(15 أكتوبر 2010) في الطائرة الى هيوستن من ديترويت. أراقب، من نافذة الطائرة، كيف يختلط بياض الفضاء بالزرقة، كما يختلط ماءُ البحر بماء الغيم. وخطر لي أن أطرح على السماء بضعة أسئلة: لماذا لا تعلّمين شواطئ الرحيل كيف تغسل ثيابها من روائح الحروب؟ من يزعم أن الشمس كانت تتزوج عند الهنود الحمر؟ هل صحيحٌ أن القمَر في الجزيرة العربية يسكن كوخاً من سَعف النخيل؟ وخُيّل إليّ، لأسباب أجهلها، أنّ ما أفكر فيه هو الشغل الشاغل للغيوم - تلك التي كانت تحجب عنّي وجه الأرض. * لا أريد أن أقول: الطبيعة شعر. ربما تعرف الطبيعة أن تنوحَ، أو أن تبكي. أن ترقص، أو أن تُمَوْسِق أعضاءها. لكن، هل تعرف أن تقول: هذا برعمٌ، وذلك ثدْيٌ؟ هل تعرف الفرق بين جراح الكلمات وجراح الشرايين؟ هل تعرف أن تُميّز أو تُماهي بين القصب والعَصَب؟ أهي، عندها، جملة الأنهار أو الأشجار، جملةٌ عصبية؟ * درجة أولى في الطائرة، على الورق. درجة عاشرة في الطعام والشراب. دال - دلتا: كارثة مطبخية، ستدوم أكثر من ساعتين. عقابٌ يجيء، هذه المرة، من جهة الخبز والماء. * «نطير هذه اللحظة فوق نهر أوهايو»، قالت لي المضيفة الشقراء، غير الجميلة، لكن اللطيفة، جواباً عن سؤال. وأكملت: بعد أقلّ من نصف ساعة، سنطير فوق نهر آخر كبير، أَنْساني لطفها اسمَه: أهو المسيسيبي؟ ألهمتني هذه المضيفة أن أكتب، خارج السياق، في دفتر يومياتي «تشعّ المرأة - بوجهها، خصوصاً». * أتصفح ما تيسَّر من الجرائد. بعض الكتابة اغتيال. وما أسهل القتل. لكن، ما أصعب أن تُحييَ وأن تحيا. وليست لأحدنا قدرة ميداس على أن يُحوّل الى ذهب كلَّ ما تلامسه يداه. غير أن اليد التي تمزّق هي، غالباً، عينٌ ثاقبة. ما أطيبك أيها الشك. وما أطيب أن أقول في هذه اللحظة ذاتها: لا قيمة في مثل هذه اللحظة إلا لما لا قيمة له. * حسناً، توهمت في الطائرة أنني أقيم في المخيلة - تلك الخاصة بالحب. في الحب يفتح الجسد أبواب حصونه ويستسلم. هكذا، يخلق الحب للعالم جغرافية خاصة. غير أنه هو، وحده، يعرف أن يقرأ تقاسيم بلدانها. وطاب لي أن أردد لاهياً حالماً ناسياً ذاكراً لامبالياً: «أحبكِ، قليلاً، كثيراً، بهيامٍ، بجنونٍ لا أحبكِ أبداً». لكن، من كتب هذا الكلام؟ * بين لفظتي الجمال والمال حرفٌ زائد، حرف واحد. ما شأنُك، أيها الجيم؟ لكن، من أين يجيء العَبث لولا هذا الفرق؟ ومن أين لكِ هذه العبقرية، يا لغة العرب؟ قديماً أدرك جلجامش هذا العبث. لكن تخلّى عنه الفرات ودجلة، وقاتلته الملائكة التي أسس حمورابي لِشرعها الأرضي. ازحف ازحف أنتَ، أيها الكائن، يا ذا القدمين. رأسك دبابة. جسمك أصيصٌ بلاستيكي. ولا مأوى لك اليوم إلا العراء. عرجون: نصفه خواءٌ ونصفٌ مواء. إنها السماء تجلد الكون بهراوة الغيب. ومرة ثانية، ما أطيبك، أيها الشك. * مطار هيوستن. هل أشعر خطأ؟ هل أتوهم؟ كأن للحجر، للتراب، للهواء هنا في هيوستن رائحة هندي أحمر، حيناً، ورائحة امرأة سوداء، حيناً. قلت ذلك لعزيز الشيباني، الطبيب البارع في فنّه، والذي كان ينتظرني في المطار. لكن، بدا أنه يشك في ما أقول. قلت له كذلك: لهذا المطار شكّل آلة لها شكل إنسان. * امرأة تنزل من الطائرة في الثمانين، ولا تجاعيد في وجهها. بوتوكس! مَحْوُ التجاعيد! حين تزول تجاعيدكِ يا سيدتي، تصبحين ملساء. ترجعين الى ارتداء لباس تلك الأنثى التي لا تعرف التجاعيد. أرجوك، حافظي على تجاعيدكِ. حافظي على الطبيعة، خصوصاً حول شفتيكِ وعينيك. بوتوكس! عندما ينزل في الوجه تبدأ بالنزول قشرة الدماغ. كلا، يستحيل أيها الرّوبوت أن تعرف مشاعر أو أهواء المرأة التي أحبّ. * «... قولي، كيف سنقسم بيني وبينكِ نجوم هذه الليلة الأميركية بعيداً عنك في تكساس؟ قبل ذلك أدعو الأرض أن تشفيك من تلك العضّة البائسة، عضّة السماء. واتركي لنفسكِ أن تكتشف نفسها. يكفي أن تسجني شهواتكِ في غبار طلع أحمر». * لماذا كنتُ أتذكّر إبرة الهندي الأحمر، كلما دخلت مخزناً في هيوستن، أو سرت في شارع؟ USA made In China إشارة - لازمة، تنطبعُ حتى على القبّعة الكاوبوية. أهي لازمة موسيقية في قيثار العمل الكوني؟ ولا أريد أن أعرف المستقبل. ولا أريد أن أتكهن به. تكهّن أنتَ، يا غبار المجرّات. لكن، من يقدر أن يُبعَد عن شفتيه كأس التاريخ؟ * (16 اكتوبر 2010) تلّة اللقالِق. هنا في هذه التلة التي يسهر عليها الصديقان أروى وعزيز الشيباني، لي أنا الغريب العابر، هياكل غير مرئية - في الشجر والزهر، في العشب والبحيرات. وربما سمعت في هذه الهياكل همساً لهنود حمرٍ ضلّوا دروبهم في سراب التاريخ. هكذا، ليست الطيور في تلة اللقالق هي التي تهاجر. وحده المهاجر، غبار الطّلع. تدخل الى هذه التلة، أنت المسافر، كأنك المقيم أبداً. وتكون غزلانها هي التي فتحت لك الطريق قبل أن تسلّم على عتباتها وأبوابها. سعاد، علي، أروى، عزيز وأنا، نشارك الغزلان حيرة أهدابهن، وننفر جامحين في نفورهن الجامح. سمعنا خوار الأبقار ونهيق الحمر الودية كما لو أننا في قرية جنوبية من قرى العراق، أو في قرية شمالية من قرى سورية. ولم تجئ اللقالق ذلك اليوم. تعالي أيتها اللقالق. لا نريد منك شيئاً. ولا تحملي أي باب أو أية نافذةْ من بيوت الأفق. في تلتك أبوابٌ ونوافذُ تتردد إليها أسماء جهاراً، وخِفية يغار منها الفضاء. يختلط هواء التلة، هذه اللحظة بزفير هندي أحمر. تعال تنشقْه أنت العائش في عرزال المخيلة. تعالي ارسميه، أنتِ أيتها الريشة التي تسبح في ماء الطبع. عشب اللذة هنا أكثر علواً من سقف الموت. والخريف هو نفسه يُصوّبُ سهام