كثيراً ما يعود الاختلاف بين العقول إلى الاختلاف على معاني الألفاظ ودلالات المصطلحات التي يستعملونها، لذلك نشأت الحاجة إلى تعريف الأشياء وإيضاح معناها وكشف دلالتها واخراجها من حالة الابهام والغموض الى حالة الوضوح والفهم والادراك من قبل الشخص الذي يرغب في معرفة مفهوم او مصطلح معين مجهول لديه. ويمكن لنا أن نعرف السياسيين في العراق اليوم بطرق عدة، بحسب أنواع التعريف المنطقية واللامنطقية التي تنتشر في كتب أهل المنطق، كالتعريف بالإشارة والمثال والمرادف والمجازي والسلبي والغامض والتعريف بالتضايف، أو التعريف المنطقي كالتعريف بالحد والتعريف بالرسم ، وللقارئ المحب للعلم الرجوع الى كتب المنطق للنظر في تفصيلاتها. وهنالك منهج مهم في التعريف آثرت فيه قراءة وتصنيف سياسيي العراق الجديد وأرجو إعفائي من تصنيف سياسيي النظام العراقي السابق من جهة والعربي من جهة أخرى لأنهم أصلاً ليسوا سياسيين. وهو التعريف بالقسمة أو التصنيف الذي يعود الى الفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون. ففي هذا المنهج نقسم ونجزئ السياسيين العراقيين إلى أنواع مختلفة وأصناف متنوعة مع الأخذ في الاعتبار الشروط الآتية التي يجب أن تتحقق: الأول: أن يكون التصنيف جامعاً، أي يشمل كل السياسيين ولا يفلت من التصنيف احد بحيث يكون مجموع الأصناف التي ينقسم اليها السياسيون مساوية لهم تماماً. الثاني: أن يكون التصنيف مانعاً، أي يستبعد دخول ما هو غريب عن أصناف السياسة والسياسيين العراقيين. الثالث: أن يكون أساس التصنيف واحداً، بمعنى أن اقسم وأصنف السياسيين العراقيين طبقاً لأساس واحد، أما بالنسبة الى علاقتهم بأميركا أو بالنظام السابق أو بدول الجوار أو على أساس جهادهم ضد النظام السابق أو طبقاً لعلاقتهم بالإرهاب أو مجاميع المقاومة أو على أساس إخلاصهم ومدى نزاهتهم وشخصيتهم. وطبقاً لذلك يمكن تصنيف سياسيي العراق أربعة أصناف استناداً إلى معيار التجربة والخبرة السياسية في التعامل مع الواقع وقراءة الحدث السياسي واستشراف المستقبل والواقع العراقي مع العلم انه ربما تكون هنالك أصناف أخرى أخفقت في ذكرها . 1- مراهقو السياسة، وهم الذين احترفوا مهنة السياسة بعد سقوط النظام، عندما فُتح المجال لكل امرئ أن يعبر عن رأيه في الفضائيات المنتشرة كالذباب في العراق، بحيث ظهر الكثير في تلك الفضائيات ممن كُتب تحت اسمه محلل سياسي! فضلاً عن الاستقطابات الطائفية التي حدثت في الانتخابات الأخيرة والتي جعلت بعض القوائم تتشكل على أسس معينة يسمح بعضها بإدخال أشخاص إلى القائمة المعينة لأسباب حزبية وطائفية بحتة لا علاقة لها بمعيار الكفاءة والقدرة والتاريخ أو النضال السياسي. 2- منافقو السياسة، وهم فئة من السياسيين ممن يتعاملون بطريقة مكيافيلية تخلو من الأخلاق والقيم وتفتقر إلى الوضوح والصراحة بالإضافة إلى الإخلاص والصدق، حيث نرى هؤلاء السياسيين يتعاملون مع الشعب العراقي وقضيته العادلة وأهدافه المشروعة في الاستقلال والوحدة بوجهين ويرتدون أقنعة مزيفة فيظهرون وكأنهم مع العراق وشعبه المسكين إلا أن الوجه الثاني يكون أما مع أميركا وأجندتها الخاصة في العراق بحيث ينفذ لها ما تقول كالعبد الرخيص متناسياً أن أميركا نفسها لا تحترم الضعيف أو أن يكون هذا السياسي الذي يتباكى على العراق في العلن مع الإرهابيين وبرامجهم غير العراقية في السر حينما يسدل الليل أستاره أو يكون لهذا السياسي وجه آخر يتمثل في مصالحه الخاصة ورغباته النرجسية التي يخفيها وراء تباكيه على الوطن الجريح. 3- مثاليو السياسة، هؤلاء هم الذين يعتاشون على أفكار ونظريات طوباوية ويرتكزون على ألفاظ محملة بدلالات رومانسية ومشحونة بمعان عاطفية لا طائل من ورائها، فضلاً عن كونها بعيدة عن الواقع العراقي ولا ترتبط بالتجربة الواقعية لمجتمعنا المعاصر، بل تعمل فقط على اجترار شعائر الهزائم وتهييج العقول السطحية والنفوس التي لا تمتلك نصيباً من التفكير الواعي، فنلاحظهم يرددون عبارات روّاغة ومفاهيم فارغة وكلمات غائمة ومصطلحات رجراجة وعبارات عاطفية لا يمكن لها أن تبني إلا دولة من الرمال والأوراق وخمار الأوهام. 4- محترفو السياسة، وهم صنف من السياسيين الذين خَبروا السياسة وخَبَرتهم، وعرفوا أسرار لعبتها، فهضموها وتمثلّوها وسلّمت لهم بالتالي- السياسة- المفاتيح السرية لقلاعها بعدما امتلكوا ثقافة سياسية نظرية وعاشوا أو قرأوا بدقة واستبصار تجارب سياسية واقعية لدول أخرى أمدتهم بنسغ الإدراك العقلاني الواعي والشعور الصحيح بمعالم الطريق الملكي الذي يقود إلى تضاريس الخريطة السياسية لعراق اليوم، من اجل رأب الصدع ولأم الجراح التي تنز قروح المواطن العراقي بصديدها منذ أن أبصر النور في هذا البلد الحزين! مهند حبيب السماوي - بريد الكتروني