إذا كنت تشبه العندليب شكلاً وصوتاً، شارك في برنامج"العندليب من يكون". هذا الإعلان الذي تبثه محطة"ام بي سي"يومياً، هو موعد آخر مع قافلة من الأصوات العربية الجديدة التي ستقتحم ساحة الغناء، حالمة بالشهرة والنجومية. وهي ليست نجومية عابرة على أية حال، فصاحب الصوت الفائز سيكون عندليب القرن، طالما أن عبدالحليم حافظ، أو العندليب الأصلي رحل عن عالمنا منذ القرن الماضي. وهكذا فإن العندليب الجديد سيكون أوفر حظاً، ولن يبدأ حياته المهنية مجرد عازف في الصفوف الخلفية، كما بدأ عبدالحليم، ولن يكون مصاباً بالبلهارسيا، ولن تحاربه أم كلثوم. بل على العكس تماماً، فالفضائيات وشركات الإنتاج جاهزة لإطلاقه كالصاروخ، وليس مطلوباً منه أكثر من نبرة حزن في صوته، وبعض الذبول في عينيه، وسحنة سمراء، وبعد ذلك يكون العندليب حتى لو كان غراباً. ذلك أن التقنيات الحديثة لا تجد مشكلة في تحويل الغراب عندليباً، إضافة إلى قوة الإقناع وسطوة الوسائل البصرية. ولكن ماذا لو أن هذا الغراب لم يصل إلى التصفيات النهائية؟ أيضاً لا مشكلة، فبإمكانه التقدم إلى مسابقة أخرى، وعليه فقط أن يشبه فريد الأطرش مثلاً أو محمد عبدالوهاب. ولعل ما نسيه أصحاب هذه الفكرة أن زمن العندليب الأصلي ومجده، ارتبطا بمرحلة رومانسية، وبحماسة"ثورة يوليو"وحقبة عبدالناصر، والأغاني الوطنية، وشجن الستينات وموسيقى كمال الطويل وبليغ حمدي، وليس طارق أبو جودة والموسيقى التركية المهرّبة. وقبل ذلك كله يأس المرحلة وانحطاطها، وهي لا تحتمل بالتأكيد إعادة إنتاج أو استنساخ صورة أخرى لعبدالحليم حافظ، صاحب"صافيني مرة"وپ"مشيت على الأشواك"، وپ"قارئة الفنجان". ثم من هو الشاعر الذي سيكتب كلمات أغان كتلك التي كتبها عبدالرحمن الأبنودي وعبدالوهاب محمد؟ زمن العندليب الأسمر لن يستعاد، وليست مطلوبة استعادته، فهل يعقل أن تتجاور تلك الحنجرة مع حناجر اليوم من شعبان عبدالرحيم إلى علي الديك؟