قبل ان تتصدر قضية قمع اللاجئين السودانيين قائمة اهتمامات المنظمات الاهلية وجمعيات الدفاع عن حقوق الانسان والمعارضة السياسية في مصر، كانت تلك الاطراف عينها منشغلة بمسألة اعتقال شخص يدعى أحمد محمد محمود عبدالله، على يد قوات الامن. ويملك عبدالله موقعاً الكترونياً اسمه"بلدي.نت"balady.net. كما يعرفه جمهور شبكة الانترنت باسم"ابو إسلام احمد عبدالله". واثار اعتقاله حرباً مكتومة بين مواقع عدد من"بلوغرز"Bloggers المشهورين مصرياً. وللتذكير، يطلق مصطلح"بلوغرز"على الاشخاص الذين يدونون مذكراتهم في صفحات الكترونية متجددة على الانترنت. ولذا، يسميهم البعض"المُدونين الالكترونيين". الورق المُصادر والحرية الالكترونية ...المتطرفة في البداية، يجدر التعريف بأبي إسلام. والحال انه صحافي مصري منتم للنقابة. وسبق له الانتماء الى حزب"العمل"، الذي تشكّل، حينها، من تحالف بين حزب الوفد وجماعة الاخوان المسلمين. وبعد اعتقاله بنحو أسبوعين، أفرجت السلطات عنه من دون سبب واضح! ويتضمن سجله محاولات عدة لإصدار صحف ورقية. وغالباً ما انتهت محاولاته الى اغلاق تلك الصحف او مصادرتها. وأخيراً، اتجه الى حيث يصعب الاغلاق وتستعصي المصادرة. ووجد في الشبكة الالكترونية العنكبوتية متنفساً له. ووضع على موقعه في الانترنت مقالاته وكتبه. واستخدمه منصة للتواصل مع الذين يشاركونه الرأي، اضافة الى الذين يرغبون في الحوار معه حول ارائه التي تتسم بالتطرف، وخصوصاً لجهة هجومه المتواصل على اتباع الديانات السماوية الاخرى. وقبل فترة وجيزة، اعتقل ابو اسلام من بيته، بعدما فتشت قوات الامن منزله، وصادرت منه عدداً من الاقراص الرقمية الصلبة والاسطوانات المدمجة وعشرات الكتب وغيرها. وكذلك يدير"مركز التنوير الإسلامي". ويصفه بأنه يهدف الى"المقارنة بين الأديان والتقريب بينها". وقد صادرت الشرطة منه عدداً من السكاكين ذات النصل المتحرك! وبعد اعتقال أبي اسلام، توجه وفد من"بلوغرز"الى بيته للاعراب عن تضامنهم معه. وضم الوفد أصحاب المدونات الالكترونية التي تحمل اسماء"مالك"و"عمرو عزت"و"سقراط"و"منال وعلاء". وبادرت جهات عدة تعنى بحقوق الصحافيين الى اصدار بيانات استنكار، نُشرت على شبكة الانترنت. فأصدرت حركة"صحافيون من أجل التغيير"بياناً شجبت فيه"مداهمة قوات الأمن منزل الزميل أبي إسلام والاستيلاء على أرشيفه الخاص ومصادرة كتبه". وحمّلت الحركة سلطات الأمن مسؤولية سلامته. وطالبت السلطات المعنية بالالتزام بالقانون، خصوصاً لجهة مراعاة حصانة الصحافة. واختتمت الحركة بيانها بالقول:"ان اختطاف الصحافي في ظروف انتخابات برلمانية شابها الكثير من تجاوزات الأمن والبلطجة السياسية، واقتياده الى مكان غير معلوم، يمثّل أمراً بالغ الخطورة". وفي نَفَس مُشابه، اعربت منظمة"صحافيون بلا حدود"عن قلقها من اعتقال أبي اسلام. واصدرت بياناً شددت فيه على وجوب تمتّع صحافة المواقع الالكترونية وأصحاب المدونات الالكترونية الشخصية بالحماية القانونية نفسها والاحترام ذاته المتاحين للإعلام التقليدي. واضافت المنظمة في بيانها ان"قرار القاء القبض على صحافي او بلوغر امر خطير، ولا يجب أن يتم إلا من خلال اجراءات قضائية تتسم بالشفافية، وهو ما لم يحدث في هذه الحال". وبعد الافراج عن أبي إسلام، سرت أصوات متناقضة في أوساط المدونين المصريين وقرائهم على شبكة الانترنت حول مساندة الصحافي المحتجز. فقد انتقد أحد القراء بشدة