استطاع «مثيرو الشغب»، الليل قبل الماضي، مرة جديدة، حرف الحراك المدني الذي يطالب بمحاسبة الطبقة السياسية الفاسدة في البرلمان والحكومة ومعالجة أزمة النفايات بحلول علمية، عن مساره في ساحة رياض الصلح. وجهد منظمو الحراك من الجمعيات المشاركة لمنع تفاقم الوضع، فشكّلوا درعاً بشريةً بين المعتصمين، وشرطة مكافحة الشغب، مؤكدين سلمية التحرك، ورفضهم التعرض للقوى الأمنية، وعملوا على طرد غير المنضبطين. إلا أن إصرار هؤلاء الذين وصفهم بعض المنظّمين بأنهم يعيشون في «أحزمة بؤس» ويقضون معظم أوقاتهم في شرب النرجيلة» لكنهم «غير مندسين»، على توتير الأجواء، كان كافياً لانسحاب عدد كبير من المواطنين من الساحة. وبدأ الشبان برمي قوارير مياه فارغة على عناصر قوى الأمن خلف الأسلاك الشائكة وإلقاء مفرقعات قوية الصوت وحجارة، ما دفع القوى الأمنية إلى استقدام مزيد من التعزيزات لتفريق المتظاهرين. وانتقدت هيفاء البنا من حملة «بدنا نحاسب» رد الفعل السريع والقوي للقوى الأمنية في المواجهة، ودفع عناصرها لتفريق المتظاهرين بالقوة، والرد بالحجارة على الجميع فيما هم يحمون أنفسهم بدروع واقية. واعتقل بعد أعمال الشغب 50 شخصاً ب«شكل تعسُّفي»، كما يقول الناشطون، أفرج عن 33 منهم وبقي 13 قيد التحقيق كما قال المحامي مازن حطيط ل«الحياة» أمس من أمام ثكنة الحلو حيث يحتجز هؤلاء واعتصام «اتحاد الشباب الديموقراطي» (الحزب الشيوعي) في إطار حملة «بدنا نحاسب» للضغط للإفراج عنهم. وأفرج عن كل المعتقلين في الثكنة عصراً. وقال مصدر أمني رفيع ل«الحياة» أن «كل الموقوفين عند قوى الأمن الداخلي يخرجون تباعاً ولن يبق موقوف واحد في نهاية النهار»، بينما كان هناك عدد من الموقوفين لدى مخابرات الجيش. وطاولت الملاحقات الليل ما قبل الفائت الناشطين إلى جسر الرينغ وشارع الحمرا كما أكد بلال علاو من حملة «طلعت ريحتكن». وأكد حطيط أنه تم تحديد أنواع الجرم ب«إثارة الشغب، والاشتباه بتعاطي المخدرات بعد معاملة القوى الأمنية بشدّة»، لافتا إلى «أنهم أخضعوا لفحص تعاطي المخدرات بهدف إذلالهم». ومن بين المفرج عنهم وغالبيتهم من القاصرين بحسب زملائهم،: «شادي عياش، حسين فقيه، رامي عواد، زياد يونس، سامي موسى، حسن فقيه، أحمد شكر، جهاد غادر، غازي البعلبكي، عبدالعزيز البربير، علي محمود». أمام ثكنة الحلو علا صوت والدة شادي عياش الذي اعتقل ب«قوّة» من سيارته وهو يغادر الساحة كما قال رفاقه: «إذا لم تفرجوا عن ابني سأفجّر نفسي هنا، يعمل في «ليبان بوست»، ومعاشه لا يخوّله حتى استئجار شقّة، اطلقوا سراحه الآن». أما عليا حسين والدة الموقوف زياد يونس فحاولت مواساتها، لافتة الى أنها لن تمنع ابنها من التظاهر السبت المقبل «لأن لديه مطالب منها فرصة عمل وإزالة الزبالة من أمام منزلنا». وفي معطيات «المداومين» في ساحة رياض الصلح، فإن تلك المجموعة ستنزل كل يوم لإثارة الشغب، وتحدي القوى الأمنية وتحديداً المولجة حماية السراي. وقال عضو حملة «بدنا نحاسب» أيمن مروّة الذي تعرض للضرب في رياض الصلح: «كنت أحاول أن أحمي المتظاهرين وأن أقف حاجزاً كي لا تعتدي قوى الأمن على المواطنين». وأشار في مؤتمرٍ صحافي إلى «وجود عدد كبير من الأشخاص في عداد المفقودين الذين لا نعرف مكان وجودهم»، مطالباً ب«الإفراج الفوري عنهم». وأكد أنه سيرفع «دعوى بحق كلّ الّذين اعتدوا علينا بالضرب»، مشيراً إلى «توثيق الكاميرات لكل الّذين اعتدوا». واعتبر أنّ «هذا النظام وضعنا أمام معادلتين، إما المطالب والحقوق، واما الاستقرار والأمن»، مؤكداً أنّ «معركتنا ليست مع قوى الأمن بل مع هذا النظام الذي أثبت أنه يخشى أي حراك شعبي، سلمي أو تصعيدي». ودعا أي شخص ينتمي إلى أي طائفة أو حزب الى «الانسلاخ عن قيادته». ورفض مروّة الحديث عن مندسين، معتبراً أنّ «هذا الكلام هو أذية للتظاهرة، وهو عن سابق إصرار وتصميم». وأكد «مواصلة التحركات». وقال أحد المنظمين ان تظاهرة السبت ستشهد ضبطاً للتحرك. وتجمّع ناشطون عصراً في رياض الصلح وارتدى بعضهم قمصاناً بيضاً كتب عليها «انضباط». وانطلقوا بمسيرة إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت حيث يعالج الشاب محمد قصير الذي تعرض للإصابة قبل يومين، فيما عمل آخرون على تنظيف ما لحق من اضرار بتمثال الرئيس رياض الصلح. وفي غضون ذلك، عادت أزمة تراكم النفايات الى شوارع بيروت وضواحيها بسبب عدم قدرة معامل سوكلين والمكبات البديلة على استيعاب المزيد.