حقق شباب فرنسا خصوصاً المعارضين لعقد العمل الجديد الذي اعتمدته الحكومة هدفهم، عبر تظاهرات احتجاج شارك فيها أكثر من مليون شخص، استناداً الى مصادر نقابية. واكتسحوا أمس شوارع المدن الفرنسية، وتسببوا في إرباك رئيس الحكومة دومينيك دوفيلبان الذي أبدى حتى الآن تمسكاً بتطبيق العقد. ومنذ الصباح انطلقت التظاهرات تباعاً في اكثر من مئة مدينة فرنسية، بدءاً من تولوز وليون ومن ثم رين وبواتييه وغيرها وصولاً الى باريس. وشاركت حشود ضخمة من الطلاب والنقابيين ومسؤولي المعارضة اليسارية، ورفعت لافتات كتب عليها:"طلاب الثانويات والجامعات والعمال مهددون، كلنا ضد قانون العمل وضد قانون يلغي تكافؤ الفرص". وردد المتظاهرون شعار"شيراك... دوفيلبان فترة تجربتكما انتهت". وتصدر التظاهرة الباريسية التي انطلقت من ساحة دانفير روشرو في اتجاه ساحة ناسيون، الطلاب الجامعيون الذين انضم اليهم التلامذة الثانويون وتبعهم ممثلو النقابات العمالية وأعضاؤها وممثلو الحزبين الاشتراكي والشيوعي، وغيرهم من رموز المعارضة اليسارية. وتحكم بمنظمي المسيرة وقوى الأمن هاجس مشترك هو الحؤول دون حدوث مواجهات على غرار تلك التي شهدها الحي اللاتيني عقب تظاهرة الخميس الماضي، وأدت الى سقوط جرحى واعتقالات، اضافة الى اضرار مادية قدرت قيمتها بمئات الآلاف من اليورو. لذلك سار المتظاهرون وسط مواكبة مشددة من رجال الشرطة الذين أزالوا من الشوارع كل ما يمكن ان يستخدم لمهاجمتهم، كما كلفت النقابات العمالية والطالبية عدداً من عناصرها ضبط النظام لتأكيد صدقية التحرك. وردد المتظاهرون في انحاء فرنسا شعارات تعبر عن رفض التفاوض على العقد الجديد وأي تعديل له، وتؤكد ضرورة عدول الحكومة عنه. والعقد الذي أعده دوفيلبان لتخفيف البطالة في اوساط الشبان من غير حملة الشهادات، يتيح لأصحاب المؤسسات الصغيرة توظيف من هم دون السادسة والعشرين من العمر لمدة سنتين، يمكنهم خلالها صرف الموظف من دون التبريرات التقليدية. وترك هذا النمط الجديد من عقود العمل والذي أيده الفرنسيون في البداية، وقعاً سلبياً في أوساط الطلاب الجامعيين الذين يحكمهم قلق بالغ على مستقبلهم في سوق عمل تتسم بالركود، فبادروا الى التحرك ضده، وتمكنوا تدريجاً من حمل 68 في المئة من الفرنسيين على تأييدهم. ورفضت النقابات العمالية العقد الجديد، معتبرة انه يمهد للانقضاض على مكاسب تضمنها قوانين العمل الفرنسية، فيما سارع اليسار المعارض الذي يبحث عن دور جديد له، الى ركوب موجة الاستياء الطالبي على رغم ان لا دور له في تأطيرها وتوجيهها. وبعد اكثر من عشرة أيام على الاضراب والاحتجاج يجد دوفيلبان نفسه أمام موجة طالبية رافضة للعقد الذي اعتمدته حكومته تحت وطأة الإلحاح، لمكافحة بطالة تشمل 20 في المئة من الشباب، على رغم انعدام النمو والجمود الاقتصادي. وبات ملحاً بالنسبة الى دوفيلبان اطلاق مبادرة لتنفيس الاحتقان، خصوصاً انه يواجه اضافة الى ضغط الشارع نوعاً من الضغط من داخل اسرته السياسية التي تدرك ان التمادي في مواجهة الرفض الشبابي يؤدي تقليدياً الى الخسارة. لذا، فإن دوفيلبان مدعو الى خطوة تفوق شرح جدوى العقد الجديد، ولكن يتعذر عليه سحب العقد تجاوباً مع الطلاب، لأن صدقيته ستكون على المحك، خصوصاً أنه يعد نفسه لخوض انتخابات الرئاسة العام المقبل. وقد يمثل الاقتراح الذي قدمه رؤساء الجامعات الفرنسية الذين التقاهم دوفيلبان أول من أمس، ويقضي بتأجيل تطبيق العقد الجديد ستة شهور للتفاوض على بنوده، مخرجاً لائقاً. وفيما لم يبد دوفيلبان موقفاً من هذا الاقتراح، واصل الوسط النقابي التصعيد، فلوّح رئيس اتحاد نقابات"سي جي تي"برنار تيبو بإضراب عام ان لم تعدل الحكومة عن العقد الجديد الذي"يرسي حق الصرف الكيفي، وهو ما لا يمكننا السماح به". وستعقد النقابات العمالية والطالبية اجتماعاً مشتركاً لتحديد صيغة استكمال التحرك.