دارت أمس مواجهات عنيفة بين القوات المسلحة التشادية والمتمردين الذي دقّوا أبواب العاصمة نجامينا، لكن الرئيس إدريس ديبي أعلن ان قواته سحقت المهاجمين وأن الأوضاع"تحت السيطرة". غير ان الهجوم الذي بدأ قبل بزوغ الفجر أظهر ضُعف سيطرة ديبي على الأوضاع خارج العاصمة، إذ استطاع متمردو"الجبهة الموحدة للتغيير"قطع ألف كلم في ثلاثة أيام على متن شاحنات بيك أب انطلقت من دارفور على الحدود السودانية - التشادية. لكن ما أن وصل المتمردون الى خارج نجامينا حتى كانت القوات الحكومية في انتظارهم. وفي خلال ساعات، أعلن ديبي عبر الإذاعة الرسمية سحق رتل للمتمردين. وكان لافتاً في معارك الساعات الماضية الدور الذي لعبته القوات الفرنسية في تشاد، إذ أطلقت طائرات"ميراج"فرنسية نيرانها على قوات المتمردين الذي زعموا انها شنّت غارات عليهم، وهو أمر نفته باريس التي قالت انها أرادت فقط"توجيه رسالة"اليهم. وأكد الناطق باسم الخارجية الفرنسية جان فرانسوا بورو ان المتمردين"تسللوا بالتأكيد"الى نجامينا لكن المعارك التي دارت فيها صباحاً كانت"أعمالاً فردية ومحددة"و"لا تكشف وجود تحرك منظم لوحدات منظمة". وأكد الناطق باسم الخارجية الفرنسية الذي سئل مرات عدة عن النيران التحذيرية التي اطلقتها الاربعاء طائرة ميراج شرق تشاد، ان اطلاق النار"لم يكن له هدف عسكري"، مشيراً ان الميراج"لم تطلق النيران على المتمردين". وأضاف ان اطلاق النار"كان رسالة الى المتمردين"وهي رسالة"نفسية او سياسية تعكس اهتمامنا بالوضع وحرصنا في مهمة قواتنا المتعلقة بحماية رعايانا". ورد بورو على سؤال عما اذا كانت الرئاسة الفرنسية هي التي أعطت الأمر بإطلاق النيران التحذيرية بالقول"ليس عندي معلومات اكثر". وأكد ضمناً صحة معلومات اشارت الى رفض الرئيس ديبي عرضا فرنسيا بترحيل عائلته. معارك نجامينا وأعلن وزير إدارة الأراضي التشادية الجنرال محمد علي عبدالله في مؤتمر صحافي أمام مقر الجمعية الوطنية في نجامينا أمس انتصار قوات الرئيس ديبي على متمردي"الجبهة الموحدة للتغيير". وقال أمام مقر الجمعية الذي كان قبل ساعات مسرحاً لمواجهات بين الجيش والمتمردين"ان القوات الحكومية قامت بواجبها أمام المرتزقة الذين تحركهم قوات الخرطوم وإننا نسيطر على الوضع". وتابع الوزير وسط انتشار كبير لقوات الأمن على مدرج مقر الجمعية حيث شوهدت جثث للمتمردين الى جانب جرحى لهم"ان القتلى بالمئات في صفوف المتمردين وقد تم ضبط عتاد كبير". وأضاف:"سنبقى يقظين لأن السودان يسعى الى زعزعة الاستقرار". وأكد ان"عناصر تسللوا ليلاً الى المدينة التي لم تكن مضاءة لكن قواتنا حاصرتهم". ودارت معارك بالاسلحة الثقيلة فجراً بين الجيش التشادي ومتمردي الجبهة الموحدة للتغيير في ضواحي نجامينا وسمعت عيارات العديد من الأسلحة الخفيفة في احياء عدة من العاصمة لا سيما قرب مقر الجمعية الوطنية. وفي رد على سؤال حول الاختراق الذي حققه المتمردون منذ الأحد انطلاقاً من اقصى شرق البلاد، أوضح الوزير ان الجيش التشادي"ترك"المتمردين"يقتربون"حتى مشارف نجامينا. وأوضح:"لا يمكننا ان نضع جندياً على طول كل كيلومتر لأن تشاد بلد شاسع"، مؤكداً"ان المتمردين تجنبوا مواقعنا بعد ان تبلغوا أين كانت مقامة وتسللوا من حيث لم تكن هناك قوات. وفي آخر المطاف وجدناهم هنا، وفي الحقيقة تركناهم يأتون". ولدى تطرقه الى الوضع في ادري عند الحدود مع السودان حيث تحدثت مصادر من وكالات انسانية عن معارك ضارية دارت صباح أمس، قال الوزير ان المدينة تحت سيطرة الجيش لكن عمليات"تمشيط"متواصلة فيها. وأفادت مراسلة وكالة"فرانس برس"ان الوضع كان هادئاً تماماً عصر أمس في نجامينا، ولم يعد يسمع دوي انفجارات ولا اصوات عيارات نارية