تشغل أزمتا كوريا الشمالية وإيران النوويتان جانباً مهماً من تحديات السياسة الخارجية الأميركية لهذه السنة. ويجمع الخبراء على اختلاف معايير واشنطن في التعامل مع كل منهما، انطلاقاً من التهديدات المختلفة التي يشكلانها على المصالح الأميركية، والتي دفعت واشنطن الى العودة الى طاولة المحادثات السداسية مع بيونغيانغ بعد تجربتها النووية في مقابل مضاعفة الجهود الديبلوماسية لفرض عقوبات دولية على طهران في مجلس الأمن الدولي، مع الإصرار على رفض"التعايش مع البلدين كقوتين نوويتين". ويشير المحلل السياسي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية جون ولفستال، الى أن تجربة كوريا الشمالية النووية في 9 تشرين الأول أكتوبر، والتي أثبت الخبراء نجاحها،"قلبت قوانين اللعبة"وأربكت واشنطن التي كانت تصب معظم اهتمامها على العراق على حساب المحادثات السداسية. وتوقفت هذه المحادثات في تشرين الثاني نوفمبر 2005 عندما انسحبت بيونغيانغ من الدورة الخامسة احتجاجاً على العقوبات المالية التي فرضتها واشنطن، بشبهة ضلوعها في عملية غسل أموال. وفرضت التجربة النووية للنظام الكوري الشمالي بزعامة كيم جونغ ايل، الضغوط على واشنطن من حلفائها في آسيا وخصوصاً اليابانوكوريا الجنوبية المهددتين مباشرة بتسلح بيونغيانغ، لإقناع الأخيرة بالعودة الى طاولة المفاوضات، الأمر الذي حصل، في محاولة للتوصل الى اتفاق يعطي بيونغيانغ ضمانات أمنية واقتصادية في مقابل التخلي عن البرنامج النووي. الحسابات الخاطئة ويشدد ولفستال على أن"ايران تراقب تصرفات كوريا الشمالية وطريقة تعامل الولاياتالمتحدة معها وأن لديها الحسابات نفسها". ومن هنا يضيف الخبير الأمني الذي يقدم استشارات الى الادارة، أن"الوقت لم يعد للتفاوض بعدما أضحت كوريا الشمالية القوة النووية التاسعة عالمياً"بل"للاحتواء والردع"وأن على المندوب الأميركي في المحادثات السداسية كريستوفر هيل أن يبلغ كوريا الشمالية أنها مستهدفة بعد التجربة النووية وأن واشنطن جدية في توجيه ضربة عسكرية مدمرة لبلاده في حال تعرضها لأي من جيرانها أو قيامها بأي تجربة صاروخية". ويضيف ولفستال أن طهران وبيونغيانغ تريان في قبول واشنطن باكستان والصينوالهند في"النادي النووي"، فرصة مماثلة لهما، ويؤكد، أن هذه الحسابات"خاطئة بالكامل"، باعتبار أن"الصينوالهند تمثلان قوة سكانية هائلة وليس من مصلحة الولاياتالمتحدة استبعادهما". أما في حال باكستان، فيشير ولفستال، الى أن قبولها كقوة نووية يعود الى تعاونها في الحرب على الارهاب، وأنه"لو لم يستهدف تنظيم القاعدة الأراضي الأميركية في 11 أيلول سبتمبر 2001، لكان تغيير النظام في باكستان على الأجندة الأميركية اليوم". ويرى ولفستال أن"لا بيونغيانغ ولا طهران تحظى بموقع كهذا اليوم."فالأولى لا تمثل مصلحة اقتصادية أو استثمارية للولايات المتحدة مثل الصين أو الهند، وإيران في مواجهة مباشرة مع المصالح الأميركية في المنطقة ولها سجل في استهداف هذه المصالح كتفجيرات"المارينز"في بيروت عام 1983 وبعدها تفجيرات الخُبر في المملكة العربية السعودية عام 1996، ودعمها منظمات تعتبرها واشنطن ارهابية مثل"حزب الله"وپ"حماس"أو ميليشيات مسلحة عراقية مثل"جيش المهدي"الذي يتزعمه مقتدى الصدر. وكانت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وصفت ايران بپ"المصرف المركزي للإرهاب"والتحدي الأكبر للسياسة الأميركية في جلسة استماع أمام الكونغرس في آذار مارس الفائت. ويقول ولفستال إن القلق الرئيسي من كوريا الشمالية هو في قيامها بپ"عمل عسكري طائش ضد كوريا الجنوبية"، وليس الخوف من أن تصدر أسلحة نووية الى أنظمة معادية لواشنطن أو جماعات ارهابية، الذي يعتبره أمراً"غير واقعي"، على رغم أنها باعت سابقاً أسلحة وصواريخ الى سورية وإيران وباكستان. ويضيف