سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
زيارة لأنفاق جماعة جبريل جنوب بيروت ... ومسؤولها يتمنى على سورية ان تفتح الطريق الى الجولان . جبهة "الناعمة" ليست متقدمة ومقاتلوها ينتظرون منذ سنوات زيارة عائلاتهم أو غارة اسرائيلية
من المفترض أن يصل الى بيروت هذا الأسبوع مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان للبحث مع المسؤولين اللبنانيينوالفلسطينيين في مسألة السلاح الفلسطيني خارج المخيمات في لبنان. علماً أن هذا الملف تحوّل الى مادة للسجال الداخلي كانت ذروته حين أقدم عدد من مسلحي"الجبهة الشعبية - القيادة العامة"بزعامة أحمد جبريل على إطلاق النار على مواطنين لبنانيين من بلدة الناعمة قبل نحو ثلاثة أسابيع، وذلك أثناء مرورهما بالقرب من القاعدة العسكرية للجبهة على تلال الناعمة. هنا تحقيق ميداني عن هذه القاعدة بعد زيارة لها ولقاء مسؤولين في الجبهة وسؤال السلطات اللبنانية المعنية حول مصير هذه القاعدة ومصير السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. انها الثالثة من بعد ظهر يوم ماطر، ومازن الذي لم يتجاوز السابعة من عمره يلهو برشاش بلاستيك أمام الموقع العسكري التابع للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، في خراج بلدة الناعمة. جاء مازن برفقة والدته واثنين من أخوته الاحد عشر في زيارة لوالدهم"أبو ياسر"المقاتل في الموقع. هذا الفوج الثالث من الابناء، الذي تأتي به الوالدة لزيارة أبو ياسر بعد عيد الاضحى، اذ لا يمكنها اصطحابهم كلهم دفعة واحدة، فارتأت أن تقسمهم أفواجاً بحسب اعمارهم."أبو ياسر"بدا سعيداً بهذه الزيارة، فراح يحضر الشاي تارة ويقدم بعض ما بقي من حلوى العيد تارة أخرى، وبدا صغيره مازن متآلفاً أيضاً مع الموقع ومن فيه. فهو يعرف بقية المقاتلين من رفاق والده، ولا يخاف من لثامهم الاسود أو من قطع السلاح الحقيقية وغير البلاستيك الملقاة في زاوية من زوايا غرفة المسؤول أنور رجا. نحو 15 رشاشاً من طراز كلاشنيكوف كدست فوق بعضها بعضاً بانتظار أن تدعو الحاجة الى استعمالها. لا شك في ان زوجة"أبو ياسر"جاءت حاملة مطلباً ما يخص عائلتها، لان رجا راح يعدها خيراً كلما تنحنحت في كرسيها غير الوثير. ثم جلست بسكينة وصمت تنتظر ان ينتهي أبناؤها من اللهو مع والدهم ورفاقه. تحتسي الشاي في غرفة المسؤول وتمد يدها الى رأسها أحياناً لتسوي حجابها، ثم تبتسم لرؤية ابنها المراهق يتفاخر بحمل رشاش حقيقي. ينقله من كتف الى أخرى ويعقد حاجبيه بما يليق بوضعيته الجديدة. هي سمة الرجولة الاولى بدأت تظهر على ابنها. لا هي شعيرات الذقن ولا اختلاس النظر الى فتيات الجيران، بل القدرة الجسدية على حمل السلاح، والتوق النفسي لاستعماله. هو شعور ضمني بالفخر لانجابها مقاتلين، ومدّها جبهات"الفدائيين"بالوقود. مازن أيضاً يريد أن يصبح مقاتلاً مثل والده، ويستبدل رشاشه البلاستيك بآخر حقيقي. فهنا لا شعور بأن الازمة ستنتهي قريباً أو بأن الحاجة لهذا السلاح قد تنتفى يوماً. انتهت الزيارة وحان وقت رحيل السيدة وأبنائها عن الموقع، فاضطر مازن أن"يرمي سلاحه"ويتركه لأولاد آخرين قد يزورون أباءهم ويحتاجونه للعب. لم يفعل ذلك طواعية، بل راح يبكي ويضرب الارض برجليه متشبثاً ببندقيته البلاستيك رافضاً تسليمها. لكن إذا كان مازن الصغير يرفض التخلي عن بندقيته فكيف بالفصائل التي ينتم إليها والده."