قبل ثلاثة أسابيع من الانتخابات الإسرائيلية الحالية، عبّر رئيس الوزراء بالنيابة إيهود أولمرت، بصفته رئيس الوزراء العتيد، عن نيّته ترسيم حدود إسرائيل النهائية مع الضفة الغربية، بشكل أحادي، بحلول العام 2010، وفي اليوم التالي، شرح للناخبين الإسرائيليين أنّه أطلع إدارة بوش على هذه الخطّة، وألمح بوضوح الى أنّ واشنطن أعطته، وبشكل غير رسمي، ضوءاً أخضر للمضي قدماً بخطّته الأحادية. فهل أعطى أعضاء إدارة بوش فعلاً الضوء البرتقالي أو حتى الأخضر للمضي بهذه الخطة؟ إن كان ذلك صحيحاً، فهذا سيشكّل تحولاً أكيداً لواشنطن من الموقف الذي اتخذته منذ العام 1967، الذي ينص تحديداً على أنّ المسائل العالقة بين إسرائيل وأعدائها العرب حول الوضع النهائي يجب أن تحلّ من خلال مفاوضات مباشرة بين الفرقاء المعنيين. وفي حال استمرت واشنطن كما نتوقع بالتأكيد بتقديم دعم مالي وسياسي كبير لإسرائيل، لكن من دون الاضطلاع بأي دور في السعي الفعلي للتوصل الى سلام يتم التفاوض عليه بين إسرائيل وفلسطين، فكيف سيؤثر ذلك على موقعها في الشرق الأوسط والعالم؟ طبعاً، سبق لبوش أن خطا خطوة كبيرة بعيداً عن دعم واشنطن المستمر منذ زمن لسلام يتم التفاوض عليه منذ نيسان ابريل عام 2004، كان ذلك حين أكد لرئيس الوزراء أرييل شارون أنّه سيدعم تغييرات واسعة النطاق لمصلحة إسرائيل في نطاق حدود ما قبل العام 1967 في الضفة الغربية، وذلك بقوله:"في ضوء الوقائع الجديدة على الأرض، ومن ضمنها التجمعات السكنية الإسرائيلية الكبيرة الموجودة، من غير الواقعي أن نتوقّع أن تفضي مفاوضات الوضع النهائي الى عودة كاملة وشاملة لخطوط الهدنة المرسومة عام 1949". لكن على الأقل حينئذ، كان بوش لا يزال يقول:"من الواقعي أن نتوقع أنّ التوصل الى أي اتفاق على الوضع النهائي لا يمكن ان يتمّ إلا على أساس تغييرات متفق عليها بشكل متبادل تعكس هذه الوقائع". علاوة على ذلك، كان بوش لا يزال يقول أيضاً حينها، ان"الحاجز الأمني"الذي كان شارون بدأ لتوّه في بنائه في عمق الضفة الغربية،"يجب أن يكون، بحسب ما أعلنت حكومتكم، حاجزاً أمنياً وليس سياسياً. ويجب أن يكون موقتاً وليس دائماً، وبالتالي، ألا يعرض أي من مسائل الوضع النهائي لأي ضرر، ومن ضمنها الحدود النهائية". اليوم، يعد أولمرت شعبه بأمر مختلف تماماً على هذين الصعيدين. فهو يعد بترسيم أحادي لخطّ الحدود، كما يعد بأن هذا الخط سيمرّ بالإجمال على طول خط"الحاجز الأمني"الحالي، أي الجدار الفاصل. إلى ذلك، قال أولمرت ان مستوطنة"معالي أدوميم"وشريحة كبيرة من الأراضي التي تقع بينها وبين القدسالشرقية، ستكون داخل الحدود الجديدة، والأمر ينسحب على غور الأردن. فإن كان كسب فعلاً دعم واشنطن ليس لفكرة رسم إسرائيل وحدها لحدودها الشرقية فحسب بل أيضاً لمحتوى هذه الخطة المتعلقة بالأرض، فهذا يعني أنّ إدارة بوش ابتعدت كثيراً ليس عن موقف القانون الدولي تجاه هذا النزاع فحسب بل بعيداً أيضاً عن أيّ صيغة يمكن أن تحظى بسهولة بدعم الأممالمتحدة أو الاتحاد الأوروبي. في أعقاب فوز حماس في فلسطين، لربما ساد الاعتقاد في إسرائيل بأن أياً من الولاياتالمتحدة أو الأممالمتحدة أو الاتحاد الأوروبي تبدو مستعدة فعلياً لتحدّي إسرائيل باسم عملية سلام وهي غير موجودة حالياً. أظن أن هذا الاعتقاد في غير محلّه. أولاً، إن لم تؤدّ الجولات المضنية للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية المباشرة التي جرت منذ اتصالات القناة الخلفية في أوسلو إلى شيء، من ناحية التوصل الى تسوية سلام نهائي تم التفاوض عليها، فإن"الموقف البديل"للمجتمع الدولي يجب أن يكون بالتأكيد موقف القانون الدولي إزاء هذه المسائل، وهو موقف يستمرّ بالتأكيد على عدم قبول ضمّ الأراضي عن طريق الحرب وعدم شرعية مغامرة بناء جميع