أولاً، أظهرت مسودة التحقيق الرسمي البريطاني في إرهاب 7/7/2005 ان الانتحاريين الأربعة عملوا رداً على السياسة الخارجية البريطانية"خصوصاً قرار غزو العراق". ثانياً، أظهر استطلاع للرأي العام البريطاني غالبية تطالب بانسحاب القوات البريطانية من العراق، وغالبية اخرى تعتبر ان جورج بوش وتوني بلير أخطآ في غزو العراق. ثالثاً... يفترض ان يكون"ثالثاً"هذا ان حكومة رئيس الوزراء توني بلير تفكر في الانسحاب من العراق أو تقليص القوات البريطانية هناك. غير ان ما سمعنا كان العكس تماماً، فقد سربت اخبار عن ان الحكومة البريطانية تدرس العواقب على بريطانيا لهجوم على ايران. صحيفة"الديلي تلغراف"نسبت الى مصدر في وزارة الخارجية البريطانية قوله انه لن يكون هناك غزو لإيران، ولكن المنشآت النووية فيها ستدمر إن لم يكن السنة، فالسنة المقبلة. هذا جنون، فضرب المنشآت النووية الإيرانية لا يختلف عن الغزو، وإيران سترد بكل الأسلحة المتوافرة لديها، وهي كثيرة ومتنوعة، وأصر مرة اخرى، وأنتظر أن أحاسب على كلامي هذا، ان ايران أقوى من الولاياتالمتحدة في الشرق الأوسط. فالسياسة الأميركية العمياء هي التي دمرت أعداء النظام الإيراني الى الشرق والغرب، ثم أطلقت يده في العراق، وبعد ذلك بدأت تهدده. مثل هذا الحمق لا يقدر عليه أحد غير الإدارة الأميركية، ولعلي أقل الناس معرفة بالشؤون العسكرية، ومع ذلك أعرف ان المفروض ان تضعف خصمك قبل ان تهاجمه، لا ان تقويه ثم تبدأ تهديده. في الولاياتالمتحدة نقلت"واشنطن بوست"عن مصادر الاستخبارات الأميركية تقديرها ان في حال توجيه الولاياتالمتحدة ضربة عسكرية لإيران، فإن هذه ستطلق عملاء استخباراتها ورجال حزب الله لشن عمليات"إرهابية"حول العالم. هذا الكلام نصف صحيح، وفي حين لا أدعي خبرة عسكرية، فإنني أدعي معرفة بإيران وسياستها، وهي سترد حتماً على هجوم عسكري اميركي أو اسرائيلي او ضربة لمنشآتها النووية، عبر غارات جوية، إلا انها لن تمارس أي إرهاب حول العالم، فهي لا تحتاج الى ذلك وتعرف انه يثير ردود فعل عكسية. إذا تعرضت ايران لضربة عسكرية فسترد في الشرق الأوسط فقط على القوات الأميركية والمصالح، وضد اسرائيل، وإذا حدث كل هذا فستصبح الحرب على العراق تلك النزهة الخرافية بالمقارنة. الوضع مخيف، ليس فقط لأن ايران أكبر قدرة بأضعاف من عراق صدام حسين في الدفاع عن نفسها، بل لأن الإدارة الأميركية في وضع ان ترتكب خطأ أكبر من غزو العراق. أول خطوة لتصحيح الخطأ هي الاعتراف به، غير ان الإدارة الأميركية تصر على ان قرار الغزو كان صائباً، بل تصر على انها انتصرت في العراق، لذلك فالمنطق يقول انها قد تكمل بقرار"صائب"آخر ضد ايران، حيث سيكون"انتصارها"أضعاف"النصر"العراقي. والموقف البريطاني سيكون دائماً صدى لما يتردد في واشنطن. وأبسط دليل على ان الإدارة الأميركية أصابت وانتصرت هو ان دعاة الحرب لا يزالون في مواقعهم داخل الإدارة وحولها، فالرئيس على جهله، ونائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد لا يزالان يقودان عصابة من المحافظين الجدد تعمل لخدمة اسرائيل على حساب المصالح الأميركية، وهذا رأيي ورأي كل عربي ومسلم قبل صدور دراسة عن جامعة هارفارد تؤكد ذلك. "الطرطور"البريطاني في معادلة الحرب على ايران غير مهم إلا من زاوية إعطائه مؤشراً الى التفكير الأميركي، ومن زاوية ما ستواجه بريطانيا من عواقب لدورها مع اميركا، وعندما تدرس الحكومة البريطانية العواقب عليها، فمعنى ذلك ان حليفتها عبر المحيط الأطلسي تفكر جدياً في الهجوم. وهنا نصل الى رامسفيلد، أو الكارثة في وزارة الدفاع الأميركية. وزيرة الخارجية الأميركية الدكتورة كوندوليزا رايس قالت في تصريح مشهور قبل ايام ان الولاياتالمتحدة اصابت في غزو العراق، ولكنها ارتكبت ألوف الأخطاء التكتيكية في إدارة الحرب. الولاياتالمتحدة أخطأت في غزو العراق لأسباب ملفقة أو مبالغ فيها، اما الأخطاء التكتيكية فهي من فعل البنتاغون والوزير المتطرف الذي رد على الدكتورة رايس نافياً ارتكاب اخطاء تكتيكية أو غيرها، فتأسيس جهاز استخبارات داخل وزارته لتزوير الأدلة ليس خطأ، وتعذيب السجناء ليس خطأ، واستعمال الفوسفور الأبيض ليس خطأ، وقتل المدنيين عشوائياً في الغارات ليس خطأ، ووضع البلاد على شفا حرب أهلية ليس خطأ، ونهب ثروات العراق وتبديد أموال إعادة التعمير ليس خطأ. الخطأ هو دونالد رامسفيلد نفسه، وهذا ليس رأيي وحدي، فهناك مطالبات في الولاياتالمتحدة باستقالة وزير الدفاع، غير انني اقول ان الاستقالة لا تكفي بل يجب ان يحاكم على دوره في قتل مئة ألف عراقي وپ2300 اميركي. وهو بالتأكيد ليس المذنب الوحيد من أركان الإدارة، إلا أنه اصبح هدف معارضي الحرب لوضوح ذنبه. وقد ضاق المجال مع انني كنت أود لو أزيد رأي سياسيين وعسكريين اميركيين في رامسفيلد الذي اخشى ان يقود بلاده والعالم نحو كارثة في ايران.