يذهب الكثيرون إلى أن كرة لقدم لم تعد لعبة مشوقة كما كانت في السابق، الخطط الدفاعية قتلت الكثير من رونقها، البحث عن الفوز ثم المحافظة عليه، حتى ولو كان بهدف واحد، حرم الجمهور من الاستمتاع بالمباريات، على عكس ما كان يحدث في السابق، اذ كان الفوز هو المطلب الرئيس، مع الحرص على أن يكون مصحوباً بتقديم العرض الجميل، بدأت الذاكرة الرياضية - بفعل فاعل - تتخلص من مراوغات بيليه ومارادونا وكرويف، وأهداف موللر وقيادة بيكنباور وتسديدات بوبي تشارلتون، وأخذت تخزن أداءً مصنوعاً يقدمه اللاعبون بمساعدة مدربين لا يبحثون عن المتعة. في هذا الإطار، تبرز مدرستان هدفهما مشترك، هو الفوز، فالأولى تنادي بالحفاظ على الانضباط التكتيكي لدى اللاعبين، وعدم إعمال العقل في التفكير داخل الملعب، فصرنا نشاهد لاعبين وكأنهم عبارة عن ماكينات مبرمجة مسبقاً، والمدرسة الثانية تنادي بإطلاق الخيال للاعبين لتقديم كل ما لديهم، وتسخيره لخدمة الفريق، وهذا ما نشاهده في منتخبات أميركا الجنوبية كالبرازيلوالأرجنتين، وقليلاً في أوروبا كما في البرتغال وفرنسا سابقاً. الأرجنتين أعادت لنا شيئاً من فنون الكرة الجميلة، وذكّرتنا بفريقها عام 1978 مع ماريو كيمبس ولوكيه وباساريللا، ثم بمنتخبها الرائع في 1986 يوم كان يضم في صفوفه المعجزة مارادونا وبروشاكا وفالدانو، ثم غطت الأرجنتين في سبات عميق بعد رحيل مارادونا، ولم تستطع العودة إلى الواجهة، ففشلت في"مونديال"2002، وخرجت من الدور الأول. وعاشت طويلاً في ظل المنتخب الأقوى البرازيل. ضرب منتخب الأرجنتين الملقب بفرقة"التانغو"بقوة، وسجل حتى الآن أكبر نتيجة في"المونديال"، عندما زار لاعبوه الشباك الصربية ست مرات، كانت قابلة للزيادة، وأخذ الجميع هنا في ألمانيا يتحدثون عن العرض الجميل الذي قدمه لاعبو الأرجنتين، ما يجعلهم أحد الأرقام الصعبة في"المونديال". قال مارادونا عن منتخب بلاده الحالي:"هذا أفضل منتخب يمثل بلادنا منذ زمن بعيد، لم أشاهد فريقاً وطنياً يلعب بهذه الروعة، نحن الأفضل، وسنصطحب الكأس إلى بوينس أيرس". عزف أبناء المدرب بيكرمان"سيمفونية"التألق، لكن اللافت أن لاعبين بحجم فنان برشلونة ميسي، وكارلوس تيفيز أغلى لاعب في الدوري البرازيلي، ومهاجم الانتر كروز، لم يدخلوا المباراة منذ بدايتها، وعندما أشرك المدرب ميسي وتيفيز نجحا في وضع بصمتيهما على اللقاء. يتمنى كل مدرب أن يكون لديه لاعبون من طينة ميسي وتيفيز، ولن يحتاج لوقت طويل لحسم مسألة إشراكهما من عدمها، فالجواب واضح من العنوان كما يقولون، لكن مدرب الأرجنتين نجح في إيجاد توليفة داخل الملعب وخارجه. يملك الفريق الأرجنتيني كل الحلول والبدائل لصنع فريقين بمقاييس واحدة، وبالمهارات المطلوبة لنجاح أي مدرب، وبيكرمان يعرف هذا، وصرح به من قبل، لكنه برر إبعاده بعض النجوم من أمثال فيرون وصامويل بأن"القائمة لا تتسع لكل النجوم، أريد أن أفصل خطتي على لاعبين معينين، يستطيعون تنفيذها وفق ما أطلبه منهم". وتمثل دهاء بيكرمان في تقديم نجم الوسط ريكيلمي طعماً للصرب، وظلوا يطاردونه فانشغلوا عن الباقين، فضرب سافيولا ورودريغيز بقوة. الأرجنتينيون لن يتركوا المنتخبات المنافسة تهنأ، البرازيلوألمانيا وانكلترا بدأت تعيد حساباتها، من هنا نعد أنفسنا بپ"مونديال"قوي وأداء مبهر.