سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأزمة النووية الإيرانية ... طهران في مواجهة أميركا والعالم . أركان إدارة بوش يستبعدون الخيار العسكري "مرحلياً" ويسعون إلى إسقاط النظام الايراني ... من داخل 3 من 3
يتصدر الملف النووي الايراني أولويات الرئيس الأميركي جورج بوش الخارجية، وهو عدا عن وصفه ب"التحدي الأكبر"لدى ادارته، لم يغب عن أي من خطاباته الاستراتيجية منذ تشرين الثاني نوفمبر الماضي، تاريخ فوزه بولاية ثانية. وفيما يؤكد بوش وأركان ادارته عدم استبعاد أي خيار لردع ايران وطموحاتها النووية بما في ذلك ضربة عسكرية على منشآتها النووية، يشير مستشارون ومسؤولون سابقون يجتمعون دورياً مع الادارة الأميركية الى أن الخيار العسكري"غير وارد"في الوقت الحالي، ويتوقع هؤلاء في حديث الى"الحياة"أن تذهب واشنطن في اتجاه العقوبات الاقتصادية والديبلوماسية أو في اتجاه تغيير داخلي للنظام في طهران. وشكل قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 8 آذار مارس الماضي تحويل الملف الايراني الى مجلس الأمن منعطفاً رئيسياً للأزمة، وصفه المحلل السياسي في معهد"أميركان انتربرايز"القريب من ادارة بوش مايكل ليدين ب"قمة الاذلال لطهران ودليل على فشل نظام الملالي الايراني"، فيما اعتبرته مديرة معهد"ستيمسون للأبحاث"والمسؤولة السابقة عن الملف الايراني في مجلس الأمن القومي في ادارة الرئيس بيل كلينتون، ألن لايبسون،"نتيجة لفشل كل الخيارات الأخرى". هذه الخيارات بحسب لايبسون هي المحادثات بين ايران والترويكا الاوروبية فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة وبعدها الروسية-الايرانية وجهود وكالة الطاقة الذرية لحل الأزمة واقناع طهران بعدم تطوير سلاح نووي. الخيارات الأميركية وأمام هذا الواقع، تبدو واشنطن، ومن خلال تصريحات مسؤولين في الادارة معنيين في الشأن الايراني روبرت جوزيف ونيكولاس برنز، مصرة على استنفاد الخيار الديبلوماسي وتدعيم التحالف الدولي لعزل النظام في طهران، انما من دون التخلي عن الخيار العسكري الذي استُحضر في الوثيقة الأخيرة لاستراتجية الأمن القومي الأميركي. وأحيت الوثيقة"عقيدة بوش"وحق الولاياتالمتحدة بالقيام بضربات عسكرية وقائية ضد أي تهديد حالي أو مستقبلي للقوة العظمى. مع هذا، يشير المحاضر في الديبلوماسية العامة في جامعة جورج مايسون الأميركية المؤرخ جاك غولدستون الذي يجتمع دورياً مع مسؤولين في الخارجية الأميركية ومكتب الأمن القومي لتقديم استشارات حول ايران الى أن"لا أحد في الادارة الآن يتحدث عن الخيار العسكري"وإلى"أن الجميع يتمنى التوصل الى مخرج ديبلوماسي للأزمة". ويحذر ليدين بدوره من مخاطر الخيار العسكري، من دون أن يستبعده، ويتحدث عن ضعف الاستخبارات الأميركية في ايران بعد الثورة الإسلامية عام 1979 والخوف من فظاعة الرد الايراني الذي قد يمتد من"العراق الى أوروبا والشواطئ الأميركية". وينوه ليدين بدعم ايراني مباشر لخلايا ارهابية داخل القارة الأوروبية مرتبطة بالمنشق الأردني الارهابي أبو مصعب الزرقاوي، اضافة الى نفوذ ايران في لبنان من خلال"حزب الله"، وفي الأراضي الفلسطينية من خلال حركة"الجهاد الاسلامي"، أو ميليشيات داخل الأراضي العراقية. ويرى ليدين أن المشكلة"تتعدى الخطر النووي وتكمن في طبيعة نظام الملالي الايراني الذي يجب اسقاطه من خلال دعم ثورة داخلية". ويثني المحلل الجمهوري على خطوة الخارجية الأميركية بطلب 75 مليون دولار من الكونغرس لدعم الديموقراطية في طهران ويضعها ضمن اطار الخطوات الفعلية لسياسة تغيير النظام، في وقت يرى فيها غولدستون"سلاحاً غير مجدي لأنها ستقوي الخط المتشدد المعارض للغرب في