المُدوّنة الالكترونية"علاء"على تعضيده أبء اسلام. وعلّق ذلك القارئ بالقول:"قبل ما نعترض على انتهاك أمن الدولة لحقوق الانسان كنت شفت أبا اسلام الذي لا يعترف بشيء اسمه حقوق إنسان ولابتنجان باذنجان". والارجح ان تلك الكلمات تحاول الاشارة الى اتجاهات أبي إسلام وكتاباته المتعددة التي ينشر معظمها على موقعه حول المسيحيين. وتتضمن تلك الكتابات نقداً للنصارى ومعتقداتهم. والمفارقة انه سعى الى تمكين عدد ممن التحقوا بپمركز التنوير الإسلامي من الاقامة في أحد الأديرة المسيحية لبضعة أيام،"بغرض الدراسة والتحليل"، بحسب تعبيره. أعلن بلوغر آخر، يدير مُدوّنة الكترونية اسمها"عمرو عزت"، تضامنه مع أبي إسلام، من باب الدفاع عن حرية الرأي. وكتب تفاصيل لقائه بأبي إسلام الذي قال إنه"زادت حالات التحوّل الى الاسلام في المنطقة التي يقع فيها المركز، كما أن الشباب من ناشطي مركز التنوير الاسلامي نجحوا في ايقاف حالات تنصير في المنطقة نفسها". كما رجحت مُدوّنة"عمرو عزت"ان يعود الاعتقال الى مجموعة من المقالات الساخنة التي نشرها على شبكة الانترنت أخيراً ليرد فيها على القس زكريا بطرس الملقب بپ"قس الفضائيات". والحال ان تلك المقالات اتسمت بلهجة حادة وعدوانية. وتُلمّح مُدوّنة"عمرو عزت"الى أن أبا إسلام يتمتع بشعبية كبيرة بين الشباب السلفي. وقد شارك هؤلاء الشباب في تظاهرة قبل أيام من الافراج عنه، اعلنوا فيها تضامنهم معه. ويرجع جانب كبير من هذه الشعبية الى موقع ابي اسلام على شبكة الانترنت. ويؤشر هذا الامر الى أن الشبكة العنكبوتية ما زالت تحمل في طياتها الكثير من القدرات، التي ربما ما زالت في مراحلها الاولى. ويعني ذلك أيضاً أن الشبكة العنكبوتية يتوقّع لها أن تجذب في المستقبل القريب قدراً أكبر من اهتمام رجال الأمن. فتش عن... بن لادن الطريف ان سلطات الامن اعتقلت المُدوّن الالكتروني كريم عامر واسمه عبدالكريم نبيل سليمان في تشرين الثاني نوفمبر الماضي عقب احداث الفتنة الطائفية في الاسكندرية، وبررت الاعتقال بكتابات كريم عامر، التي وصفتها بأنها"تحوي ازدراء للدين الاسلامي"، مع العلم ان المُعتقل المذكور طالب في جامعة الأزهر. والمعروف انه علّق على تضامن بعض المدوّنين الالكترونيين مع أبي اسلام بالقول:"كيف يمكننا أن نتسامح مع هؤلاء المتطرفين الذين يشعلون الفتن الطائفية بين المواطنين في مصر؟ أبو إسلام هذا ليس سوى أحد مندوبي بن لادن في مصر... وما فعله معه الأمن المصري كان عين الصواب... لأن الآثار السيئة التي نتجت عن نشاطاته المشبوهة لا يمكن تداركها مع الزمن، وستساهم في زيادة الفجوة بين المواطنين". هذا التعليق الغريب استفز كثيرين من بلوغرز مصر، خصوصاً انهم تضامنوا مع عامر فور اعتقاله، وطالبوا بالافراج عنه، على رغم إعلان غالبيتهم اختلافهم معه في الرأي والاتجاهات. ولم يمنعهم الاختلاف من المطالبة بالافراج الفوري عنه باعتباره سجين رأي. لم تعد حرب حرية الرأي والسعي لكفالة حق التعبير مقصورة على الصحف الورقية والقنوات التلفزيونية والتظاهرات الشعبية، لكنها امتدت الى الشبكة العنكبوتية أيضاً. والحال ان الانترنت توفر منبراً فعالاً للتعبير عن الرأي ولنشره بين الناس، وكذلك لفتح مجال للنقاش والحوار حوله. وفي الوقت نفسه، يبدو ان الشبكة الالكترونية باتت تفتح أيضاً بوابة التدخل الأمني للتحكم في ما يقال، ومنع ما لا يجب ان يقال، وعقاب من قال ما لا يجب أن يقال.