شهدت الأيام الأخيرة الإعلان"الرسمي"وپ"غير الرسمي"عن انضمام أصحاب المدونات الشخصية المصرية"البلوغرز"من ذوي الآراء والميول والاتجاهات السياسية المعارضة إلى"زمرة"القوى المعارضة المساعدة على إصابة رأس الأمن المصري بالصداع. وعلى رغم أن هذا يعني توقع مضايقات وملاحقات لأولئك المدونين في المستقبل القريب، إلا أنه يعني في الوقت نفسه اعترافاً بأهمية المعلومات والآراء الواردة في هذه المدونات، وترسيخاً لها باعتبارها قناة إعلامية موازية وقوية للقنوات الموجودة من فضائيات وإذاعات وصحف ومجلات. فمنذ تفجرت أزمة القضاة في مصر، هب العديد من أصحاب المدونات الشخصية المصرية الى إعلان تضامنهم"الكترونياً"مع القضاة المعتصمين، وهو التضامن الذي صعّد الى درجة المشاركة الفعلية مع جموع المتظاهرين السلميين المؤيدين لپ"استقلال القضاء". وشهدت المدونات - التي يعتمد أصحابها على تسجيل آرائهم وأفكارهم ومذكراتهم والتعليقات الواردة اليهم على مدوناتهم الشخصية الشبيهة بالمواقع الالكترونية الناشطة - سجالات وحملات تأييد إلكترونية عاتية للقضاة، إلا أن وقوعهم في قبضة الأمن لم يحدث إلا بعد نزولهم الفعلي إلى الأرض. وبلغ عدد المدوِّنين الذين ألقي القبض عليهم منذ اندلاع التظاهرات المؤيدة للقضاة والمعارضة للدولة في نيسان ابريل الماضي ستة مدونين هم مالك مصطفى صاحب مدونة Malek-x.net، ومحسن عادل صاحب مدونة arab.ingo/meit 43، ومحمد الشرقاوي صاحب مدونة speaksfreely.net، وكريم الشاعر صاحب مدونة misrhura.blogspirit.com، وأسماء علي صاحبة مدونة tafaseel.blogspot.com، إضافة إلى"المبلوغ"الأشهر علاء أحمد سيف الإسلام الذي يدون وزوجته منال في manalaa.net. وهي المدونة التي حازت جائزة في مسابقة المدونات التي نظمتها منظمة"صحافيون بلا حدود"وپ"دويتش فيللة"الألمانية في تشرين الأول أكتوبر الماضي. "صحافيون بلا حدود"أعلنت - فور انتشار خبر القبض على علاء عن تأييدها له ولأسرته، وأرسلت رسالة إلى السلطات المصرية يوم 9 أيار مايو الجاري تطالبها بالإفراج عنه لأن"توجيه تهم التجمع غير القانوني، وتعطيل حركة المرور، وسب رئيس الجمهورية، والإساءة اللفظية لقوات الشرطة ليست أسباباً كافية للاحتجاز". لكن أصداء القبض على"مبلوغين"تختلف تماماً عن القبض على مواطنين"غير مبلوغين"، بمعنى أن أجواء البلوغة وروح الرفاق التي هي سمة الغالبية العظمى من أصحاب المدونات الشخصية، على اختلاف، بل وعلى رغم تناقض ميولهم وأهوائهم، تقيم الدنيا ولا تقعدها حين"يقع"أحدهم في مأزق كهذا. الصدى الأول غير المتوقع تماماً كان إضافة أنجزها علاء من داخل الزنزانة بعد فترة وجيزة من القبض عليه، وعلى ما يبدو، فقد أنجزت من خلال هاتفه المحمول، ربما قبل أن يتنبه المسؤولون الى ذلك. كتب علاء في مدونته الى زوجته:"اليوم أيقنت، أنا حقاً مسجون، لست متأكداً من مشاعري، كنت أعتقد بأنني بخير، ولكن الطريقة التي ينظر بها إليّ زملاء الزنزانة تشير إلى انني لست بخير، يقولون لي إن هذه الزنزانة هي لپ"الجرائم