لن نرمي سلاحنا"يقول رجب ويضيف"إنها ضمانتنا الوحيدة". لم يمض وقت طويل حتى بدأ يتوافد الى الموقع شباب آخرون، ألقوا التحية على الحارس المرابط عند مدخل الموقع، تبادلوا معه بعض احاديث ثم تجمعوا أمام غرفة المسؤول. هم مقاتلون عادوا للتو من اجازاتهم الاسبوعية وما زالوا يرتدون ثيابهم المدنية. هي ثياب العيد من دون شك، ففيها الجدة والالوان التي لم يخفف وهجها الغسل المتكرر. بعضهم صفف شعره بالجل، الى خلف، وترك شعيرات ذقنه تنبت قليلاً. ولولا وجود هؤلاء الشباب في الموقع العسكري لما كان ممكناً تمييزهم عن أقرانهم ممن في المدارس والثانويات. الفارق أنهم"اختاروا طريق النضال"كما يقول رجا، طريق قد تقودهم أحياناً للعودة الى منازلهم كما حصل مع بعضهم، أو"الى الشهادة اذا أحبهم الله"، كما يقول رجا. وصل بعضهم الى الموقع قبل الوقت المحدد للالتحاق بساعتين أو ثلاث تقريباً، اصطحبه رفاقه بسيارتهم من مخيم برج البراجنة، كنزهة تخرجهم من المخيم وتبقيهم في أجوائه في الوقت نفسه. ترجلوا من السيارة مع صديقهم وكلهم اعجاب به، وبالمسؤولية الملقاة على عاتقه كمقاتل سيعيد لهم فلسطين. هو في المقابل راح يقول انه لا يفرح بالاجازات، بل لا يصدق متى تنتهي ويعود. اوحى ذلك للشباب بأن الحياة الفعلية هنا، في هذا الموقع وفي الانفاق المجاورة له، وما دونها مجرد هوامش لا تستحق العيش لأجلها. قال"لا شيء افعله في المخيم، أرى أمي وأخوتي ساعة، ساعتين ثم ماذا؟ لا شيء! هنا صار بيتي وأهلي". رأى الشباب في كلام رفيقهم التزاماً حقيقياً بالقضية وترفعاً عن أمور الدنيا. وأي دنيا... فما يفوته من حياة الازقة في المخيم ليس بالشيء الكثير، ولا يعدو كونه في نهاية المطاف حياة أزقة. أما هنا، فالدور الوطني، والمكانة الاجتماعية، والدخل الثابت وان الضئيل. فرواتب المقاتلين تتراوح بين 100 و200 دولار، بحسب الأقدمية، مع فارق أنها مقابل عمل يحمل بعداً أخلاقياً ووطنياً، وليست مقابل احدى المهن القليلة المتاحة أمام الفلسطينيين. نفض الشاب ما بقي من سيجارته بطرف أصابعه، ومضى يلاعب الكلب البوليسي الذي يساعد في الحراسة ويشارك المقاتلين في لعب الكرة. يرمونها اليه فيعيد التقاطها ويركض بها، ثم يتبعهم كيفما تحركوا. لا يبدو أي توتر على الموقع ومن فيه على رغم أنه معرض للقصف الاسرائيلي في أي لحظة وقد تعرض مئات المرات آخرها في 28 كانون الاول يناير الماضي. لكن، الهدوء سيد الموقف، الايام تتوالى في الموقع كما تدور كؤوس الشاي الاخضر المشبّع بنكهة القصعين على المقاتلين وضيوفهم. الغارات الاسرائيلية هي الجديد الوحيد الذي يأتيهم. والان، لا شيء يوحي بأنه لم يمض سوى بضعة ايام على حادثة اطلاق النار على موظفين من بلدية الناعمة، وما ترتب عنها من مطالبات أهلية ورسمية بتجريد الفلسطينيين من سلاحهم خارج المخيمات، وتنظيم السلاح حتى داخلها. الاحتقان اللبناني وجد في حادثة الناعمة شرارة صب عبرها جام غضبه على حمل فريق خارجي السلاح على الاراضي اللبنانية، واعتبار ان هذا السلاح لا يفيد أحداً ولا حتى"القضية الفلسطينية نفسها"بحسب ما قال ل"الحياة"رئيس اللجنة الوزارية المكلفة متابعة ملف السلاح الفلسطيني خليل مكاوي الذي سأل"ما معنى أن يكون السلاح الفلسطيني موجوداً