بينما كان أكثر من مسؤول اسرائيلي يؤكد أهمية وضرورة استئناف مفاوضات السلام مع سورية فوراً حتى وإن عارضت الإدارة الأميركية ذلك، فاجأ ايهود أولمرت رئيس الحكومة الاسرائيلية هؤلاء ومعهم أوساط عربية ودولية متابعة للجدل الاسرائيلي وما يمكن أن ينجم عنه أو يقود اليه، بالعودة الى نبش الادعاءات الاسرائيلية القديمة القائلة ان الجولان جزء لا يتجزأ من اسرائيل وانه سيبقى كذلك الى الأبد، مضيفاً انه لن يدخل في مفاوضات مع سورية في هذا الشأن طالما استمر هو رئيساً للحكومة الاسرائيلية، وذهب الى أبعد من ذلك - ربما بناء على توجيه أو طلب أميركي حين دعا وزراء في حكومته الى وقف الحديث عن إمكان وأولوية التفاوض والتوصل الى اتفاق تستعيد فيه سورية الجولان مقابل السلام مع اسرائيل، منذراً إياهم بأن عدم الالتزام بذلك قد يخرجهم من الحكومة. يدرك أولمرت ان مرتفعات الجولان السورية لم تكن يوماً جزءاً من اسرائيل، وعلى رغم قرارها قبل ربع قرن بفرض قوانينها وسلطاتها على هذه المرتفعات إلا أن أحداً لم يعترف لإسرائيل بشرعية ذلك، فالمجتمع الدولي ما زال يؤكد منذ عام 1967 ان هذه المرتفعات أراض سورية محتلة يتوجب على إسرائيل الانسحاب منها تنفيذاً للقرار رقم 242. وقد قرر مجلس الأمن بالإجماع في القرار الرقم 497 لعام 1981 بطلان القرار الاسرائيلي واعتباره لاغياً، وطلب من اسرائيل بصفتها القوة المحتلة ان تلغي قرارها فوراً. ويدرك أولمرت أيضاً ان المفاوضات التي أجريت على المسار السوري وفي مراحلها المختلفة منذ انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 لم تتوقف لحظة أمام قرار الضم أو أمام أي زعم لقادة إسرائيل السابقين عن ان الجولان جزء من إسرائيل، والأفضل ان يدرك أيضاً ما أدركه الكثير من الوزراء في حكومته ان المجتمع الدولي لم ولن يقبل بهذه المزاعم وان مآلها سيكون كمآل مزاعم مناحيم بيغن وادعاءاته بأن الضفة الغربية وقطاع غزة أراض اسرائيلية محررة، وان يدرك ان واشنطن اذا طلبت منه ومن حكومته عدم الاقتراب من ملف المفاوضات مع سورية في هذه المرحلة فهذا لا يعني انها تعتبر مرتفعات الجولان السورية جزءاً من أرض اسرائيل وانها قد طوبت لإسرائيل تلك المرتفعات في السجلات العقارية الخاصة بها أو بالأممالمتحدة. اللافت ان تصريحات أولمرت قوبلت بالصمت سواء في العواصم العربية أو الأجنبية أو في أروقة الأممالمتحدة على رغم ما فيها من تحد للإرادة الدولية معبراً عنها بقرارات الأممالمتحدة وعلى رغم ما فيها من عدوانية ومصادرة قاتلة لأي جهد يستهدف إحلال السلام العادل والشامل المرتكز على مبدأ الأرض مقابل السلام، الأمر الذي يجعل التساؤل مشروعاً عن أسباب استمرار المجتمع الدولي لائذاً بالصمت تجاه هذه الأقوال الرافضة للسلام والمعادية له والى متى تستمر الإدارة الأميركية ومعها دول أوروبية في لعب دور الأصم والأبكم تجاه تصريحات يفترض ان تدان فوراً وأن يتم تحذير قائلها من عقابيلها على الأمن والاستقرار في المنطقة خصوصاً أن هؤلاء لا يملون ولا يكلون عن ادعاء الحرص على الأمن والاستقرار في المنطقة ويجولون فيها