ما الذي حدا بالروائي الأميركي الشيخ، جون أبدايك، أن يخوض في حكاية الارهاب؟ أهي الموضة أم الافلاس الأدبي والشحّ في الالهام؟ ربما الاثنان؟ ربما أكثر. فجون ابدايك البالغ من العمر 73 سنة والذي اشتهر برواياته الأميركية المخضرمة بين الطبقة الوسطى ومجاهل الطبقة المعدمة في الولاياتالمتحدة، والذي فشل مرتين في الخروج من محيطه اذ طرق مواضيع ومناخات في أميركا الوسطى وافريقيا، تخصص أيضاً في تفكيك العلاقات الاجتماعية من خلال المستجدات الاخلاقية والجنسية، ولم تخل تلك المحاور من أثر الدين والتدين والتعصب الديني في اميركا الشمالية. لكنه في روايته هذه الثانية والعشرين، الصادرة اخيراً عن دار"الفريد كنوف"يشطح على سطح الموضوع لمجرد التجاوب مع الكلمة الاكثر تردداً في وسائل الاعلام الغربية منذ مجيء جورج دبليو بوش الى السلطة: ارهاب... و"ارهابي"عنوان الرواية ضربة تجارية رخيصة لا تليق بشيبة جون ابدايك بقدر ما تقع في خانة استثمار الاثارة السياسية والاعلامية. يروي أبدايك في هذه الرواية قصة أحمد المولود من أم أميركية وأب مصري توارى عن الانظار بعد مرور سنوات قليلة على ولادة ابنه. وأحمد فتى اميركي النشأة يعيش في مدينة متخيلة تدعى"نيو بروسبكت"وتشبه الى حد بعيد نيو جيرسي مدار معظم روايات ابدايك السابقة. أحمد في الثامنة عشرة. مسلم، متديّن، بالغ اللطف والتهذيب، ينأى عن كل ما له علاقة بالسوء والاخلاق الهابطة والكلام البذيء، ويستهول العادات الاباحية في المجتمع الأميركي المعاصر بما فيها عادات والدته التي تكثر من التبرّج ولا ترى ضرراً في تكديس العشاق. ويعلن احمد غير مرة أنه ينوي اتباع"السراط المستقيم"وليس ذلك بالأمر السهل في مجتمع متعدد"السراطات"حيث"تباع أشياء بلا فائدة بكثرة لا توصف". يضع ابدايك في فم أحمد كل الكليشيهات الرائجة حول"الاسلاميين"في الغرب:"الطريقة الاميركية هي طريق الكفّار"وأميركا"متجهة نحو مصير قاتم". أو"أنا عطشان للجنّة". لماذا قرر أحمد أن يفجر نفق لينكولن؟ يخبرنا ابدايك أن الامام الذي يدرّسه القرآن اصبح بمثابة والد له وأن الفتى الورع كان يشعر بالعار لأن والدته استشرت في علاقاتها الفاضحة ولأنه سئم الاستماع الى الوقاحات المتلفزة بمعنى آخر يريد ابدايك اقناعنا أن احمد الناشئ في نيو جيرسي لم يشعر يوماً بالحاجة الى صديقة ولم يشاهد فيلماً سينمائياً ولم يتعلم الانكليزية كبقية اترابه بل تراه يتكلم، عبر سطور الرواية، كأن الانكليزية لغته الثانية. ولا يستطيع ابدايك اقناع قارئه ايضاً بالاسباب الخالية من أي خلفية سياسية وراء قرار أحمد تفجير النفق، فكأن الاسلام بحد ذاته مصدر التحريض على الارهاب، علماً أن احمد كما يرسمه ابدايك غير عنيف بطبيعته، بل انه لم يطأ على نملة، فكيف به يعرض حياة آلاف الاشخاص للموت في مهمة انتحارية؟ ولماذا؟ من جهة أخرى يسرف ابدايك في تحديد علاقة احمد بأمه في نطاق سخطه على علاقاتها الجنسية. ولا يدخلنا في تفاصيل حياتهما الشخصية ونوعية علاقتهما العاطفية خلال ما يقرب حقبتين من الزمن. ولا نعرف لماذا لم تطرح الأم أي سؤال عن تديّن ابنها وتخليه عن المدرسة وذهابه لتعلم قيادة الشاحنات، وكل ذلك عقب احداث 11/9 البائسة الذكر. صحيح أن ابدايك ينجح في تصعيد الاثارة والترقب في حبكة روايته ولو أنه يستند على مصادفات لا يقبلها العقل: والدة احمد تقيم علاقة مع ناظر مدرسته الذي"يصدف"انه تزوج من امرأة اختها تعمل في جهاز أمن الدولة، وهذه تعرب عن قلقها لوجود شبهات تدل على أن عملية ارهابية يجري تحضيرها في نيو بروسبكت تاون... تركيبة لائقة بافلام العنف الهوليودية المضخمة حيث لا أهمية للأسباب بل للنتائج المثيرة وحسب. يعترف ابدايك ان اصابته برهاب الانفاق كان المحرك النفسي وراء كتابته هذه الرواية:"الصورة جاءت في البداية. خوفي ان يتفجر النفق وأنا في وسطه - وذلك الحجم الهائل من المياه المتدفقة". ويعترف ابدايك ايضاً أنه رسم البطل في المسودة الاولى متعصباً مسيحياً كاستمرار لبطله المتوتر في روايته السابقة"رئيس الحمام". ويقول:"تخيلت فرخ كاهن يرى كل شيء حوله مسكوناً بابليس يحاول سلبه ايمانه. ثم ادركت ان القرن الحادي والعشرين يصيب كثير بهذا الشعور خصوصاً في العالم العربي". وحين"اهدى"ابدايك بطله الى الاسلام كان ذلك:"لأنني أودّ قول شيء ما نسبة الى الارهاب". فماذا قال ابدايك في"إرهابي"نسبة الى الارهاب؟ لا شيء. بل يبدو ما كتبه تيري مكديرموت، الصحافي في لوس انجليس تايمز، بعد 11 ايلول، موسوعة شاملة ذات مصداقية بحثية واستقصائية وعمق تحليلي مما يقزّم عمل أبدايك الى حجم روايات الجيب الضحلة التي ترمى في سلة المهملات في نهاية نفق القطارات في أي محطة بين لندن وباريس ونيويورك، ناهيك عن نيو جيرسي.