يتوجه نحو 37 مليون ناخب أوكراني اليوم الى صناديق الاقتراع لاختيار برلمان جديد في أول استحقاق انتخابي تشهده البلاد بعد انتصار"الثورة البرتقالية"العام الماضي. وتجرى الانتخابات وسط تراجع كبير في شعبية"البرتقاليين"وانقسام حاد بين التيارات السياسية الأساسية. وعلى رغم استعدادات السلطة لمواجهات محتملة تمثلت في فرض تدابير أمنية غير مسبوقة، استبعدت جهات أوكرانية تكرار سيناريو"الثورة الملونة". ويبدو المشهد السياسي في أوكرانيا غامضاً مع بدء عملية التصويت صباحاً، بعد حملة انتخابية ساخنة تبدلت فيها الاصطفافات أكثر من مرة وتبادلت خلالها الاحزاب المتنافسة التي بلغ عددها رقماً قياسياً زاد على 44 حزباً وتكتلاً اتهامات بالفساد واستغلال السلطات. وتجاوزت تكاليف الحملات الانتخابية بليون دولار وهو رقم لم يسجل في أي انتخابات في"الفضاء السوفياتي السابق"حتى الآن، وقالت مصادر ان كل مقعد من مقاعد البرلمان البالغ عددها 450 مقعداً ستراوح"قيمته"بين 400 ألف الى ملايين عدة من الدولارات. ومن بين الأرقام القياسية الأخرى ان أكثر من 75 ألف رجل شرطة كلفوا بحفظ النظام في أقوى تدابير أمنية تفرض في الجمهورية. وعلى رغم التغيرات التي شهدتها الحياة السياسية منذ وصول"الديموقراطيين"الى السلطة بعد انتصار"الثورة البرتقالية"بداية السنة الماضية، أشارت مصادر في كييف في حديث الى"الحياة"الى ان الخصوم السابقين لا يزالون"اللاعبين الاساسيين على المسرح السياسي في البلاد". فالرئيس الحالي فيكتور يوتشينكو يخوض الانتخابات على رأس الحزب الحاكم"أوكرانيا بيتنا"الذي منحته الاستطلاعات نحو20 في المئة من الاصوات. وتعزو المصادر تراجع شعبيته الى الانقسامات الحادة في صفوف الديموقراطيين اضافة الى سلسلة الفضائح التي تعرّض لها الرئيس بعد نشر ملفات فساد ارتبطت باسم ابنه اندريه الذي يلقّب في أوكرانيا ب"القيصر الصغير". وتدور قصص خرافية حول مستوى بذخه واسرافه، كما شكلت"أزمة الغاز"مع روسيا قبل شهرين ضربة قوية لسمعة يوتشنكو الذي ظهر عاجزاً عن الدفاع عن مصالح الاوكرانيين. وتشكل رئيسة الوزراء السابقة يوليا توميشينكو التي انشقت عن يوتشينكو وشكلت تكتلاً معارضاً منافساً قوياً للحزب الحاكم، بعدما كانت حليفه الاساسي وأطلق عليها الاوكرانيون اسم"أم الثورة البرتقالية". ومنحت الاستطلاعات تكتلها نحو 14 في المئة من مجموع الاصوات. في المقابل، عاد رئيس الوزراء الاوكراني الاسبق فيكتور يانوكوفيتش الذي اطاحته"الثورة البرتقالية"الى الاضواء بقوة، بعد حملة انتخابية نشطة قادها في مختلف الأقاليم تحت شعار"المنقذ". وذكرت مصادر ل"الحياة"ان برنامج يانوكوفيتش الانتخابي ركز على الاوضاع الاقتصادية التي شهدت تدهوراً كبيراً خلال السنة الماضية، وتعهّد بإجراء إصلاحات سياسية عاجلة. وترجّح مراكز استطلاع للرأي ان يفوز يانوكوفيتش القريب من موسكو والذي يتمتع بشعبية كبرى في الأقاليم الشرقية الناطقة بالروسية بنصيب الأسد من مقاعد البرلمان المقبل، بعدما منحته الاستطلاعات أكثر من 30 في المئة من الاصوات، ولفتت المصادر الى الأهمية الخاصة لهذه الانتخابات، اذ تنص الإصلاحات الدستورية على تحول أوكرانيا الى جمهورية برلمانية ما يعني ان التكتل الفائز سيحصل على صلاحيات غير مسبوقة ويقرر تشكيلة الحكومة المقبلة والسياسة الداخلية والخارجية. ولم يستبعد مراقبون ان يلتقي خصما الامس يانوكوفيتش وتوموشينكو في تحالف برلماني قوي يضعف مواقع الرئيس الحالي الذي ذكر انصار له امس انه يراهن على نسبة 30 في المئة من الناخبين الذين لم يقرروا حتى لحظة فتح الصناديق لمن سيمنحون اصواتهم. في غضون ذلك، استبعدت مصادر اوكرانية ان تؤدي سخونة الحملة الانتخابية الى نزول معارضين الشوارع واعادة تكرار سيناريو الثورات الملونة على رغم ان عدداً من الاحزاب الاوكرانية بدأ امس باقامة مخيمات في الميدان الذي شهد انتصار"الثورة البرتقالية"العام الماضي.