شهد لبنان امس فصلاً من فصول التصعيد العسكري على جبهته الجنوبية، بدأ بمواجهة فلسطينية - اسرائيلية فجراً بإطلاق صواريخ"كاتيوشا"على اسرائيل التي ردت بقصف مواقع فلسطينية، واستمر بمواجهة بين"حزب الله"والقوات الإسرائيلية طوال النهار، وانتهى مساء إثر اتصالات لبنانية - دولية وأخرى اميركية - اسرائيلية، أدت الى التهدئة وتطويق التفجير العسكري قبل ان يختلط الحابل بالنابل، وبعدما ادى الى سقوط جرحى اسرائيليين وقتيل فلسطيني وعدد من الجرحى واستشهاد مقاوم من"حزب الله". وسادت بلبلة حول مصدر"الكاتيوشا"التي استهدفت اسرائيل، ومسؤولية"حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين"علماً ان تصريحاً وزع صباحاً نأى بالحركة عن الحادث، ثم صدر مساء بيان لها يتبنى الهجوم، وزعته وكالة"فرانس برس"وأعقبه نفي جديد على لسان مسؤول الحركة في لبنان. ونجحت الاتصالات التي قادها رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة في استيعاب التدهور في جنوبلبنان، من خلال إعلان الناطق باسم قوات الطوارئ الدولية، ميلوس شتروغر التوصل الى وقف للنار سرى مفعوله في الساعة الخامسة والدقيقة 17 عصر امس، بعد التصعيد الأمني الذي شهدته المنطقة الحدودية بين مقاتلي"حزب الله"والقوات الإسرائيلية. راجع ص 7 وكان مسلسل التدهور الأمني بدأ فجراً وسبقه اعلان استنفار في الجنوب ليل السبت - الأحد في صفوف مقاتلي"المقاومة الإسلامية"والقوات الإسرائيلية، بعدما ضربت عناصر تردد اولاً انها تنتمي الى"حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين"القاعدة الجوية للجيش الإسرائيلي في صفد في الأراضي المحتلة، بصواريخ أطلقتها من المنطقة الحدودية في جنوبلبنان. وأفاد بيان نسب الى الحركة ان استهداف القاعدة جاء رداً على اغتيال المسؤول العسكري للحركة في لبنان محمود المجذوب وشقيقه نضال بواسطة سيارة مفخخة في صيدا الجمعة الماضي. وجاء الرد الإسرائيلي على القصف الصاروخي، بقصف الطيران الحربي مواقع ل"الجبهة الشعبية - القيادة العامة"بزعامة احمد جبريل في بلدتي السلطان يعقوب ولوسي في البقاع الغربي والناعمة الواقعة على الطريق بين بيروت وصيدا، ما اسفر عن مقتل ضابط فلسطيني وجرح ستة آخرين. وتزامنت الغارات الإسرائيلية على الناعمة ولوسا والسلطان يعقوب مع تحذير لرئيس وزراء اسرائيل ايهود اولمرت، هدد فيه باستعمال كل وسائل الرد ضد"الإرهابيين الذين يحاولون التعرض لأمن سكان شمال اسرائيل"عقب إطلاق"حزب الله"قذائف على المنطقة. وأكد أولمرت خلال زيارته الرئيس الإسرائيلي موشي كاتساف ان الدولة العبرية ستستعمل"كل وسائل الرد الجوية والبرية التي في تصرفها ضد المجموعات الإرهابية التي تحاول عرقلة سير الحياة اليومية في شمال اسرائيل". فيما طلبت السلطات الإسرائيلية من سكان القرى القريبة من الحدود اللبنانية، النزول الى الملاجئ تحسباً لاحتمال قيام مقاتلي"حزب الله"بقصف تلك القرى. ومع اشتداد القصف المدفعي الإسرائيلي جواً وبراً لعدد من القرى في اقضية مرجعيون وحاصبيا وبنت جبيل وصور، رد مقاتلو"حزب