الموجة التاريخية العارمة، التي أتت على متنها أحداث الاستقلال، بدأت تنحسر، بسبب التراجع الأميركي والدعوة إلى التهدئة التي انعكست على الساحة اللبنانية وجلسات الحوار، تحت وطأة التطورات التاريخية من تورطها في العراق وفوز"حماس"في غزة، وبسبب رد فعل أنصار السلطة الذين ما زالوا موجودين ويعرقلون مشاريع المعارضة، وأيضاً بسبب ممارسات المعارضة نفسها. ولكن سوء تصرف المعارضة يجب ألاّ يمنعنا من السير في طروحاتها العامة والضروريةپالمترابطة معاً في سلة واحدة، لاقتناص هذه الفرصة التاريخية التي لا تعوض لترسيخ السيادة والاستقلال حتى لا يعود الوضع إلى ما كان عليه في السابق. فلا شيء يبررپإذا كانت لنا مآخذ على المعارضة، أن ننظم تظاهرات مضادة تجعل الرأي العام يشكك في وحدة اللبنانيين وفي رغبتهم الحقيقية في الاستقلال. ولا شيء يضطرنا أن ندافع عن بلد، أعطته الدول الخارجية منذ كامب ديفيد الأول، دوراً إقليمياً قبل التفاوض على استعادة أرضه، وهو حتى الآن لا يزال يرتضي هذا الدور ويسير فيه. لا شيء يدعونا إلى مراعاة شعور الآخرين طالما أن الآخرين لم يراعوا شعورنا. ولا شيء يدفعنا إلى أن نعيش في عقدة الذنب وإلى تخطي أنفسنا، أمام الذين كانوا هم يمارسون سياساتهم الخاطئة تجاهناپويخطئون في حقنا. مطالب المعارضة لا تتجزأ. فلكي يتحقق الاستقلال، لا بد من تغيير كل الأجهزة السابقة. وربما أكبر خطأ وقعت فيه المعارضة أنها لم تحكم وحدها، بل تركت الوزراء الذين يقفون لها في المرصاد يعتكفون ويهددون الحكومة بأن تتفجر. وكي تتحقق السيادة لا بد من فصل المسارات. وهذا لا يعني بالضرورة الاستسلام لإسرائيل، لأننا دخلنا في مرحلة لم تعد الإصلاحات ومحاربة الصهيونية تمر حصراً بالوحدة العربية والتلاحم القطري. وترسيخ الانتماء الى لبنان يعني ألاّ يكون متراساً لدول أخرى تواجه أميركا وتدافع عن مشاريعها النووية، حتى لو كنا ننتقد أميركا وعدالتها التي، كما يمثلها أحد تماثيلها معصوبة العينين، لا تميز في قوانينها بين أحد، ولكنها في الحقيقة عمياء لا تريد أن ترىپالظلم والهوة الساحقة پبين الأغنياء والفقراء. لذلك كان وليد جنبلاط دائماً يذكر الأحزاب المقاومة أنها وطنية بمقاومتها، وعليه فهي في النهاية لبنانية يجب أن تعرف مصلحة وطنها، انطلاقاً من وطنيتها. ونستطيع أن ننتقد المعارضة على أدوارها السابقة. التقدميون كانوا يقدمون الاعتذارات للقوى اليسارية على اضطرارهم التنصل من المشاريع والتحالفات المشتركة الإصلاحية وأحياناً على الانقلاب عليهم، بحسب ما"تقتضيه الظروف". وكانوا في ظروف أخرى يرفعون سقف النضال الوطني ويحافظون على سقف طائفي يلجأون إليه إذا ما فشل المشروع الإصلاحي. وها هم اليوم يعارضون مجيء العسكر إلى الرئاسة الأولى، ومرشحهم أساساً من العسكريين. ولا يخفى على أحد أنه، قبل التمديد وقبل اغتيال رئيس الحكومة، كانت المعارضة تتجمع وتهيئ نفسها لتعود إلى الحكم من طريق الانتخابات وتسيطر على البرلمان وتنتخب رئيساً يطالب الجيوش الأجنبية في شكل رسمي وشرعي هذه المرة، بالانسحاب. وإن كان تحقق ذلك بطريقة أخرى، فإن المطلوب إنجاز بقية سلة المطالب وإرساء علاقات سوية على قاعدة بعيدة من الأحقاد، ما نادى به جنبلاط في عز معارك الاستقلال. بيتر قشوع - لبنان - بريد الكتروني