الاستعدادات على قدم وساق لنهاية العام الدراسي، وتشكّل الإجازة أو العطلة الصيفية مشكلة حقيقية للأهل. كيف سيتدبرون أمر الأولاد ويتفادون أزمات الضجر التي تعصف بهم فتحوّل المنازل ساحة شجار؟ وكيف يهيئون مناخاً من التسلية والإفادة في آن سواء؟ يبدو السفر حلماً بعيد المنال بالنسبة إلى معظم العائلات العربية، فالعامل الاقتصادي يلعب دوراً كبيراً في حسم الخيارات المتوافرة أمام الأهل، ويتركهم أمام خيار أو خيارين على الأكثر: بعض العائلات يقرّر التوجّه إلى القرية، فيما تتوجه عائلات أخرى الى الشواطئ... ويبقى السواد الأعظم في مدينته، فيما يتسكّع الأولاد في الطرقات. في هذا الملف نظرة إلى العطلة الصيفية في ثلاثة بلدان: مصر والأردن ولبنان. ينتظر زياد انتهاء بطولة كأس العالم لكرة القدم، ليأخذ إجازته الصيفية ويسافر إلى تركيا. يقول:"هذه المرة سآخذ أولادي معي. في المرات السابقة، عندما كنت أسافر كل صيف، كنت أصطحب أصدقائي، فنسافر في رحلات سياحية ضمن مجموعات إلى أي من الدول القريبة". زياد 40 عاماً ليس مثالاً جيداً لرب العائلة الأردنية: فعائلات قليلة مثل عائلات زياد تستطيع السفر في العطلة الصيفية، لسوء الأوضاع الاقتصادية التي تجعل العطلة من أساسها أمراً كمالياً. وزياد يعرف هذا تماماً ويقول:"أنا حزين جداً لأنني أرى آخرين لا يستطيعون كسر روتين حياتهم وإيقاع يومهم المتكرر وأخذ الإجازة، ويفضلون على ذلك العمل في أيام العطل وأخذ بدل مادي، على اعتبار أن هذا أفضل لهم". في الإجازة الصيفية تنقسم العائلات إلى طبقات: الطبقة العليا تقضي العطلة خارج البلاد - ولهذه الطبقة طبقات هي الأخرى، أقلها عدداً تلك التي تغادر نحو البلاد البعيدة، وإن بغرض زيارة أقرباء في المهجر، وأكثرها تلك التي تستقل رحلات جماعية نحو مصايف قريبة في سورية ولبنان ومصر وتركيا وقبرص. أما عائلات الطبقة الوسطى فتقضي عطلتها إما في البيوت أو في أماكن معروفة للسهر أو في العمل. لكن ليس العامل الاقتصادي هو كل ما يجعل العائلة الأردنية تنسى أمر استغلال العطلة في السفر و"تغيير الجو"، وإنما تضاف إلى ذلك أسباب أخرى كثيرة، يقف في مقدمها كبر حجم العائلة الأردنية، التي يقدر متوسط عدد افرادها، بحسب أرقام دائرة الإحصاءات العامة، 5.4 فرد. لذلك، يعمد بعض أفراد هذه العائلات إلى السفر وحيدين، على هيئة شباب عزّاب. روتين يومي قبل قليل من بدء العطلة الصيفية، يحاول نهاد جمع عدد من الأصدقاء لقضاء بضعة أيام من الإجازة خارج حدود المملكة. هو لم يفعل ذلك قبلاً، لذا فهو يحلم بمشاهدة عالم آخر على حد تعبيره، ويقول:"في العادة كنت أقضي العطلة الصيفية متسكعاً في الشوارع وجالساً في المقاهي مع شلة الأصدقاء. لكنني مللت ذلك، فهذا روتين شبه يومي في الأيام العادية، فلماذا أستمر في ذلك خلال العطلة؟". وتساؤل نهاد مشروع مبدئياً: الحلم بالسفر اليوم ليس أمراً صعباً. فالسفر إلى دمشق ليومين أو ثلاثة لن يكلفه مالاً كثيراً، بخلاف ما سيحصل له لو أراد الذهاب إلى شاطئ العقبة، جنوب المملكة. فنهاد مستاء من ارتفاع الأسعار هناك، ويعتقد بأن إمكانية السفر الآن باتت أسهل، لأنها أوفر بكثير. يقول:"العديد من الشركات السياحية توفر إمكانية الذهاب بمجوعات إلى سورية أو لبنان بأسعار أقل بكثير من أسعار الرحلات الداخلية. حلمي بأن أسافر قد يتحقق. سأشعر بأنني من طبقة غنية أخيراً". وشعور نهاد بأنه"غني"يعود إلى أن العطلة الصيفية تظهر، هي الأخرى، طبقية موجودة بين الشباب، مثلها مثل ارتداء الثياب الفاخرة أو حمل الهواتف النقالة الغالية في المدرسة أو الجامعة. لكن السفر ليس كل ما يجعل الإجازة الصيفية"حدثاً". فنجاة لا تستطيع الاستمتاع بإجازتها مع عائلتها الصغيرة، إذ أن أقاربها يؤمون بيتها طيلة أيام الصيف، وهم الآتون من دول بعيدة. تقول:"لست محبطة لذلك، فجميل أن أرى أهلي حولي في الصيف. هم في كل حال ليسوا ثقيلي ظل، إذ نخرج سوياً، في رحلات عائلية كبيرة، ونستمتع بإجازتنا بهذه الطريقة. أما الأولاد فإنني أرسلهم إلى أندية صيفية. وهذا أفضل ما في الإجازة!".