تبقى الظاهرة التي طبعت المرحلة الجديدة في الأحداث اللبنانية، وكانت بمثابة الصدمة التي أوقفت مساراً وفتحت آخر، والمرحلة التي أسست لمرحلة جديدة، والانقلاب السياسي الذي غير التحالفات, هي موقف وليد جنبلاط. وتكمن العلامة الفارقة، وقوة الصدمة في أنه كان من أهل التحالف مع المسار الاقليمي وأشدهم ثباتاً. ويبدو الموقف المعارض جلياً في ذروته في الخطاب الذي ألقاه عبر الأثير في الحشود التي اجتمعت حول البرلمان اثناء جلسة محاكمة الحكومة، ثم ما لبثت أن اخترقت الحدود الشائكة الموضوعة لها، على أصداء كلماته التي أرادها"انتقاماً"من الماضي، وربما امتداداً الى المستقبل، بمعزل عن الظروف التي قد تجعله يغير من مواقعه ومواقفه. قال:"ماذا نريد؟ نريد الحرية... ارحلوا عنا...". ومهما حمل موقف جنبلاط من انتقادات طالت أمثال موقفه، من أنهم كانوا طوال الوقت من الموالاة، وان علاقتهم مع المعارضة كانت علاقة مالية، في حين كانت سياسية من ناحية الموالين الحاليين، وخصوصاً ان اركان المعارضة الحالية كانوا يغفلون عن المطالبة بالاصلاحات والانسحابات وتطبيق الطائف، ويرضون بالوضع القائم، ويستفيدون مما يقدمه لهم، لأنهم كانوا ينتظرون التهديد الأميركي الذي بدا وحده قادراً على قلب الطاولة. فالخط الجنبلاطي يبقى قريباً من مبادئ المعارضة الحقيقية اليسارية التي تنظر الى تحويل الأحداث الى اهداف بعيدة المدى، وتعطي لتحركات المعارضة بعداً اجتماعياً يتمثل بتطبيق اصلاحات جذرية للنظام الاقتصادي الاجتماعي اللبناني، حتى لا يعود اللبنانيون بعد كل هذه المعركة يشعرون كأنهم عادوا الى نقطة البداية، وعادوا يهاجرون، كما في السابق، وكأن ليس لهم وطن. فمطلب السيادة والاستقلال يجب ألا يمشي وحيداً. وأثبتت الأحداث أن من كان يعتبر ان تنفيذ بنود الطائف والقرارات الدولية كان من شأنه تلافي التدخل الخارجي، وصوغ قرارات دولية جديدة كان على حق. وأول الاصلاحات المطلوبة هو الغاء الطائفية. وهذا حل شامل لكل ما تعانيه المنطقة بأسرها، حتى ما يعانيه العراقيون، وما تعانيه أميركا في العراق. فإيجاد حل للطغيان الطائفي لا يتم عبر سيطرة طائفة على أخرى، ولا بتوزيع المناصب طائفياً، لأن الميزان يبقى مختلاً. ولا حتى بإعطاء الحكم للأقليات، لأن جوهر السيطرة يظل موجوداً ولا يتغير. الحل الذي لا مفر منه هو انتزاع الطائفية من أساسها. ولا أحد يستطيع القول ان وجود الأميركيين في المنطقة هو الذي يعلم الديموقراطية للشعوب، وللشعب اللبناني بالتحديد. فاللبنانيون يمارسون الديموقراطية منذ القديم، بحسناتها وسيئاتها. ومن قال ان الديموقراطية نظام مثالي؟ فقد تكون المشكلات التي نواجهها من هذه السيئات التي للديموقراطية. ولكن الفارق، حالياً، ان اميركا موجودة في المنطقة، وهي، وإن لم نقل انها تريد فرض الديموقراطية بالقوة، فإن الحكم الديكتاتوري في المنطقة ها هو يعطي الديموقراطية لشعوبها، خوفاً من أميركا. وهذا يأتي مناسباً للشعوب. سوق الغرب لبنان - بيتر قشوع [email protected]