سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
في الشتات التحاق فلسطيني مبكر بها ... وفي الداخل تأخر في استقبالها . "القاعدة" وصلت الى الضفة الغربية والقطاع طامحة إلى موقع "حماس" ... والخطوة الأولى في غزة 1 من 2
في عمان كلام كثير عن اقتراب موعد وصول"القاعدة"الى الضفة الغربية. تعزز هذا الكلام بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الفلسطيني محمود عباس الى"الحياة"والتي اشار فيها الى معلومات عن انشطة لهذا التنظيم في الضفة الغربية، ولفت الى ان هذا سيعرض المنطقة كلها للأهتزاز. لكن للفلسطينيين حكاية طويلة مع"القاعدة"او مع الجماعات"السلفية الجهادية"منذ بدء نشاط الأفغان العرب، مع ملاحظة ان الداخل الفلسطيني وخلافاً لباقي المجتمعات العربية"تأخر"في استقبال هذه الظاهرة. "الحياة"اعدت ملفاً من حلقتين رصدت فيهما معلومات امنية وديبلوماسية حول بعض انشطة"القاعدة"المستجدة في مدينة غزة واحتمالات وصول جماعاتها الى مناطق الضفة الغربية. واسباب توقيت الكلام عن ذلك بعد فوز حركة حماس في الأنتخابات التشريعية الفلسطينية. وحلقة اليوم تتناول"القاعدة"في الشتات الفلسطيني ووجوه"القاعدة"و"الجهاد العالمي"الفلسطينيين بدءاً من صالح سرية وصولاً الى ابو انس الشامي. عندما كان أبو عبدالله الفلسطيني وهو من الأفغان العرب الذين بكّروا في الذهاب الى"الجهاد"في افغانستان، يعبر سلسلة جبال الهندوكوش البالغة الوعورة، راوده سؤال لم يجهد نفسه بالبحث عن اجابة له: أليس الوصول الى فلسطين اسهل من عبور هذه الجبال؟ انه السؤال الذي سيلازم كثيراً من الفلسطينيين الذين خاضوا تجارب"الجهاد الأممي"، خصوصاً ان هؤلاء لعبوا ادواراً مؤسسة في حركة"الجهاد"خارج فلسطين، لا بل يمكن القول ان الفلسطينيين كانوا الوقود الراديكالي لمعظم الحركات الاسلامية التي انخرطوا فيها بدءاً من مصر ومروراً بالأردن وانتهاء بأفغانستان والشيشان والعراق. يكاد"تنظيم القاعدة"يشكل استثناء فريداً لجهة"انعدام الوطن"في دعاواه. انه فكرة على ابتذالها بلا وطن، وهو فعل مجرد من اي ادعاء محسوس. وفلسطين بالنسبة الى فلسطينيي الشتات اكثر من وطن واقل من ارض. انها بمعنى ما فكرة قد تراود الفلسطيني اثناء عبوره جبال الهندوكوش. لا ارض لكي يتذكرها، ولا قرية ولا مدينة. وما راود ابا عبدالله في بلاد الهندوكوش لم يكن اكثر من فكرة عابرة. قد تفسر هذه المعادلة بعضاً من جوانب ظاهرة انخراط فلسطينيي الشتات الكثيف والمبكر بالجماعات السلفية الجهادية ولاحقاً ب"تنظيم القاعدة"وبما تفرع منه وتماهى به من عُصبٍ وجماعات. اما الالتحاق المتأخر لجماعات من فلسطينيي الداخل في الضفة الغربيةوغزة ب"القاعدة"والذي اشار اليه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في حديث نشر في"الحياة"فهو وان ارتبط بمعادلة فلسطينيي الشتات يبقى خاضعاً لمعطيات الداخل الفلسطيني ومندرجاً في سياقاته. قبل فترة قصيرة اقل من شهرين ضبطت الشرطة الاسرائيلية مكالمة هاتفية بين احد فلسطينييالضفة الغربية وآخر من ابناء المخيمات الفلسطينية في الأردن واستنتجت من الحديث الذي التقطته اجهزة تنصتها ان ثمة من يعد لانشاء خلية"قاعدية"في الضفة الغربية. ابلغت السلطات الأردنية باسم المتصل من المخيم الفلسطيني واسماء اخرى وردت