الحديث عن تشكيل الحكومة العراقية المقبلة يبعث الرغبة لدى الأوساط الاقتصادية كلها، مثلما هي الحال بالنسبة الى العراقيين، بطرح همومهم. وهي واحدة من الأزمات التي تعصف بالناس، وفي مقدمها اضطراب الأمن وانتشار البطالة وندرة الوقود والطاقة والمياه، وغياب الخدمات. ويتفق الجميع على ضرورة تشكيل حكومة قوية تؤدي وظائفها بعيداً من أية نزاعات غير مشروعة. ويحتاج الاقتصاد، بنظر الجميع إلى بيئة آمنة ليأخذ مداه الصحيح في الأداء ضمن مؤشرات تأخذ في الاعتبار الإنتاج والمنافسة والشفافية، ويستفيد من موارد العراق الغنية على نحو يعوض عن الهدر الذي صاحب الإنفاق المالي سابقاً. ويرهن أستاذ الاقتصاد الدولي في الجامعة المستنصرية في بغداد احمد عباس جاسم، هذا الطموح بطبيعة النظام السياسي، الذي سيولده تطبيق الدستور العراقي الجديد، وتبني نزعة ليبرالية تقدمية. فيما تدعو زميلته وفاء جعفر، إلى مشاركة واسعة للاقتصاديين الأكاديميين في صناعة القرار الاقتصادي، وتحديد أولويات السياسة الاقتصادية وأهدافها، وتفعيل دورهم في مجمل عملية البناء الاقتصادي وتجسيد مؤشرات التنمية البشرية المستدامة، إضافة إلى التصدي للفقر، باعتباره الوجه الحديث للعبودية، من خلال بناء شبكة فعالة للحماية الاجتماعية، تستند إلى أسس عملية واقتصادية، منها تحديد خط وطني للفقر، ورفع كفاية نظام الاستهداف لتحديد الأسر الفقيرة، والاعتماد على نظام معلومات متطور عن الأسر الفقيرة. ويدعو أستاذ الاقتصاد ضياء السيد صافي آل مكوطر، الحكومة المقبلة إلى الرجوع إلى الجمعية الوطنية الجديدة، في شأن الموضوعات الاقتصادية، وقراراتها المتعلقة بشروط صندوق النقد الدولي، ودول نادي باريس، باعتبارها تشكل إجحافاً بحق المواطن العراقي. ويرى ان تخصيص الاقتصاد العراقي سيؤدي في ظل الظروف الحالية، إلى اتساع البطالة وتعميمها، فضلاً عما ينتج منها من إضعاف للصناعة الوطنية، كلما تقدمت البلاد خطوة نحو العولمة. أما مدير منتدى بغداد الاقتصادي عباس أبو التمن، فيقول ان المطلوب من الحكومة المقبلة، ان تكون حكومة وفاق وطني حقيقي، لكي تتفرغ كلياً لتقديم برنامج وطني اقتصادي واضح، يمثل خطوة أولى على طريق بناء استراتيجية بعيدة المدى، 8-16 سنة تبني أساساً قوياً لاقتصاد عراقي مزدهر. وشدد على ان تكون الحكومة أمينة على موارد البلد، وتجتث الفساد الإداري، لا ان تنظر إليه كورقة انتخابية، داعياً إلى معالجة ضعف القطاع الخاص، والعمل على تشجيعه ليأخذ دوره الفاعل في عملية الإصلاح الاقتصادي، وإيجاد فرص عمل جديدة، ووضع حجر الأساس لهيئة تشجيع الاستثمار بشقيه الوطني والأجنبي، مشدداً على تفعيل الإطار القانوني والمؤسساتي لضمان شرعية النشاطات الاقتصادية وحمايتها وانسيابيتها في شكل فعال وكفوء. وأضاف: المطلوب أيضاً إعادة المياه إلى دجلة والفرات، من خلال بناء السدود وأنظمة الري وإصلاح القطاع الزراعي، بما يحقق الأمن الغذائي للبلد. وتتفق مطالب العاملين في السوق التجارية والاقتصادية على الحاجة إلى إصلاح شامل في كل مفاصلها، بسبب تراكم المشاكل فيها طوال سنوات، كما يدعو الجميع إلى تفعيل جهاز المراقبة على السوق، التي تعج بالسلع والبضائع غير المستوفاة للشروط والمواصفات، خصوصاً ما يتعلق منها بالسلع الغذائية والمنزلية. ويقول التاجر طلال احمد في سوق الشورجة وسط بغداد، ان العمل في الأسواق المحلية أصبح صعباً جداً لغياب الضوابط والخدمات، إضافة إلى الكلفة الإضافية لعمليات النقل وتخزين السلع المتأتية من تفاقم الأوضاع الأمنية، ما يستدعي معالجة الأولويات، وصولاً إلى تحقيق الاستقرار السلعي والمعيشي في حياة الناس الاقتصادية.