حسم التصويت في مجلس النواب الأردني معركة الأسعار والضرائب لمصلحة الحكومة التي تعرضت الى حملة واسعة من الانتقادات في الأسابيع الماضية، والى هجوم نيابي وحزبي واسع، وخاضت حوارات كثيرة في الكواليس توجتها بتمرير الموازنة العامة للدولة للعام الحالي برلمانيا، رغم محاذيرها الاجتماعية والمخاوف الكثيرة من تبعاتها السياسية. فبعد أربعة أيام من مناقشات شهدت الكثير من الحدة في البرلمان، صوّت 77 نائبا من اصل 97 حضروا جلسة امتدت حتى ساعة متقدمة من ليل الخميس - الجمعة، لصالح الموازنة الحكومية التي تتضمن خطة لرفع أسعار المشتقات النفطية بنسبة 9 في المئة، وزيادة الضرائب على سلع أساسية وثانوية بنسب تراوح بين 4 و6 في المئة، في مقابل زيادة رواتب الموظفين في القطاعين المدني والعسكري بمبالغ لا تزيد عن 15 دولاراً شهريا. وعارض الموازنة 20 نائبا، بينهم 17 يمثلون كتلة "جبهة العمل الإسلامي"، المظلة السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين"، الذين طالبوا باستثناء السلع والمواد التموينية والمشتقات النفطية من إجراءات الحزمة الاقتصادية الحكومية شرطا لموافقتهم على الموازنة. إلا أن الحكومة التي شددت على أن تدابيرها الاقتصادية ضرورية "لتقليل عجز الموازنة" الذي يتجاوز بليون دولار للعام الحالي، قبل احتساب المنح والمساعدات الخارجية التي تبلغ 660 مليون دولار، وأكدت للإسلاميين أنها ستستجيب لمطالباتهم بزيادة أسعار المشروبات الروحية والتبغ وكلفة الاتصالات الخليوية. ورغم أن الموافقة النيابية على الموازنة الحكومية تعني حكما "ثقة جديدة" بحكومة رئيس الوزراء فيصل الفايز، إلا أن نوابا وخبراء اقتصاديين حذروا من مخاطر "عدم مراعاة أوضاع الشرائح الفقيرة وذوي المداخيل المتدنية الذين سيتضررون على نحو بالغ من رفع الأسعار والضرائب"، خصوصا أن أرقاما رسمية ومستقلة تشير الى أن نسبة البطالة تزيد عن 18 في المئة في سوق العمل، كما أن أكثر من نصف سكان المملكة الأردنية يعيش تحت خط الفقر، خصوصا في مناطق الريف والبادية ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين. وبعد التصويت على الموازنة، وعد الفايز بالعمل على "ايجاد معادلة جديدة بهدف تخفيف حزمة الإجراءات الاقتصادية والضريبية على الفئات الفقيرة، بعد زيادة رواتب الموظفين"، وأعلن أن الحكومة "ستعقد صيف العام الحالي مؤتمرا وطنيا نوعيا في شأن الفقر والبطالة، وستتخذ إجراءات عاجلة لتوسيع مظلة العون الاجتماعي والتأمين الصحي" بعد سريان مفعول رفع الأسعار والضرائب. وكرر وزير المال الأردني محمد أبو حمور تبرير الحكومة لرفع الأسعار ب"فقدان المنحة النفطية العراقية" التي كان الأردن يحصل عليها من بغداد قبل سقوط نظام صدام حسين وتقدر بنحو 500 مليون دولار، مشيرا الى أن الحرب على العراق "كانت لها تداعيات قاسية على الاقتصاد الأردني الذي كان الأكثر تأثرا بين اقتصاديات دول المنطقة". وأظهر استطلاع للرأي العام أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية الأردنية الأسبوع الجاري أن 83.4 في المئة من عينة عامة بلغ قوامها 1379 شخصا تعتقد أن "رفع الأسعار والضرائب غير مبرر بناء على الأسباب التي أوردتها الحكومة".