاقتتال بين أبناء الشعب العراقي". داعياً"الى ضبط النفس والتزام الهدوء وعدم الانجرار إلى ردود الافعال السريعة التي لن نجني منها غير الندامة والخسران". واعترف مستشاره الامني موفق السامرائي في حديث الى قناة"الجزيرة"امس بأن العراق دخل بالفعل"حرباً أهلية طائفية"وليس مجرد"احتقان طائفي"، لافتاً الى ضرورة التهدئة كحل وحيد للازمة. وبعد ساعات على مجزرة"حي الجهاد"، قُتل 19 عراقياً وأُصيب 35 آخرون في انفجار سيارتين مفخختين بفارق بضع دقائق أمام حسينية"أهل البيت"في حي الكسرة في منطقة الاعظمية شمال بغداد. كما اغتيل إمامان سنيان من"هيئة علماء المسلمين"، في حين أغلق مسلحون من"جيش المهدي"مداخل حي الشعلة الشيعي حيث وقعت اشتباكات مع قوات عراقية، أسفرت عن مقتل مسلحين اثنين. وفيما تتصاعد اتهامات مسؤولين سنة للقوات العراقية بارتكاب عمليات إجرامية، أوردت صحيفة"لوس أنجليس تايمز"استناداً الى وثائق حكومية عراقية أن الفساد يتفشى في صفوف الشرطة العراقية وضباطها متورطون في حالات خطف وقتل واغتصاب سجينات. وذكرت الصحيفة الاميركية أن وثائق سرية لوزارة الداخلية تستند الى أكثر من 400 تحقيق في حالات فساد داخل الشرطة، تكشف مشاركة عناصر من الشرطة في عمليات نفذها متمردون، وتحرير سجناء يشتبه بتورطهم في عمليات ارهابية في مقابل رشاوى، وبيع جوازات سفر مسروقة أو مزورة، إضافة الى ممارسة العنف في حق سجناء قضى بعضهم من شدة الضرب. ويفيد أحد هذه التحقيقات بأن مدير سجن في بغداد أقدم في آب اغسطس الماضي على اغتصاب سجينة، فيما عذب ضابطان سجينتين أخريين واغتصباهما.