في دولة مستقلة ذات سيادة، تحرم قوانينها على مواطنيها حمل السلاح، واذ بمجموعات غير لبنانية حفرت أنفاقاً تحت الارض وتملك سلاحاً تستعمله أحياناً ضد اللبنانيين كما حدث أخيراً في الناعمة، ومنذ فترة في البقاع الغربي عندما قتل مسّاح الاراضي. صحيح ان الفلسطينيين نفوا ذلك لكن لا أحد هناك سواهم وسوى الجيش. وهناك اشتباه كبير في أن الصواريخ التي اطلقت من جنوبلبنان هم وراءها. هذا وضع ما عاد يمكن السكوت عنه". أما رجا فاعتبر أن"الاعلام المسيس تعامل مع حادثة الناعمة كفرصة لا تعوّض لتعزيز الهجوم الانقلابي على السلاح الفلسطيني". ويروي رجا أنه"تم تضليل وقائع أساسية لحل اللغز وراء حضور الموظفين في يوم عطلة بحجة جباية الضرائب، فكان هناك استغلال لاملاك الدولة وسيارتها وتم توظيف هذه الامور كغطاء للاستفزاز الذي وقع". وتقول الرواية الفلسطينية ان السيارة توقفت أمام باب الموقع، وصار السائق يقوم بحركات لافتة ومشبوهة كأنه يستطلع امراً ما. فاقترب الحارس يسأله ماذا يريد وطلب هويته. فاستدارت السيارة وعادت أدراجها مسرعة فما كان من الحارس الا ان أطلق النار وأصاب من فيها. ويقول رجا:"كنا نتمنى أن تكون الطلقات في الهواء أو في عجلات السيارة لكنها أصابت. لكننا على رغم الاستفزاز الذي تعرضنا له ولتنفيس الاحتقان، سلمنا العنصر منذ اللحظة الاولى". أما اذا كان يحق لمسلحين فلسطينيين طلب أوراق ثبوتية من مواطنين لبنانيين، وتطبيق قانونهم عليهم فاعتبر رجا ان" هذه مسألة أخرى... هناك واقع على الارض وهو ان هذا الموقع العسكري لنا وعلينا حمايته. نحن لا نتعاطى خارج حدودنا فليس لنا مصلحة لنقدم ورقة مجانية للمغرضين. ونحن منحسرون ضمن مواقعنا وخلف سواترنا وداخل أنفاقنا". مد وجزر والمواقع العسكرية الفلسطينية خارج المخيمات والموجودة في الناعمة والسلطان يعقوب وحلوة في البقاع الغربي والاخير لتنظيم فتح - الانتفاضة،"وبعض المناطق البقاعية التي لن نكشف عنها"كما قال رجا، موجودة منذ نحو ثلاثة عقود، ولطالما خضعت لنوع من المد والجزر في العلاقة مع اللبنانيين. فتارة يدافعون عنها كآخر حصن في المعركة مع اسرائيل، وتارة يمقتونها ويطالبون بنزعها وتفكيكها كما يحدث حالياً. لا يوافق رجا على هذه المطالبات فيقول"قدمنا الشهداء بصمت لنساعد على اخراج لبنان من السلة الاسرائيلية، واليوم نحن نعارض تصفية القضية الفلسطينية على مذبح الالتزامات السياسية. سلاحنا هذا يستر عورات الاخرين". ثم أضاف بشيء من التهكم:"اخواننا في التقدمي الاشتراكي، يعرفون ماذا قدمت هذه المواقع من دم ليكون الشوف على ما هو عليه اليوم. سقط شهداؤنا فيما البعض يرتب أوراقه. لكن هناك أمور تحكى لاحقاً. هناك اسرار تكشف في وقتها". لا يرضى رجا بكلام من نوع أن لبنان ضحّى كثيراً في الصراع العربي - الاسرائيلي وآن له أن يرتاح، فالمقاتل بنظر رجا لا يرتاح خلال المعركة، وانما بعدها. يقول:"ربما دفع لبنان الثمن غالياً، كما أن قضيتنا مسؤولية عربية ولكن هل نستسلم حتى يفتح السوريون جبهتهم لنقاتل؟ ونحن اليوم نتمنى على النظام السوري ان يفتح جبهة الجولان لنقاتل من هناك أيضاً فهذا يشكل لنا حصانة وضرورة". حياة النضال التي اعتنقها رجا ويعتنقها شباب معسكر الناعمة الاتين من مخيمات لبنان وبعض مخيمات الدول المجاورة، فرضت عليهم ليس نظاماً عسكرياً بعيداً من الجبهة الفعلية فحسب، بل حياة تحت الارض، في أنفاق حفروها حول معسكرهم، وتمترسوا فيها. المصانع المحيطة بالموقع اعتاد عمالها على رؤية السيارات العسكرية تنتقل بين الموقع والانفاق، ولا يخافون المسلحين الذي يظهرون فجأة من خلف الجدران لدى مرورها. الشباب الذين وصلوا لتوهم من الاجازة بدلوا لباسهم المدني بآخر عسكري وصاروا فجأة يشبهون الصور التي تبثها لهم شاشات التلفزة. مسلحون مقنعون ومستنفرون. ما عادوا مراهقين فرحين بثياب العيد، بل مقاتلون مستعدون لاطلاق النار عند أي زلة قدم. هناك في الانفاق مراهقون آخرون، لا يمكن التكهن بالمرة الاخيرة التي خرجوا فيها من جحرهم. رجا يصر على انهم يتناوبون على العيش في الانفاق ويخرجون كغيرهم من المقاتلين، لكن سحناتهم تشي بغير ذلك. الطريق الترابية التي تؤدي اليهم ضيقة وملتوية، تمر عبر بساتين زرعت الغاماً. يقفز رجا برشاقة فوق برك المياة الصغيرة، وينتشل رجليه من الوحل، ويتابع حديثه لاهثاً."هذه ألغام على يميننا وعلى يسارنا، انتبهي لخطاك"، قال كأنه يستطرد. استقبلنا أمام باب النفق جرو كلب صغير يفوق الاول ذكاء لصغر سنه ربما، فراح يدور حولنا وينبح بصوت حاد كأنه يستقبل أشخاصاً افتقدهم. مدخل النفق ما زال مهدماً منذ القصف الاسرائيلي الاخير، فتكسر المدخل وبقيت على الارض بقايا الصواريخ. لكن، لولا هذا الحطام لما بدا أن هناك نفقاً أصلاً. فبالكاد تظهر فوهة صغيرة أسفل الجبل الكبير، تذكر بمدخل بيت الفأر جيري في مسلسل الرسوم المتحركة الشهير"توم وجيري". وكنا عندما نشاهد تلك الافلام، لا نصدق ان وراء هذا الثقب منزل بغرف متعددة ومطبخ وأثاث يعيش فيه جيري ويستخدمه للاختباء من القط الشرير طوم. لكن اذا كانت تلك الرسوم المتحركة"كرتونية"وتثير الضحك، فان في ذلك النفق أشخاصاً حقيقيين لا يعرف المرء ان كان سيغضب منهم أو يشفق عليهم. فازدواجية حمل السلاح والوضع الانساني للمقاتلين لا يتركان مجالاً كبيراً للاختيار بين شعوري الكره والتعاطف اللذين يختلجان في داخله. مدخل النفق مظلم الى درجة لا يمكن معها رؤية أين تطأ القدم. وربما كان هذا من حسن الحظ، اذ لا تبقى حاجة للنظر مع الشعور الذي يخلفه المشي في المياه الآسنة اللزجة والنتنة. لكن ذلك لا يمنع رجا من شرح كيفية بناء الجدران. فهي مصنوعة بالاسمنت المسلح، بسماكة ثلاثة أمتار ومتعرجة لتمنع الدخول المفاجئ الى النفق. التعرجات شديدة الانعطاف عند زوياها بحيث يشعر الداخل أنه وصل الى طريق مسدود ان لم يلتفت جانباً ويتابع طريقه. ويفضي المدخل الحلزوني ذاك الى بهو شبه مستدير وزعت الابواب من حوله. الى اليمين سلسلة حمامات يبدو أنها حديثة من السيراميك الابيض اللماع، وحبال غسيل حملت بضعة قمصان وثياب داخلية. والي اليسار مطبخ فيه بعض الاواني المتواضعة، ثم غرفة الجلوس. ثلاثة شبان لم يتجاوزوا السادسة عشرة بزي الكاكي وقفوا لدى دخول رجا وأدوا له التحية العسكرية. رد عليهم بالمثل، وتابع شرحه، ولما لم يرخ أحدهم يده عن جبينه، بل بقي محدقاً بنا، نهره رجا بأن"استرح يا رفيق، الرفيقة صحافية جاءت تزورنا". كان الشبان الثلاثة يشاهدون التلفزيون، لكنهم ربما غيروا المحطة فور وصولنا لان ما بقي على الشاشة كان مجرد خطوط ملونة كتلك التي كانت تؤذن بنهاية فترات البث قبل عهد الفضائيات. قال