المستوطنات. ثانياً وربما الأهم من وجهة نظر الدبلوماسية"الواقعية"، ان موقف الولاياتالمتحدة في العالم بعيد جداً عن الموقف القوي الذي كانت تتحلى به في نيسان عام 2004. آنذاك، كانت الولاياتالمتحدة لا تزال تختال في المسرح العالمي، معبرة عن ثقة كبيرة بأنّ مشروعها في العراق قد ينجح وأن تحويل معظم ما تبقى من الشرق الأوسط وفقاً لرغباتها لن يتأخر كثيراً. اليوم، يبدو موقف واشنطن في العالم أقل تأكيداً الى حد كبير، وهو أمر يمكن قياسه من خلال عدة مؤشرات. فضلاً عن ذلك، ونظراً إلى أنّ 130 ألف جندي أميركي لا يزالون منتشرين في مواقع خطرة للغاية في أرجاء العراق، لا يمكن أن تتجاهل واشنطن أو على الأقل قادتها العسكريون ردة الفعل التي سيبديها العالمين العربي والاسلامي تجاه أي إشارات على أنّ واشنطن تواصل تقديم دعمها المالي والسياسي والعسكري حتى في وقت تسعى فيه إسرائيل بشكل سافر الى ضمّ مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، ومن ضمنها القدس بالتأكيد بحسب خطة أولمرت، مؤكداً انه موضوع لن يكون محور أي مفاوضات إضافية. وما من شك ان التغيير الآخر الكبير الذي طرأ منذ العام 2004 هو فوز حماس في الانتخابات النيابية في فلسطين في كانون الثاني يناير. وقد تسنت لي الفرصة لمحاورة أحد قادة حماس أخيراً، ومن الصحيح القول إنهم يتّبعون مقاربة للنزاع ولحلّه أكثر تشدداً الى حد كبير من مقاربة"فتح". بيد أنّ موقف حماس تطور ببطء خلال الأسابيع الأخيرة، مع قول بعض القادة من بينهم إسماعيل حنية صراحة أن حماس ستكون مستعدة لدخول"هدنة طويلة"مع إسرائيل إن استعاد الفلسطينيون كلّ الضفة الغربية وغزة. وقد ذهب المسؤول في حماس محمود رماحي، الى أبعد من ذلك إذ أكّد لي،"قلنا بوضوح إنّ إسرائيل دولة موجودة ويعترف بها عدد كبير من دول العالم. لكن الجهة التي يجب الاعتراف بها هي فلسطين! كما يجب أن يعترف الإسرائيليون بحق الفلسطينيين في قيام دولة خاصة بهم على كافة الأراضي المحتلة منذ العام 1967، بعد ذلك سيكون من السهل التوصل إلى اتفاق". في الواقع، يبدو أنّ حماس على وشك الاصطفاف خلف الموقف الذي يمكن وصفه"بموقف القانون الدولي"، أي موقف يلحظ عدم القبول بضمّ إسرائيل لأي أرض من خلال حرب عام 1967، وعدم شرعية المستوطنات المبنية على الأراضي المحتلة، لكنه موقف يعترف أيضاً بالوجود السيادي لدولة إسرائيل داخل حدود ما قبل العام 1967. يمكننا أن نلاحظ أن هذا الموقف هو جوهرياً الموقف الذي توافقت عليه الدول العربية في إعلان بيروت عام 2002. خلال جولات التفاوض المتعاقبة مع إسرائيل من العام 1993 وما بعد، ابتعدت قيادة فتح أكثر فأكثر عن موقف القانون الدولي، بشكل رئيس عبر منح إسرائيل عدداً متزايداً من التنازلات غير المتبادلة. حتى هذه التنازلات التي ندم عليها الكثير من مناصري فتح لم تكن كافية لإقناع القيادة أو الشعب الإسرائيلي بمعاملة قيادة فتح بسخاء أو احترام، لا بل على العكس، كلما قدّم عرفات ومن بعده أبو مازن تنازلات ازدادت سخرية الإسرائيليين وتطويقهم وقدحهم وهجماتهم وتهميشهم. اليوم، نحن أمام حكومة جديدة لإدارة السلطة الفلسطينية برئاسة حماس. وليس من الواضح إن كانت هذه الحكومة ستقوم بخطوات جديدة سريعة بشأن عملية سلام متوقفة حالياً. وبحسب تقديري، المرتكز على حديث طويل أجريته مع الدكتور محمود زهار، فهي لن تقوم بأي خطوة. مع ذلك، فان قيامها بخطوات صامتة وداخلية على غرار ما تقوم به فعلياً، من شأنها تقريب الحكومة الفلسطينية من موقف القانون الدولي أو موقف إعلان بيروت. لا بد من تشجيع هذه الخطوة بالتأكيد، ويجب أن يسعى الديبلوماسيون في سائر المجتمع الدولي الى الاتصال والتعاطي مع ممثلي الحكومة الجديدة على هذا الأساس. * كاتبة بريطانية متخصصة في شؤون الشرق الاوسط.