الله"على مصادر النيران، فأصابوا قيادة فرقة الجليل في الجيش الإسرائيلي، وأوقعوا في صفوف عناصرها قتيلاً وجريحاً في حال الخطر الشديد، بحسب ما اعلنت محطة"المنار"التابعة للحزب التي تحدثت عن استشهاد احد مقاتلي الحزب. وبدأ السنيورة تحركاً للجم التصعيد فاتصل بممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان غير بيدرسون وبسفيري الولاياتالمتحدة وفرنسا في بيروت جيفري فيلتمان وبرنار ايميه وقيادة"حزب الله". وكان الحزب أصدر بياناً يدين الاعتداءات الإسرائيلية"على اكثر من منطقة لبنانية والتي استهدفت عدداً من المواقع الفلسطينية". واعتبر الحزب ان هذه الغارات"تشكل انتهاكاً سافراً لسيادة لبنان واستقلاله، يستدعي من الحكومة اللبنانية موقفاً جدياً وقوياً، ومن مختلف القوى السياسية، خصوصاً التي ترفع شعارات السيادة والاستقلال موقفاً مماثلاً في مواجهة هذا الانتهاك الإسرائيلي السافر". وعلمت"الحياة"ان السنيورة حض بيدرسون وفيلتمان وإيمييه على التدخل الفوري للجم التصعيد العسكري خصوصاً انه كاد ان يؤدي الى تدهور واسع قد يكون الأكبر منذ تحرير الجنوب في 25 ايار مايو 2000. وأجرى بيدرسون اتصالاً بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، فيما تواصل فيلتمان وإيمييه مع سفيري بلديهما في القدسالمحتلة. وأجرت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني اتصالات موازية مع قيادة"حزب الله"ومع مسؤولي"القيادة العامة"و"حركة الجهاد الإسلامي"في بيروت، لم تنجح في استيعاب التأزم العسكري في الجنوب الذي اخذ يتزايد تدريجاً، على رغم ان مصادر رسمية ابلغت"الحياة"انها تتوقع نجاح الجهود في ضبط الوضع على الأرض، مشيرة الى ان ما حصل سيبقى في حدود رد الفعل الناجم عن القصف الصاروخي للقاعدة الجوية الإسرائيلية في صفد، ورد الفعل المتمثل بالغارات الجوية الإسرائيلية على مواقع تابعة ل"الجبهة الشعبية للقيادة العامة". لكن التقديرات في شأن إمكان لجم التدهور سرعان ما قوبلت بمزيد من التصعيد الذي استدعى مشاورات اجراها رئيس الحكومة اللبنانية على مستوى عال، وشارك فيها بكثافة رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري الموجود في باريس. وعلمت"الحياة"ان الحريري اتصال مرات بقيادة"حزب الله"ومراجع اوروبية ودولية، ونجح في توفير الدعم الخارجي للاتصالات التي رعاها في شكل اساس السنيورة وأدت الى التوافق، عبر الاممالمتحدة، على تحديد الساعة الخامسة والدقيقة 17 عصراً كموعد نهائي لسريان وقف النار الذي تعاملت معه قيادة"حزب الله"وإسرائيل بجدية، ما تجسد في عودة الهدوء الى المنطقة الحدودية بكاملها. كما علم ان وقف النار ظل مهتزاً ولم يصمد إلا بعد الاتصالات المباشرة التي تولاها كل من انان ووزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، من دون ان تكشف المصادر الرسمية، الجهة التي تولت الاتصالات. الى ذلك، اعلن السنيورة فور اطمئنانه الى صمود وقف النار ان اسرائيل"ما زالت تنتهك الأجواء والمياه الإقليمية اللبنانية منذ مدة طويلة، وتواصل