كل طرف في المنطقة مستعجل يحاول السير في الاتجاه المضاد لوجهات الآخرين. الرئيس الفلسطيني محمود عباس امهل حركة"حماس"وحكومتها عشرة ايام للموافقة على بنود وثيقة الاسرى بما فيها بند الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني وتسوية النزاع مع اسرائيل على اساس دولتين والقبول بقرارات القمم العربية، بما فيها المبادرة العربية، وإلا فسيعرض الوثيقة على استفتاء شعبي. من جانبها تسير"حماس"في اتجاه مضاد، اذ قال رئيس مكتبها السياسي خالد مشعل لصحيفة قطرية ان الاستفتاء غير مشروع وان"حماس"فازت في انتخابات قانونية نزيهة وشفافة. ومع ان وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور محمود الزهار اعلن في القاهرة قبل نحو اسبوع ان حركته ستعلن في القريب العاجل موقفاً نهائياً واضحاً من المبادرة العربية وتريد البقاء تحت"المظلة العربية"، إلا أن"حماس"لا تبدو في عجلة من امرها في هذا الخصوص. ودعت المملكة العربية السعودية ومصر حركة"حماس"في البيان الصادر عن لقاء القمة بين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس حسني مبارك اول من امس الى"الاعتراف بالمبادرة العربية التي أقرت في قمة بيروت"عام 2002، ومن الواضح ان الرياضوالقاهرة تريدان الاستناد الى موقف جديد من"حماس"في أي تحرك ديبلوماسي مقبل سواء في ما يتعلق بإيجاد أرضية لمفاوضات فلسطينية - اسرائيلية او بتوفير المناخ لاستئناف المانحين مساعداتهم للسلطة الفلسطينية بعد تلبيتها شروط الرباعية الدولية الثلاثة: الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود، والاعتراف بالاتفاقات السابقة بين منظمة التحرير والسلطة من جهة واسرائيل من جهة اخرى ونبذ العنف. الأطراف العربية مستعجلة بالطبع لأنها ترى يومياً اسرائيل وهي توطد احتلالها للضفة الغربية وتكمل عزل القدس عن الضفة الغربية وتزيد من تقطيع اوصالها وتديم حصارها لقطاع غزة الذي تحول سجناً كبيراً غاصاً بالعاطلين عن العمل والمنتجات الزراعية التي لا يستطيع منتجوها تصديرها، وبقذائف المدفعية الاسرائيلية الثقيلة على شماله. رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت مستعجل ايضاً ولكن ليس في اتجاه التوصل الى تسوية سلمية عن طريق التفاوض مع الفلسطينيين وانما لضم مساحات واسعة من أراضيهم في الضفة الغربيةالمحتلة الى اسرائيل. وقد أكد أولمرت امس في مقابلة مع صحيفة"يديعوت احرونوت"العبرية انه سيطبق خطة تجميع مستوطنات الضفة خلال ولايته الحالية و"لن يمنعني من ذلك أي شيء اذ تم انتخابي على اساسها". وأعلن اولمرت في المقابلة ذاتها انه سيلتقي الرئيس عباس اواخر الشهر الجاري بعد ان يكون قد التقى الرئيس مبارك والعاهل الاردني الملك عبدالله الثاني وبعض الزعماء الاوروبيين. فما الذي يعنيه تصريح اولمرت هذا؟ ان رئيس الوزراء الاسرائيلي يقول عملياً ان لقاءاته مع عدد من الزعماء العرب لن تحول، هي او اي شيء آخر، دون تنفيذه خطة الانفصال الاحادي التي هي في الواقع خطة مكشوفة لسرقة اراض فلسطينية واسعة المساحة في وضح النهار. وتقضي"خطة الانفصال"تلك ايضاً بترسيم حدود دولة اسرائيل من جانب واحد بحيث تشمل تلك الحدود التي ستفرض بالقوة على الفلسطينيين الكتل الاستيطانية الكبرى وغور الاردن. وتأكيداً لعدم نيته التفاوض مع العرب، أي عرب، وتصميمه على التصرف احادياً مهما عرض العرب من حلول تبدو معقولة جداً اشار اولمرت في المقابلة ذاتها الى ان الرئيس الاميركي جورج بوش كان واضحاً جداً في قوله، بعد محادثاتهما في البيت الابيض، ان بوسع اسرائيل - في غياب شريك في المفاوضات - ان تتحرك بلا مفاوضات وتضم الكتل الاستيطانية اليها. فماذا سيحصل؟ يبدو من المرجح ان"حماس"ستواصل سياستها الاحادية بعدم الاعتراف بحق اسرائيل في الوجود والتمسك في الوقت ذاته بالهدنة معها، فيما تواصل اسرائيل تنفيذ خطتها لترسيم الحدود احادياً على حساب الفلسطينيين. وفي غضون ذلك، يبدو الموظفون في الوزارات والدوائر الرسمية الفلسطينية اكثر المستعجلين لتلقي مرتباتهم التي حرموا منها منذ تنصيب حكومة"حماس". انه عالم ظالم يعاقب الشعوب ، بعض الشعوب، على خياراتها اليموقراطية.