نزل مئات الآلاف من الفرنسيين الى الشارع بدعوة من النقابات العمالية، في خطوة قد لا تثني الحكومة عن خطتها لإصلاح نظام التقاعد التي بدأ البرلمان مناقشتها امس، لكنها تعكس حدة الرفض الذي بات يلقاه اداء الفريق الحاكم لدى الرأي العام. ومع انطلاق التظاهرة الباريسية التي سبقتها وواكبتها تظاهرات حاشدة في نحو مئتي مدينة فرنسية، عبّر القادة النقابيون المختلفون عن ارتياحهم البالغ لنجاح التعبئة. واعتبروا ان اتساع نطاق التجاوب مع الدعوة الى الاضراب والتظاهر، بات يلزم الحكومة الاصغاء لما يقوله الشارع والعودة عن خطتها الاصلاحية. وألمح بعض هؤلاء القادة، الى ان تظاهرات امس، تشكل بداية لمرحلة جديدة من التحركات والاحتجاجات، ما يذكر بالاحتجاجات الطالبية التي واكبت مشروع عقد الوظيفة الاولى للشباب وأدت الى سحبه. وكانت الاوساط النقابية توقعت ان يوازي عدد المشاركين في التظاهرات عدد الذين تظاهروا للغرض نفسه في حزيران (يونيو) الماضي وقدر في حينه بمليون شخص. وأشارت الأوساط النقابية المختلفة انها نجحت في رهانها وأن عدد المتظاهرين في مدن البلاد كان اكبر بكثير مما كان عليه في حزيران الماضي. ورافق انطلاق التظاهرات تصريح ادلى به الرئيس نيكولا ساركوزي وأكد فيه ان لا بد من اعتماد الحزم حول جوهر الخطة الاصلاحية، وانما ابداء بعض المرونة في ما يخص اصحاب المهن الصعبة الذين قد لا يكونون ملزمين بالاستمرار في العمل حتى سن ال 62. ووصف هذا التصريح وما سبقه من ايحاءات صدرت عن الوسط الحكومي، حول احتمال تخفيف هذا البند أو ذاك من بنود القانون، بأنه محاولة لاستباق واحتواء جزء من الغضب الشعبي. في هذه الاثناء، خيّم جو عاصف على مقر البرلمان الفرنسي، مع بدء مناقشة الخطة حول اصلاح نظام التقاعد، خصوصاً ان وزير العمل اريك فورت، هو الذي تولى عرض مشروع القانون على الندوة البرلمانية. ومعروف ان فورت يشكل منذ اشهر محوراً لشبهات وتكهنات حول دوره في اوساط المقربين من اقوى نساء فرنسا ليليان بيتانكور التي تردد انها ساهمت في تمويل حزب «الاتحاد من اجل الحركة الشعبية» (اليمين الحاكم). وتسببت هذه القضية في ايذاء صورة فورت لدى الرأي العام، وفي إضعاف موقعه الذي يجد نفسه ملزماً عبره بالعمل على اقرار واحدة من اكثر خطط الاصلاح صعوبة في فرنسا. وفي ظل النفور الواضح الذي بات قائماً بين الحكم الفرنسي والرأي العام، عبأت المعارضة اليسارية من جانبها حقوقها، بهدف وضع أقصى قدر من العراقيل في وجه خطة الاصلاح الحكومية. وأشارت أوساط نواب المعارضة الى أنهم في صدد طرح اكثر من مئتي تعديل على النص الحكومي المرتقب، مما يعطي فكرة عن صعوبة هذه النقاشات والوقت الذي ستتطلبه. والمتوقع ان تعيش فرنسا في الأيام وربما الأسابيع المقبلة على وتيرة النقاشات البرلمانية والتحركات المرتقبة في الشارع، وتعبر عن غضب الفرنسيين حيال مسؤوليهم عموماً نتيجة الشعور بأن مصالحهم مهملة لمصلحة مواضيع وقضايا جانبية لا صلة لها بصعوباتهم المعيشية. وكانت صحيفة «ليبراسبون» الفرنسية عبرت عن ذلك في عددها صباح امس بالقول انه سواء كان عدد الذين يشاركون في التظاهرات مليوناً او اثنين او ثلاثة ملايين، فإن الاستنتاج هو نفسه ومفاده ان ساركوزي خسر المعركة امام الرأي العام. وأفادت استطلاعات متعددة بأن غالبية من الفرنسيين تؤيد الاحتجاجات النقابية وتجد في الوقت ذاته ان اصلاح نظام التقاعد امر ضروري في ظل العجز القائم. وما يرفضه الفرنسيون اذاً ليس الاصلاح انما الاصلاح على الطريقة التي يتبعها الحكم الحالي وتؤدي برأيهم الى تعميق الإجحاف والظلم في حق فئة معينة من المواطنين. بريطانيا في بريطانيا، واجه ملايين اللندنيين امس، اضراباً عن العمل لمدة 24 ساعة نفذه عمال قطارات الأنفاق (مترو) احتجاجاً على الغاء وظائف، ما ادى الى اغلاق عشرات المحطات. واضطر الركاب الى الانتظار في صفوف طويلة لكي يستقلوا الحافلات او السفن في نهر التايمز، فيما فضل آخرون دراجاتهم الهوائية او السير للوصول الى وجهاتهم اليومية. وبدأ الاضراب مساء الاثنين احتجاجاً على الغاء 800 وظيفة من اصل 19 الف وظيفة في المترو. وأعطت الهيئة العامة للنقل اللندنية والنقابات معلومات متناقضة حول مدى الالتزام بالاضراب. وأعلنت الهيئة ان 40 في المئة من محطات المترو كانت تعمل، لافتة الى ان خطاً واحداً اغلق فقط. وأفاد مايك براون مدير المترو اللندني بأن «سكان لندن يواجهون بعض الاضطرابات» في حركة النقل، لكنه اكد ان «المدينة لا تواجه شللاً وانه لا يزال في امكان الناس التنقل». وذكّر بأنه تم تجهيز مئة حافلة اضافية الى جانب سيارات اجرة، وأن اللندنيين عمدوا الى استخدام الدراجات الهوائية المتوافرة للعموم في العاصمة منذ آب (اغسطس) الماضي. لكن نقابة النقل البحري والسكك الحديد قالت ان الالتزام بالإضراب «قوي جداً» مؤكدة ان 11 الف موظف اوقفوا العمل.