ايران وتضعف المعتدلين". حتمية تاريخية ويرى غولدستون أن ما يحصل داخل النظام الايراني من صعود للخط المتشدد بعد 27 عاماً على الثورة، هو"حتمية تاريخية" ويوازي ما شهدته ثورات أخرى في المكسيك خلال عام 1938 بعد انتخاب"الثورجي"لازارو كارديناس في 1934 والصين خلال الخمسينات تحت قيادة ماو زيدونغ"المتشددة والمدمرة". ويوضح غولدستون أن ايران قطعت"المرحلة الهادئة"لثورتها والتي شابها الفساد الاداري والسياسي وكانت بحاجة الى النبض المتشدد لاعادة احياء مبادئ الثورة ووقف الفساد. ويوضح المؤرخ الأميركي أن فوز محمود أحمدي نجاد وپ"الراديكاليين الشرفاء"وبروز الجيل الثاني للثورة، يمثل تاريخياً انطلاقة مرحلة"انغلاق ايراني في السياسة الخارجية وتشدد على الخط الداخلي"قد تستمر بحسب تجارب سابقة على الأكثر 10 سنوات. ويقول غولدستون أنه نصح الادارة الأميركية خلال اجتماعه مع مسؤوليها بإعطاء بعض الحوافز للنظام الايراني مثل تخفيف العقوبات في محاولة لتقوية البراغماتيين، كما فعل الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون 1969-1974 في معالجته للأزمة الصينية. عندما حاول تقوية الجناح المعتدل داخل الحزب الشيوعي الحاكم، ودعوته الى التعامل"بمسؤولية"مع واشنطن من دون اعلان قطيعة كاملة مع بكين. ويقترح غولدستون مفاوضات مباشرة بين الأميركيين والايرانيين حول الموضوع النووي، وخصوصاً بعد فتح قناة الحوار حول الشأن العراقي منذ أسبوعين. وترى لايبسون أن هذا الاقتراح"على رغم جدواه غير ممكن على أرض الواقع"نظراً الى الذاكرة الأميركية القاتمة حول طهران، والتي تتصدرها أحداث خطف الرهائن في 1979 وتفجيرات المارينز في بيروت في 1983. وتصريحات نجاد الحالية المعادية للغرب والتي تجعل من الدعوات الى الانخراط"شبه مستحيلة". وترى لايبسون أن"اللغة القاسية التي تصدر عن النظام الإيراني نجحت في استقطاب لاعبين غير أساسيين مثل البرازيل والهند الى طاولة مجلس الأمن في دعمهم للموقف الأميركي". وتستبعد لايبسون الى حد ما الخيار العسكري اليوم وخصوصاً في ظل الثقة التي تحظى بها وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس داخل الادارة، والتي تأتي بحسب لايبسون من مدرسة"أكثر واقعية وديبلوماسية"من أركان وزارة الدفاع ومكتب نائب الرئيس. لكنها تضيف:"الادارة لن تأخذ أي خيار عن الطاولة، الجيش الأميركي قوي، ويحتمل أن تقوم ايران بعمل فظيع ولا تترك لنا خياراً. انما سياسياً وعملياً ليس مرجحاً". وترى المسؤولة السابقة، أن واشنطن ستستخدم أكثر من أداة للتعامل مع الملف، مع الحفاظ على الطابع الدولي، من باب التلويح بالعقوبات أو إرسال مؤشرات ضمنية لدعم ثورة داخلية في ايران، والتي تستحضر أحياناً لپ"استرضاء أصوات داخل الادارة داعية الى تغيير النظام"، ويقابلها فتح قناة صغيرة للانخراط العراق. وعن العقوبات، تشير لايبسون، الى أن الأممالمتحدة والنظام الدولي منهكان من العقوبات التقليدية بعد التجربة العراقية مع نظام صدام حسين والتي دفع ثمنها الشعب العراقي. وتتوقع لايبسون أن يبتعد مجلس الأمن عن فرض عقوبات بپ"استثناء ربما تلك المستهدفة للنظام مثل تجميد الأموال أو محاصرة حركة التنقل للمسؤولين الإيرانيين". اما عن العقوبات الاقتصادية التي يحرض عليها الكونغرس تستهدف شركات أميركية أو فروعاً أجنبية لها تتعامل مع طهران، ترى لايبسون سيناريو مشابهاً لأيار مايو 1995 عندما اضطر الرئيس السابق بيل كلينتون الى فرض عقوبات على ايران بعد ضغوط من الكونغرس. وتضيف لايبسون"اليوم هذه الادارة أكثر إيديولوجية من إدارة كلينتون وبخاصة في ما يتعلق بالشأن الإيراني، ولا يحتاجون للكابيتول لمضاعفة العقوبات".