النفسية"، الجميع يواجه تهمة ضرب أفضى إلى موت. أكتب هذه الكلمات حتى لا يفهم زملائي من المساجين ما أكتب، وإن كنت غير متأكد من أن الكلمات ستصل إلى المدونة". هذه الكلمات جذبت ما يزيد على 1100 قراءة في أيام قليلة، معظمها يؤيد علاء في أزمته، وإن كان البعض يتشفى فيه بسبب آرائه وانتماءاته العلمانية والليبرالية التي لا يتحملها أصحاب الاتجاهات الدينية. الطريف أن أحد المعلقين أهدى علاء وزوجته منال أغنية يستمعان إليها بتحميلها من أحد المواقع ويتضح أن الموقع هو"موقع التغيير"الذي يمكن من خلاله الاستماع إلى"الأغاني التي تدعو إلى تغيير الأوضاع في مصر"، ومن هذه الأغاني"سنة أولى تغيير"وپ"هنواصل مشوارنا"وپ"أطفال من أجل التغيير"وپ"ياعبدالعزيز مخيون"وپ"كفاية"وپ"حملتنا شعبية"، لكن أحدث الإصدارات أغنية بعنوان"أصرخ بأعلى صوتك". والظريف أن الموقع يقدم كذلك"سينما التغيير التي تعود بواحدة من أقوى أفلامها بعنوان كلنا محاربون"، مع تحياتنا للمشاهدين بسهرة ممتعة. المدونون الذين لم يلق القبض عليهم بعد، منهم من بات يعرف بحكم حنكته التقنية أن مدونته"تحت المراقبة"، فمثلاً أحدهم - ويسمي نفسه sandmonkey كتب أن مدونته يزورها العاملون في"مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار"في مجلس الوزراء المصري، وذلك من خلال رصده ل IP's التي يستخدمونها، وهو ما جعله يكتب لهم ساخراً:"أهلاً بأفراد المركز، كيف حالكم اليوم؟ أرجو أن تنعموا بإقامة سعيدة". من جهتها، بادرت منظمة"هيومان رايتس ووتش"إلى إصدار بيان قال فيه نائب مدير قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا في المنظمة جوستورك إن"هذه الاعتقالات الجديدة تشير إلى نية لإسكات المعارضة السلمية كلياً". وطالب ستورك الحكومة المصرية بپ"إطلاق سراح الناشطين الذين اعتقلوا خلال الأسبوعين الماضيين على الفور ومن غير أن يصيبهم أذى"، واعتبر الحكومة المصرية مسؤولة عن سلامتهم بموجب القانون الدولي. كذلك فعلت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إذ تضامنت 15 جمعية ومركزاً لحقوق الإنسان مع"المدافعين عن الديموقراطية في مصر". لكن يبدو أن قطاعاً من المدونين مصمم على المضي قُدماً، بل وابتكار كل ما هو جديد ومختلف للتفوق في حرب"توم وجيري"الدائرة بين الأمن و"المبلوغين"حالياً. فتحميل الفيديو المصور بالهواتف المحمولة من مواقع التظاهرات على المدونات وطرحها أمام العالم لحظة حدوثها سلاح لا يمكن الاستهانة به، ولا تنفع معه"التكذيبات الرسمية"وپ"موجات النفي الإعلامية الحكومية"التي تعقب الحدث، ومن ثم فإنه يمكن اعتبار موجة احتجاز المدونين البداية"الرسمية"بمعنى الاعتراف الرسمي بأهمية المدونين المعارضين، وإن كان الاعتراف في حد ذاته"غير رسمي"أي غير موثق أو"مدون"، فالمدونات باتت في حكم الموبقات التي تعكر الأمن والاستقرار. الطريف أن المدونين المحتجزين منهم من هو من أعضاء جماعة"الإخوان المسلمين"، ومنهم الليبرالي، ومنهم الوطني المستقل الهادف إلى التغيير.