افتتحت المطربة جاهدة وهبي فعاليات «الأيام الثقافية اللبنانية» في مصر التي تستمر حتى مساء غد على مسرح الجمهورية في حضور السفير اللبناني خالد زيادة ورئيس قطاع العلاقات الثقافية الخارجية حسام نصار. وصدح صوت وهبي في جنبات المسرح بأداء أخّاذ تختفي في نبراته وعباراته تلك المسافة الشائكة بين الاحترافية والتمكن من صنعة الغناء وبين الإحساس الشغيف المحلق. بدأت وهبي الغناء في عشق بيروت، قصيدة «أنت يا بيروت مبهمة... ما قالها شاعر، لكن تخيلها». وتبعتها بأغنية «صوتك مرق ع المسافة» وأبدعت في «آمنت بالله». ولما كان أداؤها يتطلب بطانة، راحت تطلب من الجمهور أن يرد عليها بعض مقاطع الغنوة القديمة والتي عرفت الجمهور بأنها من لحن فريد غصن وغناء لور دكاش في عام 1939، وكان البعض يظن أنها لمنيرة المهدية. وأوضحت وهبي ل «الحياة» بعد الحفلة أن دكاش ساهمت في تلحين تلك الأغنية الشهيرة التي جمعت فيها وهبي بين أساليب الغناء القديمة، ولكن في شكل مقبول في وقتنا الحاضر، أعقبتها بأغنية «أعطني الناي وغني» لفيروز «السيدة العظيمة»، كما وصفتها، ثم «جفنه علم الغزل» لمحمد عبدالوهاب وشعر الأخطل الصغير، وخلالها قدم قائد الأوركسترا الشاب وعازف الكمان كلود شلهوب تقاسيم، ذهب فيها إلى حدود كونشرتو مصغر قبل أن يعود إلى لحن عبدالوهاب بينما وهبي تتنقل من قمة الى أخرى، وهي تحرص على ألا تقع في غواية قوة صوتها وإنما تطوعه لأداء اللحن، كما أراد أصحابه له ولكن بشخصيتها وبصمتها. وتعالت أصوات من الصف الأول تطالبها بغناء «عظيمة يا مصر» لوديع الصافي، فنظرت إلى الفرقة ويبدو أنهم لم يكونوا مستعدين لأدائها، فانتقلت إلى عمل كلثومي فشدت بكوبليه واحد من «أمل حياتي» قبل أن تختتم وصلتها بعمل غنائي من ألحانها وشعر غونتر غراس وترجمة العراقية أمل جبور، بعنوان «لا تمضي إلى الغابة». وقالت وهبة: «قصدنا من تقديم أغان تجمع بين فنانين مصريين ولبنانيين مثل «آمنت بالله» و «جفنه علم الغزل» إظهار مدى التواصل الثقافي والإنساني بين أبناء البلدين، ولفت الانتباه إلى عظمة التراث الفني لهما». وأوضحت أنها اقتصدت في وصلتها حتى لا تجور على وقت فرقة فهد العبد الله، سواء في عدد الأغاني أم في أداء الأغنية الواحدة، قائلة وهي تضحك: «إن «جفنه علم الغزل» تأخذ ساعة لوحدها، وأنها غنت «أمل حياتي» على سبيل التحية للسيدة أم كلثوم وهي على أرض مصر. وأشارت إلى تقديمها عدداً من أغانيها في ألبومين بعنوان «جاهدة وهبة تغني العمالقة» منها «ما دام تحب بتنكر ليه» و «عودت عيني» و «غني لي شوي» و «حيرت قلبي»، بالإضافة إلى أغان لسيد درويش ومحمد عبدالوهاب ووردة. وعن تجربتها في التلحين، أشارت إلى «تكوين مخزون موسيقي ناتج من المشاركات الكثيرة في الأمسيات الشعرية الصوفية لشعراء مثل ابن عربي وابن الفارض والحلاج وجلال الدين الرومي وشعراء آخرين لبنانيين وعرب، فأصبح هناك رصيد من الألحان، رحت أقدمها في حفلاتي ثم أصدرتها في اسطوانات بتوزيع ميشل فاضل ونقولا نخلة». كما تطرقت وهبة إلى عملها الفريد مع الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي، وهو سلسلة من الكتاب تصاحبها أسطوانة غنائية لتقديم الحب في كل مواسمه، فصدر «فصل النسيان» وعما قريب سيصدر «فصل العشق» ثم «الفراق» ثم «اللقاء». وألقت وهبة باللوم على وسائل الإعلام العربية، خصوصاً الفضائيات وشركات الإنتاج التي تتوجه نحو الغناء الاستهلاكي ولا تهتم بالقدر الكافي الذي يليق بالأعمال الأصيلة أو المختلفة عن السائد. وقال قائد الفرقة الموسيقية كلود شلهوب: «حاولت إضفاء شيء من البساطة على تلك الألحان حتى تصبح هينة على مستمع الوقت الراهن ولكن من دون المساس بأي جملة أو تفصيلة من اللحن، وهذا من أصعب الأشياء في العمل الموسيقي؛ لأنني أحترم هذه الألحان التي حاولت أيضاً أن أعطيها حساً كلاسيكياً لأنها تحتمل هذه الرصانة». وأشار شلهوب إلى أن الفرقة التي تضم جورج هارويتان على البيانو وبيزجيتار بشار الفران وغسان سحاب قانون وأحمد الخطيب إيقاع، وهو على الكمان، لا مجال فيها للخطأ وكل عازف يدرك دوره تماماً. إلى ذلك، شاركت فرقة فهد العبد الله اللبنانية في حفلة الافتتاح عبر مجموعة من الرقصات التراثية في تشكيل حركي يتلاءم مع الرقص العصري مثل «الأصايل» و «ليلة فرح» و «خيال» و «إبحار» و «تراث» و «حنين» و «رقصة الشك» التي قال عنها العبد الله: «الرقصة تعبر عن شك الإنسان في كل شيء وحيرته التي تقوده إلى الاضطراب في حياته، ولكنه يدرك في النهاية أن الإيمان بالله يطمئن روحه ويبعث فيه الراحة والاطمئنان. ولهذا كان اختيار الملابس البيض للراقصين والراقصات تعبيراً عن الصفاء والخلاص».