في الحديث الهاتفي، واعتقلت هي بدورها المتصل من الضفة الغربية ورجل آخر معه. السلطات الأردنية باشرت تحقيقها في الموضوع وتبين ان الأمر ليس اكثر من ابداء نيات وليس نقاشاً في خطوات عملية، وهذه من القضايا التي يتعامل معها الأمن الأردني كمادة للمراقبة والتعقب لا كفعل ينبغي التصدي له. اما السلطات الاسرائيلية فقد اعلنت بعد وقت قليل انها اوقفت ناشطين في خلية تابعة ل"تنظيم القاعدة"في الضفة الغربية. تُدعم التوقعات بنقل"القاعدة"نشاطات لها الى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة بالكثير من الوقائع والتحليلات. فقد اكدت مصادر امنية غربية ل"الحياة"ان مجموعة تكفيرية مؤلفة من نحو عشرة اشخاص تعمل في غزة تحت اسم"تنظيم القاعدة"وهي في مرحلة الإعداد وجمع الأموال. واشارت المصادر الى احباط عملية خططت لها هذه المجموعة كانت تستهدف مرفقاً حيوياً في مدينة غزة. ليست هذه المعلومات الإشارة الوحيدة الى بدء"القاعدة"نشاطها في مناطق غزة بالدرجة الأولى ثم مناطق الضفة الغربية وصولاً الى الخط الأخضر، فالإنتخابات الفلسطينية الأخيرة سبقتها هدنة اعلنتها حركة"حماس"التي فازت في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، والهدنة تلك، كما المشاركة في الإنتخابات الفلسطينية اثارت في الجناح العسكري للحركة كتائب عز الدين القسام ردود فعل متفاوتة، خصوصاً ان الهدنة تعني اقصاء التنظيم العسكري ل"حماس"، كما يعني الدخول في الإنتخابات والفوز فيها تغليباً للخيار السياسي الذي لم تُعِد"حماس"تنظيمها العسكري له. والأخبار التي يرصدها الأمن الأردني والقوى الفلسطينيةوالأردنية في عمان بدأت تتواتر عن ملامح انشقاقٍ او خلاف بين القيادة السياسية للحركة وبين الجناح العسكري في غزة بقيادة محمد الضيف. ورأى مصدر فلسطيني في عمان ان اشارة محمود عباس الى تقارير امنية تفيد بأن"القاعدة"وجدت موطىء قدم لها في الضفة والقطاع انما تعني ضمناً ورود معلومات عن اتصالات بين الضيف ومسؤولين عسكريين في"حماس"مع قنوات"قاعدية"في الأردنوالعراق. لكن وصول"القاعدة"الى قطاع غزة والى الضفة الغربية، الذي تقطع معظم المصادر المتابعة بحتمية حصوله، هو نتيجة وليس بداية لمرحلة جديدة. انه نهاية سياق من الانخراط الفلسطيني في"السلفية الجهادية"منذ نقلت الأخيرة نشاطها من المجال الدعوي الى العمل العسكري في اواسط سبعينات القرن المنصرم. وربما كان الغريب هو هذا التأخر في الوصول الى الضفة والقطاع، بعد ان عمت نشاطات الفلسطينيين في هذا التيار جهات الأرض الأربع. فإذا كان الشيخ الفلسطيني عبدالله عزام هو من اسس"بيت الأنصار"في مدينة بيشاور الباكستانية الذي يعتبر النواة الفعلية ل"تنظيم القاعدة"في اواسط ثمانينات القرن الماضي، فإن الفلسطيني صالح سرية كان سبق عزام بأكثر من عشر سنوات الى"جهاد الأنظمة"من خلال ما سمي"تنظيم الفنية العسكرية"في مصر والذي اعدم معظم اعضائه. والغريب ان سرية وعزام ربطتهما علاقة بتنظيم الإخوان المسلمين وبحركة"فتح"قبل ان يعملا بشكل مستقل. قبل نحو سنتين، وبعد نحو خمسة عشر عاماً من عودته من تجربته"الجهادية"الأولى في افغانستان، قرر ابو عبدالله الفلسطيني المقيم في الأردن، تكرار التجربة في العراق. خلال فترة الخمسة عشر عاماً التي فصلت"خروجه"الأول