عمالُ الصحراء أيها القفر الأبيض نحن هنا لخدمتك. خدمةً لورودك اللامرئية نزرع اشجار الخيال هنا مرة أخرى، سرو الامل وزيتون الوفاء. أيتها الصحراء البيضاء، يا من يبرد دمها ثلج قارص، ليس رملكِ سوى سلسلة الأبدية المتقطعة، تهشم اللغة، تمزق العشق، تَيبس السماء مثل اوراق الشجر. نأتي على متن غبار المطر، نشرب الندى على شرفكِ، نكتب الماء ونقرأ النوافير. يملأ كدحُنا رملك بورود الأزمان القادمة. نجلب لرضوانك وروداً تشبه الفردوس، عنباً له مذاق الشمس وتيناً ينسكب منه الصيف. خدمكِ نحن، معنا قافلة الشراب لعشائر الرمل القصية. جئنا لنكون نُدلاً لملوكك الحزانى وضباطاً تحت شمسك البيضاء. نحارب ريح الشرق ونتخندق ضد السماء. نجلب العطر وحرير العصور الفضية وكؤوس الذهب، وقوارير الشعراء الذين يمطر موتهم قليلاً فوق ارواحنا. خدمك نحن، خدم وردة لن تزهر هنا أبداً. نأتي ومعنا شلالات مصطنعة. نُري القيظ صورة البحر والعطشَ صورة الماء. يا صَفاراً كملامح المساكين القدامى، يا قمحاً مدهوشاً من موته المتتالي في حضن الحقل، اعرف ان لا أحد يفهم لِمَ لا يستطيع الاقتراب منك. ما مِن أحد يدرك لماذا الطيور على كفيكِ تمتلئ بطيران وحشي صوب اللامكان، لِمَ تملكين ذهباً يقاس عياره بالدم وتمتلئ زجاجات عطركِ بطوفانات خضرٍ بشراب ابيض كالسراب وبسموم سودٍ كنُطف الملوك؟ خدمكِ نحن. حين لا يقدر رملكِ مساءً على الامساك بالسماء نحملها لكِ. اقتربي بنا من المطلق ونحن نريكِ نهاية البحر... الاشتغال على الحجر أيها الحجر، يا لائقاً بمكان موتي، أسمعُ صوتك حين تدق الريح بابينا. أيها الحجر انتظر مجيئك لعلك تبني لي عتبةً لأرى منها الماء كله، ارى الموت كله بالضبابات المزرقة التي على وجهه. أيها الحجر... يا لائقاً بانتظار البلبل، يا لائقاً بمسكن ملوك الصباح، يا لائقاً ببائس مثلي... أيتها الصخرة العظيمة، يا أجمل من السماء... يا ألمع من الزمرد، يا من يليق بزينة الملائكة، يا ذهب صائغ يتاجر بالمعجزات، ياقوتة تاجر يرسل لنا البضائع من الطرف الآخر للموت. ها انني أراك، أنت درّة رجل يتاجر مع الجهنم. افتح لي النوافذ حين أهرب من الهواء أُقبّلك لأنه ليس هناك شيء آخر أقبّله، أقبّلك لأن البحر لا يقبّل ولا نستطيع وضع شفاهنا فوق شفاه النار أو وضعها فوق شفاه الهواء. أيها الحجر. يا لائقاً ببحار يبصق بوجه الارض. يا من يستحق ملكاً يقفز مُقبّلاً موته في الهواء يقفز تاركاً تاجه للفراغ، للريح لتأخذه معها الى العاصفة. معك أتدحرج نحو الجحيم، نحو الهاوية، نحو مكان حيث لا يد تلتقطنا. هناك نتذوق سقوطاً بلا نجاة ونكسة عظيمة صوب فضاء اخضر، صوب روح الليل، صوب حضن الصباح. بختيار علي كاتب كردي من مدينة السليمانية في كردستان العراق يعيش الآن في مدينة كولن الألمانية حيث يصدر مجلة"ره هه ند"مع كتّاب كرد آخرين. له دواوين شعرية منها:"الخطيئة والكرنفال"وپ"الاشتغال في غابات الفردوس"وروايات، منها: "موت الوحيد الثاني" وپ"آ خر رمان العال". ترجمة هوشنك الوزيري