خفيفة. وفي باريس، أعلن مندوب الجبهة الموحدة للتغيير لاوانا غونغ ان طائرات فرنسية قصفت أمس مدناً شرق تشاد يسيطر عليها المتمردون ما اسفر عن سقوط عدد غير محدد من الضحايا المدنيين. لكن وزارة الدفاع الفرنسية أصدرت نفياً قاطعاً لذلك، غير انها أشارت الى ان طائرة"ميراج"فرنسية وجهت"طلقة تحذيرية صباح الاربعاء شرق نجامينا في منطقة كان يتقدم فيها رتل من المتمردين التشاديين باتجاه العاصمة". وقال غونغ ل"فرانس برس":"علمنا صباح اليوم الخميس ان الجيش الفرنسي تدخل عسكرياً بطائراته في شرق تشاد. ونأسف لسقوط العديد من المدنيين في مدينتي ادري والمدينة قرب الحدود مع السودان في قصف فرنسي". وأوضح غونغ ان لا معلومات لديه في شأن احتمال تدخل مروحيات فرنسية ضد المتمردين حول العاصمة، كما قال سكان لوكالة"فرانس برس". غير انه اتهم فرنسا"بعدم الوقوف على الحياد"وبدعمها"الأعمى"لنظام الرئيس ديبي. وحذر من ان"الوضع قد يتدهور في حال أصرت الحكومة الفرنسية على اخضاعنا بأي ثمن". وأكد غونغ الذي شغل في السابق منصب وزير خارجية، ان متمردي"الجبهة الموحدة للتغيير"دخلوا فجراً الى ضواحي نجامينا، وان"الساعات المقبلة ستكون حاسمة". وتنشر فرنسا 1200 جندي في مستعمرتها السابقة تدعمهم ست طائرات ميراج اف-1 وارسلت كتيبة من 150 رجلاً يرابطون في الغابون لتعزيز القوات الفرنسية في تشاد. وبموجب اتفاقات التعاون المبرمة مع تشاد، تقوم فرنسا بمهمة"دعم الاستخبارات"للحكومة التشادية و"مساعدة لوجستية"للجيش التشادي. وأعلن الناطق باسم وزارة الخارجية الفرنسية جان باتيست ماتيي ان الوضع في تشاد"مقلق جدا ومرشح للتصعيد". وأضاف"وجهت تعليمات للجالية الفرنسية بتوخي الحذر الشديد". وفي تشاد جالية فرنسية يصل عددها الى نحو 1500 شخص يقيم القسم الأكبر منهم في نجامينا وغالبيتهم ممثلون لشركات فرنسية وافراد عائلاتهم. وأفادت مصادر قريبة من الرئيس الفرنسي جاك شيراك انه اجرى اتصالات عدة مع الرئيس التشادي ديبي في الأيام الأخيرة ونصحه"بدعوة مجلس الأمن الدولي الى الانعقاد للتذكير بمبدأ رفض الانقلابات المسلحة"، مذكراً بأن فرنسا"تدين المحاولات الانقلابية". وقالت المصادر ايضاً ان الرئيس الفرنسي أشار خصوصا الى"خشيته من تدخلات خارجية"في هذا الهجوم، موضحة ان فرنسا"تحاول جمع الدلائل حول هذا الأمر"من خلال المهمات الاستطلاعية لطائرات الميراج. وفي أديس ابابا، أفادت مصادر مفوضية الاتحاد الافريقي ان مجلس السلام والامن في الاتحاد اجتمع في شكل"طارئ"بعد ظهر الخميس"لمناقشة آخر المستجدات في تشاد". وكان رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي الفا عمر كوناري"دان في شدة"الاربعاء هجمات المتمردين التشاديين على مخيمات اللاجئين السودانيين في تشاد. "اعتداء مبرمج" وفي القاهرة، اتهم وزير الخارجية التشادي أحمد علامي الخرطوم بتنفيذ"اعتداء مبرمج"ضد بلاده. وقال ل"فرانس برس"إثر لقاء مع نظيره المصري أحمد ابو الغيط:"لطالما قلنا ان اعتداء مبرمجاً ضد تشاد يتم التحضير له انطلاقاً من الخرطوم". وأضاف:"ما نعيشه حالياً في تشاد منذ 72 ساعة ليس سوى نتيجة استكمال هذه السياسة العدائية لنظام الخرطوم ضد تشاد". وقال ان نظام الرئيس عمر البشير يدعم المتمردين التشاديين ويستخدمهم"وقود حرب". ونفت الخرطوم الخميس تقديم أي دعم للمتمردين التشاديين، مؤكدة انها"طردت"في بداية الاسبوع"تشاديين من المعارضة المسلحة". وأكد احد كبار مسؤولي"حركة العدل والمساواة"أحمد حسين من ابوجا حيث تخوض حركته مفاوضات سلام مع حكومة الخرطوم"لا شك في ان هجوم المتمردين ضد ديبي تم التخطيط له في الخرطوم". وقال حسين ان"الخرطوم تدعم المتمردين التشاديين مالياً وسياسياً وعسكرياً".