عن"خروجه"الثاني، كانت فلسطين قريبة وكان الزمن يمر سريعاً خلافاً لما كان عليه في افغانستان، اذ يقول ابو عبدالله:"ان وسائل الاتصال والنقل السريعة تدفع معها الزمن اثناء جريانها. اما في افغانستان فقد كان الزمن يمشي بسرعة الدواب التي كانت تنقلنا". لكن جريان الزمن سريعاً علامة على الانغماس في الدنيا الزائلة، اما تباطؤه في بلاد الأفغان فيشبه انعدام اللحظة في يوم الآخرة. ولد ابو عبدالله عام 1963 في احدى بلدات الضفة الغربية ونزح مع اهله عام 1967 الى الأردن كما هي حال كل الفلسطينيين في الأردن. عائلة ابو عبدالله كانت جزءاً من بيئة منظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها المختلفة. وقبل احداث ايلول عام 1970 قتل شقيق عبدالله وكان شاباً وعضواً في تنظيم"الصاعقة"الجناح الفلسطيني لحزب البعث السوري، وكان هذا التنظيم في حينها منخرطاً في منظمة التحرير. نشأ ابو عبدالله في ظل"الخيبات المتواصلة"التي اصابت الفلسطينيين منذ 1970، وعايش فشل التنظيمات القومية واليسارية التي قادت المواجهات مع اسرائيل في فترة السبعينات والثمانينات. ويقول انه في عام 1986 قرر ان يلتزم دينياً بعد ان شعر ان"الظلم لا يُدفع الا بالقوة والبأس". وبعد اشهر قليلة غادر الى افغانستان، وامضى شهوراً هناك عاد بعدها"مجاهداً"مكرساً ومدرباً. وفي الفترة التي اعقبت عودته تفرغ للقراءة على يد مشايخ السلفية الجهادية في اكثر من مكان في الأردن، وعمل في هذه الأثناء في مهن متواضعة وغير دائمة الى ان حان موعد"الهجرة الثانية"عام 2004 وكانت الوجهة العراق. توجه ابو عبدالله الى دمشق التي عليه ان ينتظر فيها اياماً قبل ان يتصل به من سيؤمن له الطريق الى بغداد. في دمشق التي تجول في اسواقها قرر ان يقصد مكاتب منظمة"الصاعقة"ليسأل عن تفاصيل مقتل شقيقه في حال وجد من يعرفها. قال ابو عبدالله:"وجدت مبنى مكتب الصاعقة في دمشق كبيراً ومتآكلاً وخالياً من اي ساكن باستثناء حارس يقف ضجِراً، فسألته ان كان يساعدني في الوصول الى احد يمكن ان يعرف ما اريد، فابتسم الحارس وقال ان رجلاً واحداً يأتي الى هذا المكتب مرة كل شهر، ولا احد غيره يقصده، وانه لا يعتقد بأن ذلك الرجل يعرف شيئاً عن اخي". بعد ايام قضاها في دمشق توجه ابو عبدالله الى منطقة البوكمال على الحدود السورية العراقية، واثناء محاولته عبور الحدود القت الشرطة السورية القبض عليه وابقته شهراً في السجن ثم اطلقته على الحدود الأردنية وعاد الى المخيم الفلسطيني في عمان. تضيء حكاية ابو عبدالله على الكثير من جوانب علاقة"تنظيم القاعدة"باللاجئين الفلسطينيين في الأردن وغيره من بلاد الشتات. احتكاك واقعي طفيف وقديم بفلسطين، واساطير لا نهاية لها، واسقاط فكرة مكان وطن وحياة حقيقية. ولكن جوانب اخرى لا يمكن ان تتولى وقائع سريعة من سيرة"مجاهد"اضاءتها خصوصاً ان فلسطينيي"القاعدة"و"السلفية الجهادية"كانوا النواة التي بني التنظيم حولها او سارت النشاطات بدفع منهم. في البداية شكلت حركة"فتح"بيئة عمل لإسلاميين فلسطينيين لم تعبر حركة الأخوان المسلمين عن طموحاتهم في الانخراط في العمل العسكري. على هذا النحو التحق عبدالله عزام بالحركة قبل عام 1970 وانشأ ما سمي في الأردن"معسكر الشيوخ"الذي ضم عدداً من المشايخ الفلسطينيين الذين لم تفسح لهم