يشكو فادي، الذي تزوج منذ خمس سنوات بعد قصة حب، من انه نادراً ما يتبادل حديثاً طويلاً مع زوجته، ملقياً اللوم على التلفزيون الذي يظل"شغالاً"طوال اليوم تقريباً. ويقول:"التلفزيون يتكلم دوماً وهذا ما يمنعنا من الكلام. وإذا تكلمنا مع بعضنا بعضاً، فغالباً ما يجرى ذلك أثناء بث الإعلانات أو للتعليق السريع على الفيلم أو البرنامج الذي نشاهده". ويضيف أنّ حياتهما تتواصل في حضرة التلفزيون لأن تشغيله هو أول ما يفعله من يصل منهما قبل الآخر إلى المنزل، ثم يصل الثاني لينضم إلى الكادر العائلي لزوجين متسمّرين أمام الشاشة. ما يقوله فادي يكاد ينطبق على معظم العائلات اليوم، فالتلفزيون يشغل معظم وقت الناس في بيوتهم خصوصاً بعد الانتشار الهائل للفضائيات. ويبدو هذا التأثير مضاعفاً في لبنان حيث تنتشر ظاهرة الاشتراك عبر الكابل وهي تؤمن مشاهدة مئات المحطات التلفزيونية الخاصة والمشفرة. وتؤكد دراسة أجريت قبل سنتين على عيّنة عشوائية، ان نسبة 70 في المئة من الذين شملتهم الدراسة لا يطفئون التلفزيون إلا عند الذهاب الى النوم وبعضهم اعترف انه ينام على صوت التلفزيون محتضناً الريموت كونترول!؟ اذا كانت هذه هي الصورة السائدة فإن القول إن الناس باتوا يعيشون امام التلفزيون وتحت سلطته ونفوذه لم تعد فيه اي مبالغة. ولا شك في ان ما يشكو منه فادي هو جزء من معاناة عامة وشاملة على رغم ان شرائح كثيرة من الناس غير منتبهة للأمر او لا تريد ان تتحدث عن معاناتها علناً ? وهذا ما تؤكده الباحثة الاميركية سوزان براونينغ، ففي رأيها"ان الفرد في هذا العصر بات عبداً لما يتم اختراعه من آلات وأجهزة تكنولوجية، الاختراعات تسهّل عليه حياته وهو يعيشها أسيراً للنظام الذي تفرضه عليه". التلفزيون اليوم موجود في كل بيت تقريباً، والكثيرون يضعون جهازاً في المكتب وآخر في غرفة النوم، اضافة الى الصالون بحيث يكونون تحت سلطته أينما كانوا. انه يمارس عليهم نوعاً من الاستسلام للعادة والادمان. البعض يرى ان مشاهدة التلفزيون افضل من الحوار الذي قد ينتهي بمشاجرة زوجية او عائلية خصوصاً ان الافراد يعودون الى بيوتهم بعد ساعات طويلة من العمل تكفي لاصابتهم بالتوتر والنرفزة وتجعلهم سريعي الغضب والانفعال. الواقع يقول ان التلفزيون يوحّد العالم اليوم او، بالأحرى، يوحّد اساليب العيش بغض النظر عن الخصوصية المحلية. انه يخلق روتيناً منزلياً. وهذه هي بالضبط خلاصة الشكوى المتمثلة بندرة الحوار المتبادل بين افراد الاسرة او بين زوجين كما هي حال بثينة المتزوجة منذ سبع سنوات:"التلفزيون يشاركنا زوجي وولدي وأنا الاقامة في الشقة، ولا يمكننا الاستغناء عنه الى درجة اننا نبرمج حياتنا اليومية وسهراتنا مع مواعيد بعض البرامج فيه. فإذا كنا نريد زيارة اهلي مثلاً نرتب لحظة وصولنا بحيث نكون هناك قبل بث المسلسل بقليل، او لا نخرج الا بعد انتهاء البرنامج الفلاني". وتضيف:"معظم الناس اليوم لا يزورون بعضهم بعضاً كما في الماضي، انهم يتابعون ما يعرضه التلفزيون حتى حين يتبادلون الزيارات في ما بينهم، وهذا يجعل الاحاديث متقطعة والمتابعة غير دقيقة. ولكنها العادة ولا مفر من ذلك". بعض المحللين يرون ان المجتمعات الحديثة تكيّف حياتها مع التكنولوجيا ويأتي التلفزيون والانترنت في مقدمة ذلك. وحين يثرثر التلفزيون فهو يفرض علينا الصمت. وهذا قد يضعف من الحميمية والألفة والود في الحياة المنزلية.