} لندن - "الحياة" - احتفل عرفان عرب في مطلع شباط فبراير بمرور خمسة أعوام على بدء برنامجه "أسواق"، الذي يعتبر أقدم برنامج اقتصادي في الفضائيات العربية. وتطور حياته المهنية مذ بدأ في لندن مع قناة "أم بي سي" ثم "بي بي سي" ثم "الجزيرة"، قبل أن يحط رحاله في "قناة أبو ظبي". وعن البرنامج تحدث عرب ل"الحياة" بجرأة وصراحة. بصفتك معداً لبرنامج "أسواق" ومقدمه، كيف ترى تطور تجربة الجمهور العربي مع المعلومات الاقتصادية؟ - اذا اعتبرنا ان محطة "أم بي سي" قد تكون أولى الفضائيات والمحطات العربية التي طورت مفهوم الاخبار الاقتصادية بالشكل الذي قلدته المحطات الاخرى، فان الانبهار الاول بها كان نتيجة حداثتها لدى الجمهور العادي. اما الجمهور المثقف فكان معتاداً متابعة تحركات أسعار النفط والعملات والاسهم في ظل غياب الانترنت آنذاك وبدء ذيوع الفضائيات الاجنبية المتخصصة مثل "سي ان بي سي"، وكنت ألاحظ وجود اهتمام بمتابعة أخبار منظمة "اوبك" التي كنت أغطي اجتماعاتها كل ثلاثة اشهر، وطوال ثلاثة أعوام. ومن خلال خبرتي في عدد من القنوات التلفزيونية الفضائية وتأسيسي للأقسام الاقتصادية فيها، أرى أنه كان هناك على الدوام فضول من الجمهور العادي ومحاولة لتفهم المعلومات والاخبار الاقتصادية. أيضاً، في "بي بي سي" كانت النشرات الاقتصادية أطول تستغرق 30 دقيقة، وأكثر عمقاً وجدية، وفيها استخدمت تقنية نقل اسعار الاسهم والعملات والنفط على الهواء مباشرة لحظة ورودها الينا تباعاً من "رويترز". وكانت تجربة فريدة ومتميزة لكنها كانت متعبة لأننا كنا نضطر لقراءتها كأرقام وعلى الهواء مباشرة، وكنا نرتكب بعض الاخطاء فيها. ونظراً إلى قصر فترة الخدمة العربية ل"بي بي سي" وعدم انتشارها الواسع لم تكن تشاهدها الا القلة من صانعي القرار والاقتصاديين. في "الجزيرة" تطورت النشرة وكانت مدتها أقصر بحدود 15 دقيقة، ولكن المذيعين تراجعوا عن قراءة الأرقام مباشرة بعد عام من انطلاقتها ربما لصعوبة قراءتها والاخطاء التي كانت ترتكب. وأعتقد انها كانت افضل من بقية النشرات الاقتصادية في الفضائيات العربية. وفي "قناة ابو ظبي" كانت الامكانات التقنية المتاحة قليلة ومدد النشرات وجيزة، وأجريت مسحاً غير رسمي لآراء المشاهدين في محاولة لتطوير النشرة الاقتصادية، وما دفعني الى فعل ذلك هو ان احدى الزميلات المذيعات قالت لي "اسمعك تقرأ دائماً انخفض/ ارتفع مؤشر "داو جونز" او "نيكاي" ... وسألت "ايش يعني المؤشر؟" فقلت في نفسي: اذا لم تعرف هي معنى مؤشر فقد لا يعرف كثيرون من الناس معناه. وفي الاستطلاع تبين لي أن كثيرين من المشاهدين لم يعرفوا بالفعل ما هو المؤشر؟ وقال أحدهم مازحاً: "مؤشر بطاطا". كما أنهم لم يعرفوا الكثير عن الاقتصاد، وقالوا انهم يريدون معرفة تحركات اسعار السلع والفواتير المرتفعة التي تؤثر عليهم. ولذلك لجأت الى انتاج نشرة اقتصادية اسميتها "أسواق عربية" تهتم بالقضايا الاقتصادية الحياتية، كفاتورة الماء والكهرباء ومصاريف المدرسة والتعليم والغلاء والتطبيب والدواء والصناعات العربية وغيرها... اضافة الى البورصات العربية واسعار العملات العربية والنفط. وكان سبقها برنامج "أسواق" الاسبوعي الذي يناقش قضايا اقتصادية ومالية عربية ودولية في شكل جاد ومتعمق وحواري. يتميز التلفزيون بالبعد عن المعالجة الأكاديمية للأمور. هل تعتقد أنك نجحت في تبسيط لغة الارقام والمعلومات الاقتصادية الجافة في برنامجك "أسواق"؟ - مهما حاولت تبسيط المعلومة الاقتصادية تظل ثقيلة نسبياً على المشاهد العادي، مقارنة مع البرامج السياسية والترفيهية والرياضية. البرنامج متخصص وله جمهوره الخاص ولكنني اعتقد من خلال ردود الفعل أن الاهتمام الجماهيري يكون أوسع عندما يتعلق الموضوع بالحياة اليومية، أو يكون له بعد اجتماعي وسياسي. ومن أكثر الحلقات التي جذبت الكثير من الاهتمام هي تلك التي تناولت مواضيع انهيار اسعار الاسهم في الامارات والقروض الشخصية، وأتذكر ان سيدة اسمها "أم محمد" اتصلت بالبرنامج واجهشت بالبكاء منتقدة سياسة الاقراض التي ادت الى افلاس العائلة. إضافة الى موضوع الحلقة هناك اسلوب الضيوف وجاذبيتهم وحضورهم ومقدرتهم على تبسيط المعلومة، وكذلك أسلوب حوار مقدم البرنامج ومدى سيطرته على الموضوع، وكثيراً ما أُحاول اضفاء بعض الحرارة على الحوار بطرح بعد سياسي واجتماعي جريء نسبياً للموضوع الاقتصادي. ولا تلقى كل المواضيع الاقتصادية التجاوب والاقبال الجماهيري نفسيهما، وأعتقد بصراحة أنه إذا خيّر الناس بين مشاهدة برنامج "أسواق" او أي برنامج اقتصادي ان وجد، وبين البرامج الشعبية الأخرى فأعتقد ان المشاهد سيستخدم كبسة الريموت كونترول للتنقل بين هذا البرنامج وأي برنامج شعبي آخر. وكثيراً ما يشتكي مشاهدو برنامج "أسواق" من نقل بثه من يوم الاثنين الى الثلثاء بعدما كان يبث كل اثنين على مدى اربع سنوات، باعتبار ان يوم الثلثاء يحفل ببرامج شعبية عدة مثل "الاتجاه المعاكس" و"من سيربح المليون؟" و"خليك بالبيت" وغيرها. ولا أفهم أسباب قرار ادارة التلفزيون الذي تم على ما اعتقد بطريقة تميزية وارضاء لنزعات شخصية. كيف ولدت فكرة برنامج "أسواق"؟ - كانت "قناة ابو ظبي" خلال ادارة سلطان الكتبي، المدير العام ل"الامارات للاعلام" تحاول تطوير برامج المحطة، بعد السنة الاولى المتعثرة نسبياً، وطُلب مني تقديم تصور لبرنامج اقتصادي مدته ساعة. وبالفعل وضعت تصوراً لبرنامج متنوع، على غرار نشرة شاملة تتضمن تقارير وتحليلات ومقابلات ونقلاً حياً من بورصات عدة دولية وعربية، ولكنني وجدت ان هذا الأسلوب صعب التحقيق وغير مفيد، وحولت البرنامج الى حوار يتضمن تقارير ميدانية عن موضوع الحوار. أما فكرة الاسم فجاءت مبتكرة، من خلال استشارتي لمجموعة من الناس، وكان التركيز على "أسواق المال" و"أسواق مالية" و"من الاسواق". ولكن رسا الاختيار أخيراً على "أسواق" باعتبارها اختصاراً لكل الاسواق، وانطلاقاً من مبدأ العولمة القائم على اقتصاد السوق. وشعار البرنامج هو "لا اقتصاد من دون أسواق" وهنا لعب في الكلام اي لا اقتصاد من دون برنامج "اسواق" والاسواق المالية. ما هي بنظرك أهمية برنامج "أسواق"؟ - تكمن اهمية البرنامج في كونه البرنامج الوحيد بين الفضائيات والمحطات العربية الذي يطرح قضايا اقتصادية ومالية ذات أبعاد اجتماعية وسياسية. البعض يسمونه FT فايننشال تايمز التلفزيونات العربية، على رغم أني اعتقد ان هناك مبالغة لأن أوجه الشبه في غير محلها. البورصات والاسواق المالية باتت أخيراً جزءاً من حياة الناس، هل ترك ذلك أثراً على قرارات المسؤولين في "قناة ابو ظبي" وغيرها؟ - لا اعتقد ان البرامج والنشرات الاقتصادية تحظى بالاهتمام الكافي من المسؤولين في القنوات التلفزيونية العربية، والحال ذاته في "قناة ابو ظبي"، فاذا نظرنا إلى معظم المحطات العربية والدولية ايضاً فإن النشرات والبرامج الاقتصادية لا تتعدى العشر دقائق في ثلاث او اربع نشرات، وهي متشابهة في الشكل مع بعض التميز بين قناة او أخرى. وهذه الحال تعكس عدم الاهتمام الشعبي او الرسمي بالقضايا الاقتصادية فهي آخر الهموم على مستوى صانعي القرار والمؤسسات والافراد. ويأتي الاقتصاد في الدرجة الثانية من ناحية الترتيب الاخباري بعد النشرات السياسية، وفي الثالثة او الرابعة من ناحية الاهتمام بعد السياسة والرياضة. وأذكر انه عندما اقترحت تقديم نشرة اقتصادية مدتها 25 دقيقة كما كان الحال في "بي بي سي"، ضحك احد المسؤولين وقال: انت بحاجة الى مذيعة جميلة وفرقة موسيقية راقصة لكي يتقبلها المشاهد. هذا الرد يفسر وجهة نظر بعض المسؤولين في القنوات التلفزيونية للاقتصاد. بداياتك كانت في الصحافة المكتوبة، ثم ركزت على الصحافة الاقتصادية التلفزيونية، كيف يستطيع المرء ان يتطور في هذا المجال؟ - بالفعل لم يكن يخطر ببالي ان أكون مذيعاً، ولم أكن احب هذه المهنة، فقد فرضتها الظروف والصدف علي، كما لم أكن اهتم بالقضايا الاقتصادية الا من خلال عملي كمسؤول اعلامي في مكتب جامعة الدول العربية في لندن حيث كنت اعد تقريراً اقتصادياً ضمن تقارير مختلفة.