حركة الاخوان المسلمين لأي عمل عسكري. وفي تلك الحقبة كان صالح سرية وصل الى الأردن من الضفة الغربية. وقعت احداث عام 1970 فأنتقل الى العراق هو و"اخ"فلسطيني يدعى عبدالعزيز شندالي، وهناك التقيا الشيخ عبدالعزيز البدري وهو من اكثر الشخصيات الاسلامية راديكالية في العراق. ولكن حزب البعث ما لبث ان قتل البدري ولاحق سرية وشندالي اللذين فرا الى مصر. وفي مصر بدأ سرية في بناء تنظيمه"شباب محمد"او ما اطلق عليه"تنظيم الفنية العسكرية"الى ان القي القبض عليه واعدم. ويرى الباحث حسن هنية"ان تأثير سرية كان كبيراً في جماعات"الجهاد"في مصر وخصوصاً في محمد عبدالسلام فرج الذي يعتبر مؤسس تنظيم الجهاد المصري، فقد زامل فرج سرية في جامعة القاهرة، وظهر تأثره به جلياً في كتابه الشهير الفريضة الغائبة". في هذا الوقت كان فلسطيني آخر وصل الى القاهرة هو محمد سالم الرحال الذي سيعتبر بدوره قناة فلسطينية اخرى يتغذى منها الميل العنفي للجماعات القطبية في مصر. اقام الرحال في الأزهر وراح يعمل على بث دعاواه التي تكفر الأنظمة وتحفز"المؤمنين"على جهادها الى ان اعتقلته السلطات المصرية قبل اغتيال الرئيس انور السادات بسنة تقريباً واعادته الى الأردن، وهو ما زال الى الآن في احد المصحات النفسية في عمان. اذاً سبق الفلسطينيون المصريين الى المجال العملاني"الجهادي"في مصر. سيد قطب كان اصدر كتابه"معالم على الطريق"عام 1966 يكفر فيه الأنظمة ويدعو الى محاربتها، لكن صالح سرية هو من تولى اطلاق العمل الميداني عبر محاولته عام 1974 اقتحام الفنية العسكرية، ولاحقاً انكشف دور الرحال في القاهرة ايضاً. في هذا الوقت مثل صعود حركة"فتح"ملجأ للمشاعر الوطنية الفلسطينية التي كانت هزيمة عام 1967 صدعتها. و"فتح"كانت اكثر من تنظيم سياسي او عسكري، اذ كانت صورة مجتمع الشتات الفلسطيني. وكان خليل الوزير ابو جهاد قناة دمج الوطنية الفلسطينية بأفكار تتعداها، تبدأ بالماوية ولا تنتهي بالفكر الديني التكفيري. وفي"فتح"بصفتها حلبة هذه الأفكار، جرت استعارات لم يسبق ان شهدتها تنظيمات الإسلام السياسي واليسار والماركسي. فالراديكالية الإسلامية التي افضت لاحقاً الى شبكات"الجهاد"وصولاً الى القاعدة، بدأت تغذي خطابها بعدد من المفاهيم اليسارية التي كانت غائبة عن الخطاب الإسلامي التقليدي ممثلاً بخطاب الإخوان المسلمين. ويعرض ابو هنية سلسلة من هذه المفاهيم والعبارات المستمدة من القاموس اليساري والمسقطة على الخطاب الإسلامي على نحو تماثلي. فالإمبريالية اصبحت طاغوتية، والأنظمة العميلة صارت انظمة كافرة ومرتدة، وعبارة"حزب ثوري متراص متين"استعيض عنها ب"طليعة مقاتلة وجيل قرآني فريد". طالما كان الإسلام ركيزة في الوطنية الفلسطينية منذ بدايات تشكل ملامحها. مسجدا الأقصى والبراق هما علامتان مركزيتان في هذه الوطنية، والرموز المؤسسون لهذه الوطنية معظمهم من المفتين والمشايخ وابنائهم. فالحاج امين الحسيني كان مفتي القدس، والشيخ عز الدين القسام القادم الى فلسطين من جبلة السورية لعب دوراً اساسياً في اسلمة الوطنية الفلسطينية، واحمد الشقيري كان ابن مفتي عكا اسعد الشقيري. وعلى هذا النحو التبس في"فتح"الإسلام بالهوية الفلسطينية. لكن الإسلام الراديكالي الفلسطيني وعلى قدر صدوره في سبعينات القرن الفائت من وطنية