ضمّ العدد الجديد 13 من مجلة"التسامح"وهي فصلية فكرية إسلامية تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في سلطنة عُمان، محوراً حول"الثوابت والمتغيرات"، تناولته نخبة من المفكرين، وقدّم له الدكتور عبدالرحمن السالمي رئيس التحرير، منطلقاً من قوله تعالى"كل يوم هو في شأن"الذي يشير الى التغيير الممكن في الطبيعة والإنسان، بينما يمثُلُ الكمال في الذات الإلهية فيكوّن الثابت والباقي. والقرآن الكريم يطلعنا على نوعين من السنن والقوانين التي تحكم الكون ومن فيه: فالأولى حتمية لا تتبدل ولا يُداخلها الخلل، والثانية شرطية يتجاذبها الإدراك الواعي والعقل المدبّر وخلق الله الإنسان وزوّده العقل وأرسل إليه الرسل فاجتمع لديه مرجعان للتدبّر والتصرف هما المرجع الفطري والمرجع الإلهي، لذا يكون التغيير في حياة الإنسان والمجتمعات الإنسانية في معناه الكامل بتوفيق الله، فالتغيير تجديد وتقدم وعمران يقوم على الوعي بالمسؤولية الأخلاقية والإنسانية، وهي رؤية الإسلام للتغيير. ويفتتح الدكتور حسن حنفي المفكر والأكاديمي المصري موضوع المحور هذا بمعالجة"جدل الثوابت والمتغيّرات في الفكر الإسلامي"، مؤكداً ان الجدل موجود في كل ثقافة وفكر ودين، ولا شأن لذلك بقضية الإيمان والإلحاد، فالصراع السياسي الاجتماعي في كل مجتمع يتمثل في مواجهة المعارضة، المتمسكة بالمتغيرات من اجل تبديل الوضع القائم، للدولة التي تنصّب نفسها حامية للثوابت. وفي ثقافة هذه المجتمعات تكون النصوص المحكمة معبّرة عن الثوابت في العقائد والتشريع، بينما وظيفة النصوص المتشابهة ان تؤوَّل طبقاً لظروف العصر وحاجاته، فإذا أُوّلت هذه النصوص الأخيرة لصالح الثوابت غلبت الحداثة كما في المجتمعات الأوروبية. ثم استعرض د.حنفي أنواع العلوم في الفكر الإسلامي من نقلية وعقلية باحثاً في العلاقات العربية بالحضارات المجاورة، ما تغيّر وما ثبت منها وما تبدّل عبر التاريخ، منتهياً الى ان لا توجد حالة مثالية متعادلة في جدل الثوابت والمتغيرات إلا"الجدل"نفسه فهو الثابت الوحيد، وعلى المجتهد ان يعمل لعدل الميزان الى إحدى كفتيه. أما الدكتور رضوان السيد المفكر والأكاديمي اللبناني ومستشار التحرير في مجلة التسامح فقد بحث في مشكلة"الهوية الثقافية بين الثوابت والمتغيرات"منطلقاً من تحديد مكونات"الرسالة"الأوروبية والأميركية الى العوالم الأخرى حاملة شعار الحداثة الثقافية والسياسية، فكانت هي"العام"الثابت في مقابل الخاص او الهويات الخاصة التي رآها الأميركيون: خصوصيات أوروبية لا حرج فيها ثقافياً أو دينياً, وخصوصيات معادية للحضارة الغربية، وهويّات محلية دينية وإثنية ولغوية في آسيا وافريقيا. ثم اوضح رأي الإحيائيين الإسلاميين في"الرسالة الأميركية"التي رأوها تسعى اليوم لتحقق بالإغراء ما عجز الأوروبيون سابقاً عن تحقيقه بالعنف العسكري والثقافي والسياسي في إزالة هويتهم وإضعافها، وقد كان الأحيائيون إزاء ذلك في تيارين: تقليدي وإصلاحي، أمسى مع اربعينات القرن العشرين: إحيائية أصولية وإحيائية سلفية، وبعد ان عرض د. السيد لمقولة الكاتب الهندي نايبول حول الخصوصية الإسلامية في كتابه المهم بين المؤمنين انتهى الى رأي شخصي: بأن الصدام بين الإحيائية الإسلامية والعالم حصلت لثلاثة أسباب هي: التجربة السياسية العربية والإسلامية في العالم المعاصر، والأوضاع الجيوستراتيجية، والرسالية القوية والغازية للبروتستانتية الأميركية، وأن لا علاقة بين الخصوصية والتبعية لأن التبعية المفرطة يمكن ان تسهم في دفع المستتبعين في اتجاه خصوصية متمردة، بيد ان عقدية الهوية لدى العرب والمسلمين ما كان يمكن ان تتحول الى تيار زاخر لولا الأسباب الثلاثة السالفة الذكر. ثم بحثت الدكتورة سماح احمد فريد في"الحداثة والتقاليد المبتدعة - رؤية