ولفستال ان تمرير أي سلاح نووي اليوم هو"شبه مستحيل"في ظل توافر التقنيات لدى واشنطن لتعقبه عالمياً من خلال مادة الإشعاع النووي. "محور الشر" وترى المحللة السياسية التي زارت كوريا الشمالية وإيران في السنتين الفائتتين أوري زولاي، أن خطأ الادارة الأميركية كان في إدراجهما"معاً في محور الشر"الذي أعلنه الرئيس جورج بوش في خطاب حال الاتحاد في 2002، اضافة الى العراق. وتقول زولاي أن هناك"شعوراً قوياً لدى الطرفين بأنهما مهددان من القوة العظمى ومن المستحيل ردع هذا التهديد بالطرق العسكرية التقليدية، وأن الرادع الأقوى هو السلاح النووي". وتضيف أن هذين البلدين يتخوفان من مصير يشبه مصير العراق أو يوغوسلافيا أو أفغانستان". وتقول زولاي التي حضرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في ايران، أن المسألة النووية هناك تنطلق من الشعور القومي وليست فقط تلبية لتوجهات النظام مثل كوريا الشمالية حيث النظام الشيوعي الحاكم يفرض سلطته على الشعب. وأظهرت ايران تاريخياً ومنذ الثورة الإسلامية عام 1979، اهتماماً بالقوة النووية واستعانت بالاتحاد السوفياتي سابقاً لبناء مفاعل بوشهر ولاحقاً بمساعدة العالم الباكستاني عبد القدير خان. وتكتمت ايران طوال 18 سنة عن برنامجها النووي الذي وصل بعد انكشافه اليوم الى مجلس الأمن ويضع طهران أمام خطر العقوبات الدولية في ظل تحفظ روسياوالصين اللتين لديهما مصالح نفطية وتجارية معها. وتشير زولاي الى أن الخوف الأميركي من الطموحات الإيرانية يفوق القلق الأميركي من كوريا الشمالية، بسبب المصالح الأميركية في الشرق الأوسط والخطر الذي تمثله هذه الطموحات على استقرار المنطقة، وتضيف أن أي قنبلة إيرانية نووية ستكون"من حيث المبدأ قنبلة شيعية وستفتح باب الانقسامات المذهبية في المنطقة والسباق على التكنولوجيا النووية على مصراعيه". استبعاد الخيار العسكري ويبدو الخيار العسكري، بحسب ولفستال، بعيداً من الطاولة اليوم في كلتا الأزمتين، اذ أن كوريا الشمالية تطالب بضمانات أمنية واقتصادية في المحادثات، ومن ضمنها بند عدم إسقاط النظام هناك. ويشير ولفستال الى أن التجربة النووية الكورية ستجعل من خيار تغيير النظام أقل قبولاً اليوم، خصوصاً لدى الصين التي تتخوف في حال تغيير النظام من وقوع القوة النووية في أيدي الجهاز العسكري الكوري. وكان نائب الرئيس ديك تشيني رفض فكرة الضربة الوقائية على بيونغيانغ بعد تجربتها النووية، على رغم حض وزير الخارجية الأميركي السابق ويليام بيري من ادارة الرئيس بيل كلينتون 1992-2000، البيت الأبيض على القيام بهكذا خطوة. ويختلف الأمر مع ايران، حيث لدى الادارة الأميركية مشكلة أساسية مع الخط المتشدد في ايران والذي يقوده اليوم الرئيس محمود أحمدي نجاد. علماً ان خطة دعم البراغماتيين من الأطروحات التي تدرسها الادارة الأميركية اليوم، كما فعل الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون 1969-1974 في معالجته الأزمة الصينية عندما حاول مساعدة الجناح المعتدل داخل الحزب الشيوعي الحاكم، ودعوته الى التعامل"بمسؤولية"مع واشنطن من دون اعلان قطيعة كاملة مع بكين. ويشير ولفستال الى أن الثقة التي تحظى بها وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس داخل الادارة تجعل الخيار العسكري أقل احتمالاً، اذ أنها تأتي من مدرسة" واقعية وديبلوماسية"، شبيهة بمدرسة وزير الدفاع الجديد روبرت غايتس الذي دعا في 2004 الى حوار مباشر بين واشنطنوطهران، وخلافاً لنائب الرئيس ديك تشيني أو وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد. وتعمل رايس ومساعدوها في الخارجية على إقناع روسياوالصين بفرض عقوبات على ايران تستهدف النظام الإيراني وليس الشعب مثل"تجميد الأموال أو محاصرة حركة تنقل المسؤولين الإيرانيين".