حين يشاهد المرء فيلماً للمخرج خالد يوسف، لا يمكنه إلا أن يستعيد عوالم أستاذه الفنان الكبير يوسف شاهين. وربما كان فيلم خالد يوسف الثالث "انت عمري" - بعد"العاصفة"وپ"جواز بقرار جمهوري" -، وقبل"ويجا"، الأكثر تعبيراً عن تلك العوالم. فهو كذلك، لأنه خلافاً لفيلميه السابقين الأول يتحدث عن حرب الخليج، والثاني يتناول السلطة في قالب كوميدي فيلم وجداني بامتياز، يعيد الى الذاكرة روائع السينما العربية الرومانسية في عصرها الذهبي. وهذا ما يلاحظه المرء من عنوان الفيلم"انت عمري"الذي يحيلنا على اغنية شهيرة لكوكب الشرق أم كلثوم.. وصولاً الى مجرى الأحداث المشحون بكمية من العواطف والأحاسيس التي لا يمكن أياً منا إلا أن يتأثر بها. فمن قال أن زمن الرومانسية الراقية ولّى ليترك مكانه لسينما مبتذلة تعمل جاهدة لتسخيف الفرد؟ ربما يفسر رواج الكوميديا الاستهلاكية في أيامنا، هذا الكلام.. لكن هذا لا ينفي وجود سينما أخرى، بعيدة من الابتذال، همّها الانتصار للحس الانساني والانتصار لقيمة الحياة. والأكيد أن فيلم"انت عمري"واحد من أبرز وجوهها. وهل هناك أفضل من تلميذ ليوسف شاهين يعيد تلك الأجواء، مستعيناً بوجوه مصرية شابة، تخترق القلوب وتأسر المشاهد: هاني سلامة ومنة شلبي ونيللي كريم؟ أفضل ممثلة وإذا كانت نيللي كريم نالت عن دورها في هذا الفيلم جائزة أفضل ممثلة في مهرجان القاهرة السينمائي، في دورته ما قبل الماضية، فإن أداء هاني سلامة ومنة شلبي، لا يقل شأناً عن أداء نيللي... أضف الى ذلك أداء هشام سليم الذي رأى النقاد انه قدم في هذا العمل واحداً من افضل أدواره على الشاشة. ولكن لا تكمن قوة الفيلم فقط في أبطاله الذين عرف خالد يوسف كيف يُخرج منهم مشاعر وأحاسيس مميزة.. إنما أيضاً في موضوع الفيلم الإنساني الذي كان له دور بارز في"اختراق"الجمهور بلا استئذان. فماذا عن حكاية هذا العمل؟ يوسف هاني سلامة مهندس شاب يعيش حياة سعيدة مع زوجته وابنه. سعادة لن تدوم، خصوصاً حين يعرف يوسف أنه مصاب بمرض عضال. طبعاً ستنقلب حياة بطلنا رأساً على عقب". وتبدأ الأمور بالتدهور، فيقرر الابتعاد عن المنزل، وإيهام زوجته منة شلبي بأنه في رحلة عمل. لكنه اعتكف الحياة، فهل يصمد طويلاً؟ وحدها شمس نيللي كريم راقصة الباليه الأولى في مصر، قادرة على تبديل حاله. مَن هي هذه الفتاة؟ وما الذي يميزها عن زوجته التي كان يكنّ لها حباً كبيراً؟ كيف دخلت حياته؟ أسئلة سرعان ما يجيب عنها الفيلم، فنكتشف أن وحدة المصير كانت الجامع الأول، ثم بدأت الحكاية، حكاية قلبين وجد كل منهما نفسه في الآخر. من لقاء أول في عيادة الدكتور هشام هشام سليم حيث يُعالج كل منهما، الى لقاءات متلاحقة، فانسجام، وقصة حب"تقشعر لها الأبدان". هكذا نعيش مع البطلين اجمل أيامهما، الكفاح والرغبة في الحياة، أياماً لن يعكر صفوها إلا اكتشاف الزوجة كذبة يوسف. وهنا تقرر استرجاع ما كان"ملكها"يوماً. اللافت في الفيلم أن المشاهد يجد نفسه متعاطفاً مع الزوجة والعشيقة في آن. يفهم الأولى، ويحزن للثانية. يتخبط بينهما، لا يعرف من الجلاد ومن الضحية. لن نطيل في الحديث عن تفاصيل الفيلم، لنترك متعة اكتشاف أحداثه على شاشة"آي آر تي الأفلام"، بعدما بقي في الصالات التجارية المصرية فترة تصل الى سبعة شهور، محققاً إيرادات مرتفعة، اذ نال إعجاب الجمهور، والنقاد... ولا يلغي ذلك أخذ بعضهم على خالد يوسف ابتعاده عن السياسة التي كانت محور فيلميه الأولين، ودخوله عالم الرومانسية. والحال أن المرء بعد مشاهدته هذا الفيلم لا يمكنه الا ان يتساءل: هل حقاً يمكننا اعتبار هذا الابتعاد مأخذاً؟ * "أنت عمري"يعرض في الساعة 22.45 بتوقيت غرينتش على"آي آر تي الأفلام"