ليس من شك في أن الصورة الفوتوغرافية مؤثرة في حياة الشعوب، لقدرتها على توثيق الأحداث وفضح الأسرار، كما أنها لعبت دوراً مهماً في «الربيع العربي». وانطلاقاً من دورها في الثورة المصرية، يستضيف متحف التصوير في مدينة براونشفيغ الألمانية معرضاً بعنوان «القاهرة مدينة مفتوحة – شهادات جديدة من ثورة مستمرة»، يضم مجموعة كبيرة من الرسوم والصور الفوتوغرافية لعدد من المصورين المصريين والأجانب ممن ساهموا في رصد الحدث خلال العامين الماضيين. ويرافق المعرض كتاب توثيقي باللغات العربية والإنكليزية والألمانية، يتضمن مقالات لكتّاب من مصر، وشارك في تصميمه الفنان المصري أحمد كامل، وهو أحد المشاركين في المعرض الذي يحمل عنوانه قراءتين مختلفتين: القراءة الأولى تلامس قصة صحوة سياسية واجتماعية لجيل شاب أصبح ظاهراً مع الاحتجاجات التى اندلعت في ميدان التحرير في 25 كانون الثاني (يناير) 2011، هذه القصة يحكيها في المقام الأول فنانون مصريون ومصوّرون ونشطاء ومنسقون فنيون. أما القراءة الثانية فهي عن دور الصور والشبكات الإلكترونية الجديدة التي استخدمت أيضاً للتنظيم وتسجيل الاحتجاجات ونشرها. ويستعرض المعرض طرقاً متنوعة للعرض المعاصر مثل الفوتوغرافيا والفيديو وأعمال المصورين الصحافيين وتسجيلات قام بها نشطاء أو صحافيون شعبيون ووثائق جمعها فنانون. فالموضوع هو التصوير الفوتوغرافي كوسيلة تعبير عن وجهة نظر، وأداة تأثير في سير الأحداث وكتابة التاريخ وتوثيق الشهادات. ولهذا، فإن المعرض لا يعد جولة سياحية في أنحاء مصر، بناءً على الترجمة المباشرة للعنوان، بل يعبر عن تلك المعركة التي يخوضها أناس عاديون لانتزاع حقهم في امتلاك الحقيقة، بعد أن ارتقى التصوير الفوتوغرافي بأشكال عدة ليصبح في مقام الشهادة بالنسبة إليهم. وفي العصر «الرقمي - الثوري»، ظهرت تحديات وفرص جديدة للطابع التوثيقي للصور، وهي تمثل العين الحاضرة في كل مكان للأجهزة الرقمية وإمكانات النشر الجديدة والتقرير البديل. وبهذا لا يكون المعرض مجرد لقطة من الحركات المطالبة بالحرية في العالم العربي، بل يسلّط الضوء على مرحلة جديدة في تاريخ الصورة عموماً. ويرى منظمو المعرض أنه يتعدى فكرة توثيق الحدث إلى رصد أسبابه، فإذا نظرنا إلى الصور المصاحبة للتغيرات الاجتماعية والسياسية التي تمر بها مصر على أنها شهادات توثّق أحداثاً، نجد أن سبب التغيير لم يكن استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، بل هو حال اليأس وشجاعة الناس في الشارع، لذا سيكون التركيز على ظروف نشأة الصور والنية التي تقف خلفها. ولا يقدم المعرض عملاً منجَزاً أو عملية منتهية، بل يستخدم تطورات الموقف السياسي المفتوح أساساً للعمل. وقُسم المعرض الكبير أجزاء ومحطات قائمة بذاتها، ينسق كل جزء منها واحد من الفاعلين في الساحة الفنية في القاهرة، منهم الفنانتان لارا بلدي وهبة فريد، والمصوران توماس هارتويل وطارق حفني، والنشطاء والصحافيون والمنسقون الفنيون ياسمينا متولي وفيليب رزق وألكسندرا شتوك وروان الشيمي، والمدوّنان أحمد غربية وأليكس نونس. وتُعرض صور أغلفة من الصحف جنباً إلى جنب مع مجموعات من الصور من مدونات صور لشخصيات معروفة، وصور لوجوه عشوائية، وصور الشهداء، ومشاريع وثائقية سجلت التغيرات الاجتماعية والسياسية قبل بدء الثورة.