فلسطينية، صدر ايضاً عن نفي لها من خلال استبدالها بالدولة الإسلامية اينما اتيح لهذه الدولة ان تكون. كما ان فلسطين في خطاب هذه الجماعات هدف يجب التمهيد للوصول اليه عبر اسقاط"النظام العربي"كله. وهكذا وشيئاً فشيئاً بدأ"المجاهدون الفلسطينيون"بالابتعاد عن فلسطين، وكلما اوغلوا في هذا الابتعاد تلاشت فلسطين كوطن واستحضرت كشيء مقدس او كفكرة. وربما اسهمت هذه الميول في جعل الاقتراب من هذا المقدس امراً يشبه المستحيل. فكلما سألت"مجاهداً"فلسطينياً في الأردن سبق ان ذهب الى افغانستان او الى العراق عن سبب اختياره"الجهاد"في تلك البلاد بدلاً من فلسطين اجاب ان ذلك مستحيل وان الحدود مقفلة. ففلسطين"قبلة الجهاد المؤجل"، و"المجاهدون"ذهبوا الى الشيشان وافغانستان والبوسنة واخيراً العراق استعداداً له. لا شيء معداً لاستقبال السلفية الجهادية ونسخها"القاعدية"كما هي معدة المخيمات الفلسطينية في الأردن. هوية متصدعة ومتنازعة بين فلسطينوالأردن وفقر وكثافة سكانية كبيرة، وحضور للدين بصفته ملجأ بديلاً لكل هذه الحرمانات. وتخترق موجات التدين التقليدي عناصر اجتماعية واقتصادية لا حصر لها. فتارة يدخل الفلسطينيون العائدون من الكويت بعد حرب الخليج الثانية مكونات ثقافية جديدة على البنى الدينية، وتارة اخرى ينفخ ابو مصعب الزرقاوي الرماد عن"جمرة الإيمان"الى ان تتولى اسرائيل الخطوة الثالثة فترسل الى هذه المخيمات دفعة لاجئين جديدة تضاعف من خصوبة التطرف. تسعينات القرن الفائت انتجت جيلاً جديداً من"المجاهدين السلفيين"الفلسطينيين، وهؤلاء كما نظراؤهم في العقود السابقة تحولوا الى نجوم"الإسلام الجهادي"في العالم. انهم عصام البرقاوي ابو محمد المقدسي وعمر محمد عثمان ابو عمر ابو قتادة الفلسطيني وعمر يوسف جمعة ابو انس الشامي. المقدسي والشامي كانا من ضمن الفلسطينيين العائدين من الكويت الى الأردن بعد حرب الخليج الثانية وابو قتادة غادر الأردن عام 1992 الى لندن التي استقر فيها واعتبر منذ ذلك الحين مفتي التنظيمات الاسلامية المتشددة في اوروبا واعتقلته قبل نحو سنتين السلطات البريطانية. ابو انس الشامي تحول الى المسؤول الشرعي لتنظيم الزرقاوي في العراق وقتل هناك، وابو محمد المقدسي ما زال في السجن في الأردن منذ سنوات عدة. انهم جيل الأفغان الفلسطينيين الذين لم تلدهم حركة"فتح"، اي ان بينهم وبين فلسطين كوطن قطيعة مكرسة. فلسطين هي احدى القبلتين بالنسبة اليهم، وعلى قدر ما هي كذلك هي بعيدة. ابو قتادة غادر الى لندن وابو انس الشامي الى العراق، وقبل ذلك غادر الثلاثة الى افغانستان بدل ان يغادروا الى فلسطين. ولكن جميع متابعي التنظيمات السلفية الجهادية في الأردن يؤكدون ان القضية الفلسطينية كانت جزءاً من هموم"الإسلام الجهادي"بصيغته السلفية و"ان ناشطي هذا التيار اينما ذهبوا كانت فلسطين وجهتهم حتى لو لم تكن". ويقول ابو عبدالله الفلسطيني"تركت فلسطين وذهبت الى العراق، فهناك شعب مسلم، والجهاد لنصرة اي مسلم هو نصر لفلسطين". لكن اليوم ثمة جيل جديد من"المجاهدين السلفيين"، انه جيل هجين بحسب المصادر الأمنية الأردنية. جيل غير مراقب ولم يذهب الى افغانستان. بعض ابناء هذا الجيل ذهب الى العراق. ولكن قدرات التجنيد اصبحت اكبر ولم يعد بوسع الأجهزة الأمنية الاكتفاء بوسائل