بذريعته، وهم يدركون ان ادعاء أولمرت هذا هو نقيض ذلك وان التسليم به ان حصل يعني تقليص الحدود السورية المعترف بها دولياً، أي اعتراف بالحدود السورية من دون الجولان، ويعني في المقابل توسيع"الحدود"الاسرائيلية لتشمل الجولان، والتساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل يقبل هؤلاء من مسؤول سوري كبير ان يعلن اليوم أو غداً ان الجليل جزء لا يتجزأ من سورية وقد كان كذلك بالفعل قبل قرن من الزمان وانها ستعمل على استعادته ولن تقبل بتفاوض أو سلام مع اسرائيل ما لم تستعده، وهل يستمر هؤلاء في لعب دور الأصم والأبكم كما هم تجاه أولمرت أم انهم سيفتحون النار من كل الاتجاهات حتى يصاب هذا المسؤول بالصمم والبكم وغيرهما. الأهم على هذا الصعيد ان تصريحات أولمرت عن ان الجولان جزء لا يتجزأ من إسرائيل، وصمت المجتمع الدولي حيالها يأتي في وقت تتكاثف فيه الجهود لتركيز الضغط على الحكومة الفلسطينية للاعتراف بإسرائيل وبحقها في الوجود من دون اعتراف اسرائيلي مقبل بفلسطين وحقها في الوجود على الأقل ضمن حدود الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1967 بما فيها القدس العربية، وكأن المطلوب فقط هو اعتراف فلسطيني بإسرائيل في الحدود التي تقررها وترسمها هي بنفسها ولنفسها، حتى وإن قررت ان حدودها تشمل الضفة الغربية كلها أو النصف الغربي منها الواقع خلف الجدار الفاصل الجاري إقامته فيها. وإذا كان أولمرت مصمماً على قوله ان الجولان جزء من اسرائيل ربما يصر لاحقاً على أن يكون اعتراف حكومة"حماس"بإسرائيل شاملاً أيضاً الجولان كجزء من إسرائيل. من هنا يتوجب على الفلسطينيين رئاسة وحكومة وقادة الفصائل أن يصارحوا العالم علانية بمخاوفهم من مسألة الاعتراف بإسرائيل وبضرورات ان تعلن اسرائيل ترسيم حدودها وأن تعلن الدول العربية والدول الكبرى عن أي حدود تعترف بها لإسرائيل، فالمعضلة قد لا تكون الاعتراف بإسرائيل بقدر ما هي الاعتراف بحدود اسرائيل في وقت لا تعين اسرائيل لنفسها حدوداً بعد: تارة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة المحتلين بزعم انهما أراض إسرائيلية محررة مناحيم بيغن وتارة تشمل أيضاً مرتفعات الجولان السورية المحتلة بزعم انها جزء من أرض اسرائيل. فالأممالمتحدة اعترفت بإسرائيل في حدود قرار تقسيم فلسطين لعام 1947 والاعترافات الدولية الأولى بإسرائيل فور الإعلان عن إقامتها في 15/5/1948 كانت اعترافات بها ضمن الحدود التي رسمها القرار المذكور للدولة اليهودية، ثم بدأت الدول الغربية خصوصاً بعد البيان الثلاثي عام 1951 الاعتراف بإسرائيل بالحدود التي استقرت فيها بين عام 1948 و1949. وقد رفض المجتمع الدولي الاعتراف بشرعية احتلال اسرائيل لأي جزء من الأراضي التي احتلتها منذ حزيران يونيو 1967، وحان الوقت كي يعيد المجتمع الدولي هذا الأمر الى نصابه العادل لئلا تستمر إسرائيل في الاحتلال وفي تهديد أمن واستقرار المنطقة والعالم ولئلا تستمر في الوجود ككيان عائم الحدود يتوسع كلما أمكنه وتطلب من الآخرين أن يعترفوا بها في حدودها المعومة قصداً. * كاتب فلسطيني