انحرفت التظاهرة التي دعت إليها"الحملة اللبنانية لمواجهة الإساءات الدنماركية"عن هدفها المعلن، وهو استنكار نشر الصور المسيئة الى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وتحولت منطقة التباريس في الأشرفية امس الى ساحة مواجهة بين قوى الأمن والمتظاهرين بعد اعمال شغب طاولت الأملاك العامة والخاصة ولم توفر حتى دور العبادة. فمنذ العاشرة صباح أمس، غصت الطرق المؤدية الى الأشرفية من ناحية بشارة الخوري بآلاف المحتشدين تلبية لدعوة الجماعة الإسلامية ومنظمات اخرى وبمباركة من دار الفتوى. ورفع المشاركون الرايات الخضر والسود، والشعارات. لكن، ما الذي اخرج الاعتصام عن طابعه المقرر سلفاً؟ لم يكن ثمة فاصل زمني يذكر بين وصول أول فوج من أفواج المتظاهرين وبين انطلاق شرارة المواجهة الأولى مع عناصر قوى الأمن على بعد 300 متر من مبنى القنصلية الدنماركية. ولم يصمد الحاجز الذي أقامه العسكريون بمساندة سيارتين للدفاع المدني على مدخل التباريس، إلا دقائق عدة، اقتلعت على أثرها الأسلاك الشائكة من جذورها، ورميت حواجز الحديد بعيداً، فيما نجح المعتصمون في"تحرير"السيارتين من عناصر الدفاع المدني. المشهد السابق لم ينذر بوجود خطة أمنية حقيقية لمواجهة المعتصمين، إذ اقتصر دور العسكريين على إلقاء القنابل المسيلة للدموع في اتجاه المتظاهرين، ثم تلقي أخرى رميت عليهم من جهات مجهولة. ومع وصول الأفواج الأخرى، انضم المتظاهرون الجدد الى السابقين، وهجم الجميع دفعة واحدة على الحاجز، فاجتاحوه. ثم قفز من استطاع الى ظهر السيارتين، لرفع الأعلام، واكملوا الطريق نحو الهدف. ومع تأمين الوسيلة، كان تحديد الوجهة هو الخطوة المنطقية التالية. وبالتالي باشر المتظاهرون بالاستفسار عن مكان القنصلية الهدف، من دون أن يفلح رصاص العسكريين الحي أطلق في الهواء في عرقلة مسيرتهم. وبما أن الهدف ما زال بعيداً، أضرم المحتجون النار بسيارة للدفاع المدني، ورشقوا كنيسة مار مارون المجاورة بالحجارة، وقلبوا سيارة كانت مركونة خارجها. كما استغلوا الوقت الإضافي في تكسير السيارات المركونة على جانبي الطريق. واستخدم البعض العصي والحجارة في تحطيم كل ما تقع عليه أعينهم، من محلات وممتلكات خاصة. وقلبوا مستوعبات القمامة على الأرض، محاولين تحطيمها بعصي أعلامهم. كما احرقوا العلم الدنماركي أكثر من مرة. ومع اقتراب المتظاهرين من الهدف، كثف العسكريون من استخدامهم الرصاص الحي، لكن ذلك لم يثن من وصفوا بپ"العناصر المندسة"، بعدما غادر الكثير من النسوة والأطفال والرجال التظاهرة مع بدء أعمال الشغب. لأن"نحن أتينا لندافع عن الرسول الأكرم، وليس لنحطم الممتلكات العامة، ونسب الأديان الأخرى"، كما تقول الحاجة أم خالد، عن ألسنة كثيرين غيرها. وبعد نحو ساعة ونصف، وصل المتظاهرون وبينهم"المندسون"الى غايتهم في التباريس، على رغم محاولات رجال الدين منظمو التحرك منعهم القيام بأعمال شغب، فنال العلماء نصيبهم من اللكمات والحجارة. وفي الموقع المقصود، كان مبنى القنصلية واحداً من ثلاثة مبان أحدها سكني، والآخر فيه مكتب إعلامي لإحدى الشركات، والثالث فيه القنصلية. فكسروا بداية المكتب الإعلامي، واخرجوا محتوياته على الأرض، ولما اكتشفوا انه ليس هو المقصود، غادروه محملين بغنائم ليس اقلها ماكينة كهربائية لتحضير القهوة وهواتف منزلية. أما الدمار الأكبر، فكان من نصيب القنصلية التي غادرها طاقمها ليل أول من أمس. وأضرم المتظاهرون النار في المبنى لتحقيق الهدف، ترافقهم صيحات:"الله اكبر". واعتق المنتصرون البناية الثالثة، بعدما خرج أحد قاطنيها، معلناً أنها سكنية، وفيها الكثير من الأطفال. وبعد إحراق القنصلية، ارتفعت احتجاجات من تبقى من"غير المندسين"، فأعلنت الجماعة الإسلامية انسحابها من التحرك لانحرافه عن أهدافه، وأعلن عدد من شيوخ دار الفتوى استنكارهم أعمال الشغب وإحراق المباني. وكان بعض الموالين لپ"حزب الله"انسحبوا في وقت مبكر. ولم تتمكن فرق الإطفاء من الوصول الى المبنى المحترق، إلا بعد اكثر من ساعة، بعدما صعد عدد من الشيوخ على متنها، في محاولة للتوسط بين الأمنيين والمعتصمين. ونحو الساعة الواحدة ظهراً، قطع الجيش الطريق الى الاشرفية معلناً انتهاء الاعتصام. وغادر المتظاهرون منطقة التباريس التي بدت كأنها ساحة حرب. ونقل الجرحى من الطرفين، الذين تضرر بعضهم بفعل القنابل المسيلة للدموع والرصاص الحي 3 اشخاص إلى المستشفيات. وفي مقاهي وسط بيروت، كان عدد من الأهالي يعبرون عن سخطهم لما جرى."أتينا لنشارك في الاعتصام للدفاع عن الرسول، وأذ بنا نفاجأ بأنهم أرادوا أن يقلبونا على بيت الحريري، وللتشويش على التحرك المتوقع في 14 شباط فبراير"، تقول السيدة، وتضيف:"لكننا سنشارك". الكحالة واستنكاراً لما حصل في بيروت، قطع أهالي بلدة الكحالة شرق بيروت الطريق الدولية، فأشعلوا الإطارات على وقع قرع أجراس الكنائس. وحضرت وحدة من الجيش وأزالت الإطارات. وتحدث البعض عن استفزازات قام بها مشاركون في تظاهرة الأشرفية اثناء عودتهم الى البقاع. كما أقدم بعض المتظاهرين في طريقهم الى الشمال، على تكسير بعض السيارات في منطقة الضبية.