تثير عبارة"خطة الانطواء"التي يصف بها رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد ايهود اولمرت برنامجه الذي خاض على اساسه الحملة الانتخابية لحزبه"كديما"الموروث عن سلفه الغائب عن الوعي ارييل شارون، الاستغراب لغموض معناها. وقد سخر بعض المعلقين الاسرائيليين من اختيار كلمة"الانطواء"التي لا مرادف لها بالمعنى نفسه وتساءلوا عن الكيفية التي سيترجم بها اولمرت هذا التعبير لمضيفيه الاميركيين عندما يزور واشنطن اواخر الشهر الجاري. ومن الواضح ان اولمرت كان بوسعه ان يختار من بين مفردات كثيرة مثل الانسحاب، او الانسحاب الاحادي، او اعادة الانتشار، او انهاء الاحتلال، او خطة السلام بترسيم الحدود وفقاً لقرارات الاممالمتحدة، لكن التسمية الرسمية التي شاعت هي"الانطواء"، وهي تسمية تصلح لوصف مرض نفسي او موقف انعزالي اكثر مما تصلح لوصف خطة يدعي المروج لها ان من شأنها ان تحقق سلاماً لشعبين بينهما صراع دموي مستحكم منذ عشرات السنين. المهم هنا طبعاً ليس المعنى اللغوي الحرفي لتسمية هذه الخطة، وانما معناها السياسي ومضامين ترجمتها العملية على ارض الواقع اذا قدر لها ان تبلغ مداها كما يريد اولمرت في غضون سنة ونصف سنة، اي قبل مغادرة الرئيس الاميركي جورج بوش البيت الابيض في حلول نهاية ولايته الرئاسية الثانية، بعد ان كان يردد في البداية ان تنفيذها سيكتمل في حلول العام 2010. ولكن يبدو واضحاً من تشكيلة الائتلاف الحكومي ان اولمرت لن يستطيع تنفيذ خطته حسب تصوره لها. ذلك ان حزبه"كديما"لم يفز الا ب29 مقعداً في الكنيست فاضطر الى تشكيل ائتلاف مع ثلاثة احزاب اخرى هي"العمل"وحركة"شاس"الدينية وحزب"المتقاعدين"ليؤمن غالبية ضعيفة نسبياً قوامها 67 نائباً من بينهم نواب"شاس"الذين لا توافق حركتهم على"خطة الانطواء". والواقع ان الخطوط العريضة لسياسة الحكومة الجديدة كما اتفقت عليها الاحزاب الاربعة المؤتلفة تجاهلت الاشارة الى خطة الانطواء لعدم موافقة"شاس"عليها من جهة، ولرغبة حزب"العمل"بالتفاوض مع الفلسطينيين ولإدراك اولمرت انه قد لا يحصل على دعم دولي لخطته. ان اي انسحاب اسرائيلي من الاراضي الفلسطينيةالمحتلة امر يستحق الترحيب ولكن ليس اذا كان هدفه تفكيك مستوطنات صغيرة متباعدة في اعماق الضفة الغربية مقابل ضم الكتل الاستيطانية الضخمة والابقاء على مسار الجدار الفاصل العنصري الذي يكرس ضم الاراضي التي تقوم عليها تلك المستوطنات الى اسرائيل. ولا بديل في الواقع للمفاوضات الثنائية، ربما برعاية اللجنة الرباعية الدولية، وصولاً الى حل سلمي قائم على اساس دولتين، فلسطين الى جانب اسرائيل في سلام مع اعتراف متبادل بالحدود. واذا كان لدى اولمرت مشكلاته النابعة من ضعف غالبيته البرلمانية وفي النهاية عدم قدرته على فرض خطته الاحادية التي يريد بها ترسيم حدود اسرائيل على حساب الفلسطينيين بضم القدس والمستوطنات الكبرى وغور الاردن، فان لدى الجانب الفلسطيني مشكلاته المتمثلة اساساً ولكن ليس حصراً في عدم قدرة حكومة"حماس"على دفع رواتب موظفي السلطة. وهناك ايضاً عدم تلبية"حماس"حتى الآن الشروط الاسرائيلية والاميركية والاوروبية التي تطالبها بالاعتراف بحق اسرائيل في الوجود ونبذ العنف والاعتراف بالاتفاقات السابقة بين اسرائيل ومنظمة التحرير قبل اي تعامل معها. ولكن هذا لا ينبغي ان يدفع اسرائيل الى انكار وجود شريك فلسطيني للتفاوض. ذلك ان الرئيس محمود عباس يملك تفويضاً شعبياً بالتفاوض باسم شعبه الذي انتخبه، وهو رئيس منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت مع اسرائيل اتفاق اوسلو. ان اي انسحاب اسرائيلي يستحق الترحيب، لكن بعض اسباب ودوافع"الانطواء"الاسرائيلي مرضية بالفعل تندرج في خانة العنصرية، اذ برر اولمرت رغبته في سحب مستوطني المستوطنات الصغيرة في الضفة ووضعهم في المستوطنات الكبيرة بقوله ان استمرار وجود مستوطنات متناثرة في كل انحاء الضفة"سيوجد خليطاً سكانياً غير قابل للفصل ويعرض وجود اسرائيل كدولة يهودية للخطر"! ومعروف ان العنصرية لا تنتج حلولاً سلمية.