ما الذي يمكن ان يفعله الفلسطينيون ازاء الحصار الغربي، وما النتائج المحتملة للحوار الوطني الفلسطيني والتطورات التي قد نشهدها في الاشهر المقبلة على الصعيد الداخلي الفلسطيني وساحة الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي؟ ان من العبث البحث عن اي تسمية للحصار الأميركي - الأوروبي - الإسرائيلي للشعب الفلسطيني سوى انه"عقاب على الخيار الديموقراطي"لهذا الشعب وتصميم على ممارسة الضغط على الحكومة الفلسطينية بقيادة حركة"حماس"لاسقاطها. وهذا الموقف المشترك المتسم بالعنصرية والانحياز لقوة الاحتلال التي تنتهك حقوق الفلسطينيين يومياً بقسوة، لا يشفع له اختباء الاوروبيين وراء"البحث عن آلية"لايصال المساعدات الى الفلسطينيين بعد قطعها عنهم في اعقاب فوز"حماس"في الانتخابات التشريعية رضوخاً لمشيئة الاسرائيليين الذين بات اللوبي الذي يمثلهم في واشنطن،"ايباك"، المقرر الحقيقي للسياسة الاميركية في الشرق الاوسط. ان اوروبا الأقرب الى العالم العربي ليست بريئة من المؤامرة المكشوفة لاسقاط الخيار الديموقراطي الفلسطيني. واوروبا تعرض نفسها، مثلها مثل اسرائيل، لمخاطر جدية من المحتمل ان تبرز نتيجة اي تشرذم محتمل في الساحة الفلسطينية تحت ضغط الجوع والبؤس وفقدان الحقوق الانسانية والمادية والحرمان من حرية الحركة واستغلال الارض والعمل بقصد كسب الرزق. واذا حصل هذا التشرذم، فإن من المؤكد ان اضراره ستتجاوز الساحة الفلسطينية وحدها وتطاول الامن الاسرائيلي وربما تصل آثاره الى مناطق ابعد. لقد بدأ الحوار الوطني الفلسطيني امس بداية جيدة بتشديد الرئيس محمود عباس على ان دم الفلسطيني محرم على اخيه، خصوصاً أن الفلسطينيين يواجهون الاغلاق والجدار والاستيطان من جانب اسرائيل والحصار المالي من القوى السالفة الذكر. وكان لافتاً ايضاً تشديده على اهمية مبادرة الاسرى المناضلين التي يدعون فيها الى توحيد الخطاب السياسي الفلسطيني والتمسك بمنظمة التحرير ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني واعتماد المبادرة العربية. وسجل رئيس الوزراء اسماعيل هنية موقفاً مماثلاً بإعلان رفضه اللجوء الى العنف والسلاح وتشديده على رفض تقديم تنازلات في الحقوق الفلسطينية رغم الحصارى الغربي. ان من بين البشائر المبكرة في الحوار الوطني الفلسطيني قبول حركة"حماس"باقتراح الرئيس عباس تشكيل لجنة وطنية استراتيجية لمساعدته في المفاوضات مع اسرائيل. واذا اضفنا الى هذا تصريح وزير الخارجية الدكتور محمود الزهار بأن الحكومة وحركة"حماس"على وشك ان تقررا موقفاً واضحاً من المبادرة العربية، صار بوسعنا التطلع الى دعم عربي اقوى للتحرك التفاوضي الفلسطيني وزيادة المساعدات المالية الضئيلة حالياً والعمل بثقة لايصالها رغم القيود الاميركية العدوانية. ان تهدئة الساحة الفلسطينية وانهاء الصراع على السلطة فيها ضرورتان ملحتان مطلوبتان في صورة عاجلة، وهما، اضافة الى كونهما مهمتين، ستكونان مقدمة لتوحيد الخطاب السياسي الفلسطيني. ولكن حتى لو زال الفلتان الامني وتوقفت الاشتباكات نهائياً في قطاع غزة وخرج الفلسطينيون بخطاب سياسي عقلاني موحد، فإن من المرجح ان تواصل الحكومة الاسرائيلية انكارها وجود شريك فلسطيني"مؤهل"، من وجهة نظرها، للتفاوض معها على استرداد اراضيه المحتلة وبعض من حقوقه السليبة. وما نهج رئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد ايهود اولمرت سوى خطة سلفه الغائب عن الوعي ارييل شارون لاقتطاع مساحات واسعة من الضفة الغربية وترسيم حدود دولة اسرائيل على حساب الفلسطينيين ترسيماً توسعياً جشعاً مسنوداً بالجدار الخرساني العنصري وقوة الاسلحة والبلدوزرات الاميركية. وأمس تسربت انباء من اسرائيل مفادها ان اسرائيل والولايات المتحدة ستشكلان فريقين لدرس تطبيق خطة اولمرت الاحادية في حال عدم حصول مفاوضات فلسطينية - اسرائيلية. ويبدو واضحاً بجلاء ان اولمرت الذي قال انه يمد يده لرئيس السلطة الفلسطينية المنتخب وانه سيجتمع معه مصمم سلفاً على ان يقول للاميركيين بعد 3-9 أشهر انه لم يجد شريكاً فلسطينياً يتفاوض معه وان الاوان حان لاكمال تطبيق خطته الاحادية. وهذا ما يضع حركة"حماس"وحكومتها امام مسؤوليات جسيمة تجعلهما مطالبتين بتحرير مواقفهما المتصلبة من السلاسل التي لا تكبلهما وحدهما وانما تكبلان الموقف الفلسطيني برمته وتحرمانه من المرونة السياسية.