لا يمكن تخيّل مشهد العائلة الآن في غير هذا الوضع: شاشة تبث ألوان البرامج والمسلسلات الدرامية والأفلام السينمائية والمباريات الرياضية، يتحلّق حولها الجميع في صمت مطبق. إنها تتحدث إليهم، وهم يسمعون نداءها ويستجيبون بلا تردد. لكن هذه الصورة تتعرض اليوم إلى خطر التوجه إلى المتحف، لأنها تقترب لأن تصير ذكرى، كما فعلت بصورة العائلة القديمة التي يتحدث أفرادها سوياً عند اجتماعهم كل مساء. إذا، صار الإنشداد العائلي لشاشة التلفزيون، بخاصة بعد"الانفجار الفضائي"ودخول عشرات المحطات عالم المنافسة، الحدث المسائي اليومي، بدلاً من الحديث العائلي. فهذه الشاشة بالألوان لا تحتمل نكداً وأسئلة محرجة يمكن أن يلقيها صاحب السلطة على الطفل الهارب من دراسته على الأقل هذا المشهد كان شبه مؤكد قبل أن يأتي"الريموت كونترول"بميزة الاختيار المتعدد للمحطات التلفزيونية. لكن هناك من يعتقد أن صورة الانشداد العائلي إلى التلفزيون تقترب لأن تصير جزءاً من الماضي. تقول هبة 25 عاماً إنها لم تعد تحب مشاهدة التلفزيون بعدما استولى عليه شقيقها الأصغر المهووس بمباريات كرة القدم. وتضيف:"كنت أحب متابعة المسلسلات التلفزيونية. لكن أخي يسرق الريموت كونترول ويجبرنا كلنا على مشاهدة مباريات كرة القدم التي تصيبني بالدوار. نضطر جميعاً إلى مشاهدة المباراة معه، بخاصة أن مبارياته تأتي في المساء، أي في الوقت الذي كنّا نجلس فيه لمشاهدة المسلسل". وغضب هبة من شقيقها والتلفزيون ومباريات كرة القدم جعلها تتجه نحو جهاز الراديو، بعدما كادت تنساه وتنسى كيفية استخدامه. تقول:"أشعر أن الراديو يمنحني خصوصية أكثر. صحيح أن أكثر المحطات الإذاعية تبث أغاني فقط، لكنها بالتأكيد أفضل من المباريات الرياضية. ثم إن تنوّع المحطات الإذاعية يفتح أمامي خيارات أفضل من التلفزيون الذي تكاد محطاته تتشابه". لكن ليس كل ما يجعل هبة تفضل الراديو على التلفزيون هو تنوّع محطاته. فوليد 29 عاماً يقول إنه صار يتهرب من التلفزيون الذي تحتله زوجته دائماً ويتجه نحو جهاز الراديو ترانزستور الموجود في غرفة النوم"لأن الراديو يعطي المستمع خصوصية أكثر من تلك التي يمنحها التلفزيون لمشاهده. ويوجد عادة في البيت تلفزيون واحد وأكثر من شخص يرغب في استعماله. لكن يمكن إيجاد راديو لكل شخص في البيت. الأمر هنا أسهل". وليد يعتبر أن عصر سهرات التلفزيون العائلية لا بد من أن ينقرض. ويقول:"هي بدأت في الانقراض فعلاً. كما أننا شهدنا قبل سنوات انقراض السهرات العائلية عند ظهور التلفزيون، ها نحن نشهد انقراض السهرة العائلية مع الشاشة الصغيرة. ربما هذا حدث لأن التلفزيونات صارت أكثر تخصصاً من ذي قبل". والتخصص الذي يشير إليه وليد هو ذلك الكم الكبير من المحطات التلفزيونية التي تتوجه إلى فئة معينة من العائلة بدل توجهها إلى العائلة ككل. فللأطفال قنواتهم التلفزيونية الخاصة التي تبث الرسوم المتحركة، وللشباب قنوات تبث الأغاني ومباريات كرة القدم، وللنساء محطات تبث الأفلام والمسلسلات المدبلجة، وللرجال المحطات الإخبارية. لكن يبدو أنّ هذا التصنيف غير مزعج لعلاء 23 عاماً الذي يبدو سعيداً جداً بهذا التصنيف الجديد للمحطات التلفزيونية. يقول:"هكذا أحسن. لا مجال لتجلس العائلة كلها لمشاهدة التلفزيون مثل السابق. هناك وسائل أخرى لتمضية الوقت تغني عن التلفزيون. بات لكل فرد من أفراد العائلة طريق يجد فيها ما يريد. هذا أحسن". يبدو أنّ جهاز التلفزيون الذي جمع العائلة يوماً، وإن كانت تنظر إليه صامتة، بات يفرقها اليوم بحثاً عن مشاهدين جدد، قد يكونون هم أنفسهم الذين كانوا يشاهدونه جماعات قبلاً، فيما هم الآن يشاهدونه فرادى.