ثمة حديث على جانبي المحيط الاطلسي عن عزل جورج بوش وتوني بلير. هما يستحقان العزل بسبب الحرب على العراق وما رافقها من كذب وتزوير ومخالفة القوانين الوطنية والدولية، الا انني لا اعتقد بأنهما سيعزلان. ابدأ برئيس وزراء بريطانيا مختصراً موضوعه بما يناسب حجمه السياسي لأركز بعد ذلك على الرئيس الاميركي. وبلير يستطيع اذا ساء وضعه السياسي ان يستقيل مخلياً الساحة لوزير الخزانة غوردون براون، وهو حل لا يوجد عند بوش مثله. افضل من عرض قضية عزل بلير كان الجنرال مايكل روز، القائد السابق للقوات الدولية في البوسنة، فقد طلب العزل على اساس ان رئيس الوزراء قاد البلاد الى الحرب باستعمال اسباب زائفة عمداً لتبريرها. الجنرال روز قال ببساطة ان بلير زعم وجود اسلحة دمار شامل في العراق وقاد البلاد الى حرب،"وفي حين لا يستطيع احد الغاء الذهاب الى الحرب فإن عزل المستر بلير أمر يجب ان يحدث لإحياء الاهتمام بالنظام الديموقراطي". هناك آخرون يرون رأي الجنرال البارز، الا ان بلير يستطيع دائماً ان يستقيل، فحتى قبل الحرب على العراق كان هناك حديث سياسي بريطاني عن تنحي رئيس الوزراء للوزير براون. الحديث في الولاياتالمتحدة عن عزل جورج بوش اوسع نطاقاً، والى درجة ان الليكودي المتطرف تشارلز كراوتهام كتب مقالاً بعنوان"سخف العزل"مما يعني انه جدي ومطروح. وبعض المطالبين من ابرز وجوه الحياة السياسية الاميركية مثل جون دين وجوناثان التر وبرباره بوكسر واليزابيث هولتزمان، إضافة الى مواقع لا تحصى ولا تعد على الانترنت، بعضها يعبر عن رأي صاحبه فقط، غير ان بعضها الآخر يمثل تياراً عريضاً من الرأي العام. المطالبة بعزل بوش هي ايضاً للأسباب المعروفة، فالادارة لم تخطئ في زعم وجود اسلحة دمار شامل في العراق وعلاقة مع القاعدة، وانما كذبت. والرئيس بوش من الجهل ان يخدع الا انه يظل مسؤولاً عن عمل نائبه ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد على رأس عصابة من المحافظين الجدد زورت المعلومات الاستخباراتية عمداً لدفع البلاد نحو الحرب. وبدأ رؤوس العصابة يتهاوون واحداً بعد الآخر، أو يفرون من الادارة طلباً للسلامة، غير ان محاكمة واحد او اثنين لا بد من ان تثير وكر دبابير على الآخرين، وكل متهم يحاول ان يحمي نفسه باتهام الآخرين. الحرب في العراق بنيت على خطأ، فكان من المحتم ان تستمر الاخطاء والخطايا. والكل يعرف الآن ان السجناء والمعتقلين عذبوا ومنعوا من حق الدفاع وبقوا سنوات من دون تهمة. بل اننا نعرف ان من اصل مئات المعتقلين في غوانتانامو لم يتهم احد، ناهيك عن ان يدان، وقد افرج عن كثيرين في اعتراف غير مباشر بخطأ اعتقالهم. اهم شيء في نظري كمواطن عربي هو دماء الضحايا العراقيين الابرياء وتدمير العراق بحجة اعادة بنائه، فقد طالبت في السابق ولا أزال اطالب بمحاكمة عصابة المجرمين التي زورت المعلومات لتبرير الحرب بتهمة قتل مئة الف عراقي و 2500 اميركي وعشرات آخرين من جنسيات مختلفة. غير ان اخبار القتل والتعذيب والكذب معروفة منذ اشهر، وبعضها منذ سنتين، وما أثار موضوع العزل في شكل جدي هو افتضاح تنصت وكالة الامن القومي بتكليف من الرئيس بوش على المواطنين الاميركيين من دون مذكرة قانونية تبيح ذلك. ربما تستحيل الاحاطة بما كتب عن الموضوع منذ فضحته"نيويورك تايمز"في اواسط الشهر الماضي، وكان هناك من أيد التنصت ومن عارضه، كما ان الادارة شنت حملة رهيبة لتبرير مخالفتها القانون... بحجة مكافحة الارهاب مرة اخرى. غير انني افضل ان اتبع رأي اتحاد الحريات المدنية الاميركي ومركز الحقوق الدستورية، فكل منهما رفع قضية في محاكم فيديرالية لوقف التنصت ومحاسبة الادارة. الاتحاد والمركز يتمتعان باحترام كبير وصدقية عالية وموقفهما لا يمكن ان يهاجم كموقف ليبرالي معروف او يساري، لانهما يملكان رصيداً تاريخياً في الدفاع عن القانون والدستور. وأتكلم عن جورج بوش وعزله لأنه الرئيس غير أن"المتهم"الحقيقي هو نائب الرئيس ديك تشيني، فهو استغل جهل الرئيس ليدير الادارة من وراء ظهره، واعتبره مسؤولاً عن انتهاك الدستور الاميركي، فهو اعاد كتابة سياسة الطاقة بالاتفاق مع شركات النفط في اجتماعات مغلقة والغى اتفاقات دولية ومعاهدات مبرمة، واستغل ارهاب 11/9/2001 لغزو العراق، والآن جاء دوره في التنصت على الاميركيين خلافاً للقانون. لا أعتقد بأن جورج بوش سيعزل غداً، ولا أتصور ان نشهد محاكمة ديك تشيني بعد غد بسبب دوره الاساسي في الحرب التي قتلت الوف الاميركيين وعشرات الوف العراقيين. غير انني استطيع ان ارى وضعاً السنة المقبلة، وقد خرج الديموقراطيون بغالبية في مجلس النواب، وربما مجلس الشيوخ، بعد الانتخابات النصفية في تشرين الثاني نوفمبر المقبل، عندما يصبح الحديث عن عزل الرئيس ومحاكمة نائبه اكثر منطقية خصوصاً ان الادارة اعطت خصومها ألف حجة ضدها، لا بد من ان تزيد في الاشهر المقبلة طالما اننا نرى هذه الادارة ترتكب الاخطاء وتنتهك القوانين بانتظام. عصابة الشر في الادارة وحولها خاضت معركة حياة أو موت في انتخابات الرئاسة قبل سنة لانها كانت تعرف ان كل عضو فيها سيتعرض للمحاسبة اذا خسر الجمهوريون البيت الابيض. والعصابة نفسها تخوض المعركة نفسها الآن حتى لا يخسر الجمهوريون الغالبية في مجلسي الكونغرس، فهي تدافع عن نفسها قبل أي شيء آخر، وهي قد تربح معركة هنا أو معركة هناك، الا انها ستخسر الحرب في النهاية لأن الديموقراطية الاميركية اقوى.