لقضايا الثبات والتغيير وإعادة التشكل"، فاستعرضت آراء ثلاثة من علماء الأنثروبولوجيا المعنيين بنظرية"صناعة الثقافة": وقد توافقوا على تعريف العادات وثقافة الحداثة التي يشهدها العالم اليوم، وأن من خلال عمليات صناعة الثقافة تسيطر قيم إعادة الإنتاج فتعيد تنظيم المنتجات الثقافية كي تتلاءم مع القيم النفعية للسوق. ثم كتب الدكتور عبدالله السيد ولد أباه باحث وأكاديمي من موريتانيا عن"الحداثة والكونية، جدل الخصوصية والعالمية في المقاربة التحديثية"محاولاً الإجابة عن تساؤل سبق وطرحه محمد أركون عن فشل المشروع النهضوي الليبرالي، وأن الجواب يكمن في بحث الإشكال الفلسفي للحداثة الذي تتم مصادرته باستباق الموقف التقويمي من تجارب الحداثة. وبعد استعراض آراء فارلستين وهيغل وشايغان الإيراني الذي لا يرى انفكاكاً من الحداثة وأن لا سبيل الى إضفاء الخصوصية الحضارية عليها، يرى ان هذا الأمر في سياق الفكر العربي الإسلامي يسير في اتجاهين: اتجاه نقدي إيديولوجي هو امتداد للتقليد العالم ثالثي، واتجاه نظري فلسفي يدافع عن حداثة بديلة تتشكل بحسب الخصوصيات الحضارية المحلية، ليؤكد ان الخطاب العربي السائد حالياً يميل الى اختزال العولمة في واقع الهيمنة الأميركية، او إلى اعطاء ما يُدعى بالنظام العالمي الجديد هالة نموذج حضاري جاهز للتصدير، مما ينم عن قصور فادح في استكناه التحولات، لأن الفكر العربي غابت عنه، منذ وقت طويل، ملكة التساؤل بالعقل النقدي الإشكالي، كذلك التعبير عن ادبيات ما بعد الحداثة، فإنها في الفضاء العربي تعبّر عن موقف مغاير يؤكد العجز عن ولوج هذه الديناميكية، والإخفاق في بلوغ مرامي التحديث التي تأسس عليها المشروع النهضوي العربي. وكتب الأستاذ أحميدة النيفر كاتب ومفكر تونسي عن"النخب والوعي السنني"مالك بن نبي ومحمد عبده: قراءة خلدونية للنهضة"، مبيناً اننا في دراستنا لموقع ابن نبي الفكري في علاقته بالمدرسة الإصلاحية، نجده في اطروحتين: الأولى هي اطروحة الزمن الثقافي مدشّناً مرحلة جديدة في الوعي العربي تضع حداً لتيه الفكر الإصلاحي وعلاقته اللاتاريخية بالماضي، والثانية هي قضية العلم، في محاولته الإجابة عن السؤال المركزي للإصلاح. ومقولة العلم هذه شهدت تطوراً في اتجاهين: الأول عقلاني يقول بوحدة الأصل الإنساني، والثاني يعتمد الرابطة البشرية للعلم لينفتح بها على المجال الاجتماعي بخاصة، والوعي السنني عند النخب العربية في تعليل الانحطاط اتاح بصورة حاسمة اعادة النظر في جملة من المفاهيم الإنسانية من زاوية حاجات العصر، أياً كان الاتجاه الذي اتخذه الفكر الإصلاحي، في خصوص قضية العلم. وفي مقارنة مع ابن خلدون يرى الباحث ان مالكاً كان مريداً أخذ عنه لكنه تابع شيوخاً آخرين، فقد تواصل مع الإصلاحيين الأوائل باستيعابه للثقافة الأوروبية الحديثة وقيمها الى جانب تمثل الثقافة الإسلامية التقليدية، وأضافته تعدّه رؤيوياً أو"شاهد قرن"وهو القائل:"كل كلمة لا تحمل جنين نشاط معين فهي كلمة فارغة، كلمة ميتة". * * * وفي باب"دراسات"، كتب رشدي راشد"حول تاريخ العلوم العربية"، وأن علينا تتبعه في امتداداته اللاتينية والإيطالية وسواها. فتاريخ العلوم الكلاسيكية ألقى غشاوة على العيون وقطع الماضي مؤكداً على غربية هذا العلم. وتتبّعه عربياً لا ينفي إضافات علماء أوروبا ولكنه يعيد الحق الى العرب وقد يكشف جديداً ينبّه الى روابط مهمة ومؤثرة بين العلوم. ثم يشرح الباحث امثلة من الخازن وابن الهيثم تؤكد اطروحته. وكتب فيصل عبدالسلام الحفيان:"من ابن البيطار الى الأنطاكي، مساءلات لزمن انحسار العلم العربي"، وهي دراسة مشهدية تبين ان العلم العربي مر بمرحلة الألق العطاء ثم الغروب المراوحة ثم العتمة التداعي، متحدثاً عن الرؤية الإسلامية التي حضنت العصر الذهبي للعلوم، حتى