رجا"نحاول الا ينقص شبابنا شيء. فهذا تلفزيون، وهناك كتب للمطالعة، وكل شيء متوافر لهم". لكن هذا الكلام لم يبدد السأم عن وجوه الرفاق الثلاثة. لا شك في ان عيونهم ملت النظر الى الصور المعلقة على الجدران تمجد"شهداء نفذوا عمليات فدائية ضد العدو الاسرائيلي"، خصوصاً أن بعضها يعود الى سبعينات القرن الماضي، أي قبل ولادتهم بكثير. عادوا واحتلوا الكنبة، فرموا أجسادهم رمياً عليها، فيما تابعنا الجولة توغلاً في"المجمع". بهو فسيح علقت على جدرانه ألواح بلاستيك ضخمة خطت عليها الاجراءات التي يجب اتخاذها في حال هجوم بالصواريخ، أو بالغازات السامة. وفي زاوية البهو كدست السترات الواقية من الرصاص والرشاشات والقنابل اليدوية الى جانب بزات عسكرية رثة وأحذية تفوقها قدماً. البهو يخدم أحياناً كمكان للتدريب. سلم حديد صغير في احدى زواياه يقود الى السطح حيث"نوافذ"مراقبة صغيرة حفرت في باطن الارض، وتسمح بمشاهدة الخارج، ويمكن اطلاق القذائف منها. وحده السقف لم يصب بالاسمنت. بقيت أثار الحفر في الجبل لكنها عزلت بشباك منعاً لتساقط قطع صخر على رؤوس المقاتلين. غرف المنامة الموزعة على جانبي البهو الكبير والتي تضم أسرة حديد صغيرة، كتلك التي في السجون والثكنات، معدة لتضم نحو سبعين عنصراً. لكن المستعمل منها لا يفوق العشرة. فغالبيتها مهمل ومتروك من دون فرش اسفنجية أو أغطية. غرفة المقاتلين الثلاثة يمكن ملاحظتها بسهولة. فأسرتهم وان مرتبة، تشي بأنها مسكونة، وأشياؤهم الصغيرة المبعثرة هنا وهناك تفضح سنهم. لم دفن هؤلاء الشباب أحياء في هذا النفق؟"لنحارب اسرائيل"يجيبون، وپ"لأنهم اختاروا حياة النضال"يقول الرفيق رجا. ربما يكون ذلك صحيحاً، ولكن ربما أيضاً لأن ليس لديهم ما يفعلونه في المخيم كما قال ذاك الرفيق لدى عودته من اجازته. مكاوي : نزع السلاح لم يعد قابلاً للنقاش اعتبر رئيس اللجنة الوزارية اللبنانية المكلفة متابعة ملف السلاح الفلسطيني خليل مكاوي في لقاء مع"الحياة"ان مسألة نزع السلاح ما عادت تحتمل الانتظار،"فالقرار اتخذ بالاجماع في مجلس الوزراء وصوت عليه الوزراء بمن فيهم وزراء"حزب الله". لذا فالقرار نهائي. والكلام مع الاخوة الفلسطينيين اليوم ليس للتفاوض حول السلاح وانما للبحث عن سبل لوضع حد له". وكرر مكاوي كلام رئيس الحكومة فؤاد السنيورة:"لن نشهر سلاحاً في وجه اخوتنا الفلسطينيين، لكننا سنتوصل الى حلول بالتفاهم والتراضي والاقناع"، معتبراً انه يجب تسليم السلاح الى الجيش. وقال:"لا عودة لهذا السلاح الى داخل المخيمات. فأمن المخيمات من أمن لبنان والجيش اللبناني هو المسؤول عنه. اما اذا شعر الفلسطيني في الداخل بان السلاح الفردي يمنحه أماناً نفسياً فليكن". واعتبر مكاوي أن الاولوية الان يجب أن تعطى لتحسين الظروف المعيشية والانسانية داخل المخيمات، وتوسيع مجالات العمل وممارسة المهن الممنوعة عن الفلسطينيين كي لا تبقى"المخيمات بؤرة للمتطرفين والخارجين عن القانون، عندئذ ينتفي غرض السلاح". وذكر مكاوي بأن الفلسطينيين لم يتمكنوا من التوصل الى تأليف وفد موحد يتحاور مع اللبنانيين، فشكلوا وفدين تقدما بمذكرتين تحملان المطالب نفسها تقريباً،"فأصررنا على التعامل مع طرف واحد لتنسيق أدق. فوعدونا خيراً. وحتى الان لم يؤلف هذا الوفد الموحد وفي كل مرة نسأل يكررون الوعد".