المراقبة التقليدية. ويبدو ان حصة الساحة الفلسطينية في مناطق الشتات بشكل اساسي ثم في مناطق الضفة وغزة كبيرة فيه. كيفما تجولت في المخيمات الفلسطينية وفي مناطق الفلسطينيين في الأردن ستشعر بحجم تأييد هذه التيارات الراديكالية الإسلامية. وستزداد قناعة بأن المعالجة الأمنية ليست السبيل الوحيد للحد من هذه الظاهرة. في رسالة وجهها ابو محمد المقدسي من سجنه للزرقاوي قال فيها ان عينه اليوم على منطقة غرب النهر. الرسالة اثارت حفيضة الزرقاويين في الأردن، اذ اعتبرت بمثابة سحب غطاء شرعي عن اعمال الزرقاوي في العراق ودعوة للبدء بالعمل في الضفة الغربية وقطاع غزة. ومريدو المقدسي من فلسطينييالأردن لطالما وجد بينهم من هو متنقل بين ضفتي النهر الشرقية والغربية، كما ان كتب"السلفية الجهادية"بدأت تتسرب الى غرب الضفة على نحو كبير، وهذا كله من علامات البداية. اما الاشارة التي التقطها كثير من المراقبين والمتعلقة ببداية عمل ل"القاعدة"في الضفة والقطاع فهي الرسالة التي وجهها الشخص الثاني في التنظيم ايمن الظواهري الى قيادة"حماس"والتي يعتبر فيها ان الحركة انزلقت الى الديموقراطية والإنتخابات وينبئها بأن خيارات بديلة ستكون بمتناول الفلسطينيين. تؤكد المصادر الأمنية الفلسطينية ان"القاعدة"لم تعين اميراً لفلسطين مستقلاً عن"امارة الشام"كما هي الحال مع الزرقاوي وامارته للتنظيم في العراق، ما يعني ان فلسطين ليست هدفاً مستقلاً حتى الآن عن لبنان وسورية والأردن. ولكن هذه المصادر تتوقع ان يتم ذلك في وقت قريب. اما المصادر الأمنية الأردنية فترى فارقاً بين عمل"تنظيم القاعدة"وبين فروعه المحلية. فالأمراء الذين تعينهم"القاعدة الأم"للأقاليم مهمتهم تجنيد عناصر للعمل خارج مناطقهم، وعندما ارادت"القاعدة الأم"استهداف اسرائيل ارسلت باكستانيين لهذه المهمة، وهي سبق ان اعتمدت على الكثير من الفلسطينيين ولكن خارج فلسطين. هذا لا يعني طبعاً ان الفروع المحلية ل"القاعدة"ستتشكل وفق المنطق نفسه، لكن وظائف هذه الفروع ومهماتها ستخضع لمنطق شبه مستقل. وصول"القاعدة"الى مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة لم يعد مسألة اجرائية."القاعدة"صارت اسلوب عمل وتفكير ومن يتبنى اسلوب الاعتقاد يبقى عليه ان يعمل وهذا ليس بالأمر العسير. والمشكلة ان الخلاف مع"القاعدة"في الكثير من الاوساط الإسلامية يقتصر على اسلوب العمل وليس على الأهداف، ويبقى الأنتقال من مرحلة الاعتقاد بالتغيير الهادئ الى التغيير بالوسائل العنفية مسألة تقنية فقط. وفي فلسطين يسهل تبديد المسافة في ظل الاخفاق المتواصل لعملية السلام. يروي احد اصدقاء المسؤول الشرعي لتنظيم"قاعدة الإسلام في بلاد الرافدين"ابو انس الشامي ان الأخير كان سلفياً اصلاحياً ولم يكن يؤمن بالعنف وسيلة لنشر الدعوى. عملية التحول التي اصابته لم تستغرق اكثر من شهور قليلة امضاها في السجن حيث احتك بعدد من"الجهاديين"الذين تمكنوا من نقل ولائه، فخرج من السجن وانتظر فرصة للالتحاق بالزرقاوي وهكذا فعل. وابو انس وفي روايته لحكاية معركة الفلوجة الأولى عام 2004 يشير في اكثر من مكان الى ضعف ثقافته العسكرية والى خوفه وتردده، وهذه عبارات نادرة في قاموس"الجهاديين". غداً حلقة ثانية: "الجهاد العالمي" يسرع خطاه الى الضفة الغربية والقطاع