موعد الغروب لأسباب سياسية واجتماعية ودينية، ذلك حين تمكن تيار علوم الدين أو علوم النقل، من حسم الصراع لصالحه. ثم طبّق الباحث إشكاليته على علم الطب مركّزاً على ابن البيطار شاهد البدء والأنطاكي شاهد النهاية. أما دراسة ايمن فؤاد سيد حول"مخطوطات دار الكتب المصرية"، فتحدّث فيها عن"المكتبة الأهلية القديمة"، وهي احدى اصلاحات محمد علي التي اهتمت بجمع الكتب والمخطوطات، ثم كانت مكتبة الأشغال والمعارف العمومية، وحين تنبّه علي باشا مبارك الى اهمية المخطوطات وضرورة الحفاظ عليها اقترح على الخديوي اسماعيل إنشاء"دار الكتب"، فصدر القرار عام 1870 بذلك. وفي هذه الدار ستون ألف مخطوط من اصل 125 ألفاً في مصر وحدها، وللدار فهارس تضم المخطوطات والمطبوعات، وهذا العام صدر قرار بفصل المخطوطات بعد ان تم تصويرها، وفيها نوادر مهمة، والدار تقيم مؤتمرات محلية ودولية، ويعمل على نشر مخطوطاتها ودراستها متخصصون وطلاب باحثون. وفي باب"وجهات نظر"كتب عبدالجبار الرفاعي عن"راهن التفكير الديني في ايران"، وهي مقالة جامعة رتّبت منابع هذا التفكير وخصوصياته بدءاً من كونه تراكماً لحضارات سبقت، وانفتاحه على الثقافات الشرقية، الى اتساع التجربة الروحية الإيرانية وعمقها، ووضوح الأبعاد الجمالية في الآداب والشعر الصوفي الفارسي، وعراقة المنحى التأويلي في الموروث الشيعي. وتحدث الرفاعي عن شعبوية التفكير الديني وانخراط النخبة فيه ايضاً، مما يدعو المفكر الى بناء خطابه منسجماً مع المشاغل الذهنية للناس، ثم استطرد الى نشوء الدولة الإسلامية وجداليات التفكير الديني قبل الثورة وبعدها، مستعرضاً آراء متنوّرين ايرانيين اهمهم شريعتي الذي أسهم في تحويل الإسلام من ثقافة الى ايديولوجيا. ثم كتب عبدالحق الزمّوري عن"حركة الإصلاح في تونس في القرن التاسع عشر"، وكيف اعتبر المساهمون ببناء الدولة الحديثة ان علماء الدين هم من معوّقات بناء المجتمع الحديث والدولة العصرية. ثم درس الباحث ما صدر في مجلة الجامعة التونسية والمجلة التونسية للعلوم، ليبين ندرة الدراسات حول الإصلاح، مع اعتراف كثيرين بأهمية الإصلاحيين، وفي مقدمهم خير الدين التونسي. وقد بقي السؤال عن ضآلة الإنتاج العلمي حول هذا التراث ودوره الإصلاحي مطروحاً، لإجابة أوسع وأكثر تفصيلاً. وفي باب"آفاق"ثلاث مقالات: الأولى لفيكتور الكك عن"معراج النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيا يوحنّا"وفي المقالة شيء من سيرة الكاتب بين روحانية الإسلام والمسيحية، كذلك في المقالة الثانية"حكاية إيماني"لنقولا زيادة، سطور من سيرته بين دمشق والناصرة وبيروت، وبين موضوعي الإيمان والشك، أما المقالة الثالثة"حكمة الموت"لإلياس بلكا، فعالجت علاقة الإنسان بالحياة والموت انطلاقاً من التصور اليوناني الى مفهوم الإسلام له، منتهياً الى ان المؤمن لا يكره الموت لأنه يدرك ان الدنيا مرحلة عابرة. وفي باب"مدن وثقافات"كتب محمد السمّاك"عندما احتلّ المسلمون جبال الألب"، مقدماً وقائع علمية تبين ان المسلمين وصلوا الى جنوبفرنسا وإلى سويسرا، وأنهم أقاموا مستوطنات في جبال الألب. والوقائع تاريخية مستمدة من كتب ودراسة آثار ومؤشرات لغوية ودلائل اقتصادية وعنصرية اثنية واستنتاجاً لعادات ما زال بعضها مستمراً الى اليوم. وهي دراسة شائعة مهمة. وفي باب"الإسلام والعالم"، ثلاث مراجعات هي:"الإسلام والعقلانية والتسامح"، للسنغ ترجمها محمد شاويش، وپ"مقدمات نظرية لدراسة الدين في الأزمنة الحديثة"لغريس ديفي وهاينريش شيفر، وأخيراً مراجعات كتب"أوروبا المعاصرة والإسلام"وهي قراءة لثلاثة كتب: المسلمون في أوروبا ليورغن نلسن، والإسلام في أوروبا لجاك غودي، والإسلام والمسلمون في أوروبا المعاصرة لستيفان لايتون، وقام بمراجعة الكتب الدكتور رضوان السيد.