احتجاز عدد من اللبنانيين في سجونها"وأنها"تبدو وراء الاعتداء الذي ادى قبل يومين الى استشهاد مواطنين لبنانيين في صيدا". وقال:"ازاء هذه التطورات أؤكد من دون انسحاب اسرائيل من الأراضي اللبنانية، ستبقى حال التوتر والتدهور قائمة". وناشد"المجتمع الدولي والأصدقاء والأشقاء مساعدة لبنان للضغط على اسرائيل للانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، لأن هذا الانسحاب هو السبيل لوقف دورة العنف". "14 آذار"والسلاح الفلسطيني وصدر عن رئيس الجمهورية اميل لحود بيان اشار الى"التطورات إثر الجريمة النكراء التي وقعت الجمعة الماضي وأودت بحياة المسؤول في"الجهاد الإسلامي"الشهيد مجذوب وشقيقه نضال". واعتبر ان هذه التطورات"تتطلب وعياً وإدراكاً من الجميع لتفويت الفرصة على اسرائيل لتحقيق اهدافها، لا سيما ان فصل الصيف بات على الأبواب". وتابع ان لبنان"يتطلع الى تحرك دولي لوضع حد للممارسات العدوانية الإسرائيلية لما تسببه من ردود فعل". لكن مصادر سياسية قالت ل"الحياة"ان تطويق التدهور لن يقفل الباب على التداعيات المترتبة على البيان الصادر عن"حزب الله"لجهة مطالبته القوى السياسية التي"ترفع شعارات السيادة والاستقلال". ب"موقف مماثل للموقف المطلوب من الحكومة في مواجهة الانتهاك الإسرائيلي السافر". وعلى رغم ان قيادات"قوى 14 آذار"، تجنبت السجال مع الحزب على خلفية بيانه، فإن هيئة المتابعة المنبثقة عنها دانت"الاعتداءات الإسرائيلية على السيادة اللبنانية لمنع قيام الدولة في لبنان وإبقائه ساحة مفتوحة للصراعات الإقليمية". لكنها اعتبرت ان"إطلاق الصواريخ من جنوبلبنان، والذي اعلنت حركة الجهاد الإسلامي مسؤوليتها عنه قبل ان ينفي مسؤولها في لبنان ابو عماد الرفاعي علاقة الحركة بالقصف ليس هو الرد المناسب على جريمة اغتيال المسؤولين فيها، بل هو رد استعراضي يشكل خرقاً فاضحاً للسيادة اللبنانية ولمقررات الإجماع الوطني، ويتقاطع موضوعياً مع المشروع الإسرائيلي الهادف الى منع قيام الدولة في لبنان". ولفتت الى ان ما حصل"يظهر المخاطر التي تنطوي عليها الاستراتيجيات التي تدعو الى إبقاء الوضع الحالي في الجنوب على ما هو عليه اليوم، من حيث غياب سلطة الدولة، إضافة الى ان ذلك يطرح مسألة تتعلق بمنع الجيش اللبناني من الاضطلاع بمهماته الوطنية في الجنوب ويسمح ل"الجهاد الإسلامي"ولغيرها بإقامة القواعد العسكرية في تلك المنطقة". واعتبرت"قوى 14 آذار"ان السلاح الفلسطيني خارج المخيمات"لا يمت الى القضية الفلسطينية بصلة وأنه في الحقيقة جزء من استراتيجية النظام السوري في لبنان ويخضع لأمرته العسكرية المباشرة"، مؤكدة ان"حل هذه المسألة يرتدي اهمية قصوى فضلاً عن انه يشكل احد مقررات الإجماع الوطني على طاولة الحوار ومن هنا مسؤولية الأطراف اللبنانية الحليفة لدمشق في تنفيذ تعهداتها تجاه هذه القضية". ولاحظت مصادر في قوى 14 آذار ان إعلام"حزب الله"تجنب خلال النهار وفي نشراته الإخبارية موضوع إطلاق الصواريخ واكتفى بإعلان البيان باسم"الجهاد الإسلامي"عن تبني إطلاقها، ثم النفي.