حينما يمر الوطن بمحنة ويتعرض شعبه لأزمات نفسية تكاد تفتك به، ثم يعود الاستقرار إليه وحب الحياة، فإن توثيق هذه العودة سيثمر حتماً عملاً مؤثراً... هذا ما قام به المصور الفوتوغرافي توماس هارتويل الذي يقيم في القاهرة، التي غادرها الى الجزائر لمدة عام، من أجل تسجيل الأحداث السياسة التي عاشتها البلاد. وافتتح هارتويل في 15 أيار مايو الجاري معرضاً في غاليري"سوني"في الجامعة الأميركية في القاهرة، عرض فيه الصور التي التقطها هناك. ويقول هارتويل الذي أمضى 27 عاماً في منطقة الشرق الأوسط، إن سنوات الاحتلال الفرنسي القاسية والنزاع الدموي من أجل الاستقلال الذي تحقق في عام 1962، فضلاً عن معاناة الإرهاب الذي بدأ عام 1993 واستمر عقداً كاملاً، تركت آثاراً واضحة في الشعب الجزائري. ويوضح:"العنف في التسعينات خلّف تغييرات ثقافية عنيفة ونتج منه تأثير واضح في النسيج الاجتماعي. والأهم أنه تسبب في جروح نفسية غائرة، وان كانت غير مرئية". أمضى هارتويل العام الماضي متنقلاً بين مدن الجزائر، وهو يدرّس التصوير للطلاب من جهة، ويوثق نهوض البلاد من حقبة تاريخية سوداء من جهة أخرى. ولأنه كان زار الجزائر في الثمانينات، لمس خلال زيارته الأخيرة التغيير الكبير الذي خلفته سنوات الإرهاب فيها. أما بالنسبة إلى الصور المعروضة تحت عنوان"تحيا الجزائر"، فهي مشاهد لا تمت إلى"السنوات السود"بصلة، بل تعكس صورة مشرقة ومتفائلة للحياة اليومية الجديدة. الطفلة الصغيرة التي ألهم وجهها ريشة فنان محلي في كرنفال الورود دليل على الحقبة الجديدة المليئة بالأمل، وإن كان لا يخلو من هموم وجروح لم يزلها الزمن، كما يتضح في صورة الرجل الذي جلس على حافة نافورة أنيقة، سانداً رأسه على كفه وكأنه يستحضر ذكريات الماضي القريب. وتركز الصور أيضاً على أشكال الحضارة الجزائرية التي تظهر في الأزياء والرقصات الشعبية المعروفة. وتمكن هارتويل من التقاط هذه التفاصيل بحرفية تدلّ على معرفة وثيقة بأغوار طبيعة المنطقة الثقافية وخصائصها الاجتماعية. ارتبطت يد هارتويل وقلبه وعقله بعلاقة حميمة مع الكاميرا منذ كان في الخامسة. وحينما أثبت موهبة متميزة، اشترى له والده كاميرا متخصصة من اليابان، وهو لم يبلغ العاشرة بعد. اليوم، وبعد خمية عقود، يتعامل هارتويل مع عدسته كوسيلة أساسية تساعد على توثيق المشاعر جنباً إلى جنب مع الأماكن. ويبدو أن علاقة هارتويل بالشرق الأوسط، وتحديداً الساحات المشتعلة، وثيقة. فقد لاقى معرضه الفوتوغرافي المشترك مع المصورة راندا شعث عن فلسطين نجاحاً كبيراً عام 1999، كما نال معرضه مع المصور أنريك مارتي عن السلام عام 2001، استحسان الزوار. يبتسم حين تسأله عن جديده، ويقول:"من يدري؟ ربما أعلن في يوم ما عن معرض صور يوثق عودة الحياة إلى العراق. لمَ لا؟". "تحيا الجزائر"يستمر حتى الأول من حزيران يونيو المقبل.