العشاق. * البحيرة - إحدى البحيرات في تلة اللقالق - تسبح فيها واقفة غابة من الأشجار العارية، اليابسة. غابةٌ من تماثيل نحتتها أزاميل الهواء والشمس والماء. عندما تكون الشجرة كاسيةً تبدو كمثل إنسان عندما تزول أوراقها، وتعرى، وتيبس، تصبح تمثالاً. الشجرة، في حياتها وموتها، شكل فني. أزهار لوتس: سجادٌ أبيض. فجأة، صوت عصفور: موسيقى، بُحّةٌ عميقة. أكيد أنها تتساءل مَنْ أنتَ، أيها العابر الغريب. لا أعرف. لا أعرف. علي، عزيز، سعاد، أروى: من منكم يعرف؟ في ظل كل شجرة، يجلس ظلّ هندي أحمر. * صباحاً. أستيقظ باكراً، أمشي. تطأ قدماي تراباً مرّت فوقه أقدامٌ أخرى. أتخيّل أقداماً آتية، بعد قدميّ، تمتزج خطواتها بخطواتي. الأرض كلها نشيد أقدام لا تعرف إحداها الأخرى - إلا بعضاً منها، ربما: تلك التي تيسّر لها أن تتعانق، بعد التعب، في الراحة - ملء الأسرّة. * لكل حصاة شكل: لهذه عين واحدة. تلك ثلاث. وتبدو الأولى أنها الأبعد رؤية. ليست الرؤية في العين، يا علي. الرؤية في القدرة على التماهي مع الضوء الشامل: ضوء الظاهر، وضوء الباطن. ربما لهذا سُمّي الأعمى، في اللغة العربية، بصيراً. أهناك، إذاً، من يرى ويظلّ أعمى؟ في كل حال، قلّما رأيت حصاة إلا واستطعت أن أتخيّل فيها وجهاً. ولا أستثني الثمر - تلك الحصاة الكبرى. * أشجارُ بلّوط. سلالة واحدة، عائلاتٌ متعددة. * الراكون - الحيوان الغريب. كان الهنود الحمر، كما يروي عزيز، ينحتون المساويك منه. يا للمسواك الباذخ. استطراداً: أكاد يا عزيز، أن أشتم في ماء التلّة، رائحة نفطٍ. وأحياناً، رائحة كبريت. * (17 اكتوبر 2010) محاضرة في متحف الفنون الجميلة، في هيوستن. القاعة كبيرة، ملأى بالحضور - «الإسلام يساوي بين الرجل والمرأة مساواة كاملة»، يصيح رجلٌ من أقصى القاعة. يصحح بعض ما قلته في هذا الصدد، أو يحتج عليه. لم أعد أذكر. لكن، لماذا يكذب هذا الرجل حتى على الله؟ أفلم يقل في كتابه العزيز: «للذكر مثلُ حظّ الأنثيين»؟ ولا أريد أن أدعم هذه الآية بآياتٍ أخرى كثيرة. في كل حال، صدق الله، وكذب ذلك الرجل. تكساس - تكفي هذه العبادة لله من أجل غاية واحدة: ملء الأمعاء والأيدي. وكنت سمعت من يقول في نقاش ودّي: «اليهودي هو المال»، ومن ردّ عليه متسائلاًً: «لكن، لماذا يعمل البشر الآخرون على أن يكونوا نسخاً أمينة عنه؟»، ومن أضاف، مازحاً: «العربي، خصوصاً، نسخة أمينة وأخوية». تكساس - أهناك أيضاً إسلامٌ بُوشِي؟ وخُيّل إليّ، فجأة، كأنني أرى الى الزمن العربي جالساً يتثاءب في ظل إسلام أحمر. حمرة الدم الذي يتبجس من قلوب الأطفال والنساء والرجال، متمرغين في أحضان القنابل، مرصوفين كمثل الشوارع ببلاط آخر اسمه العنف والقتل في مكان، واسمه في مكان آخر الفقر والجهل. أوه! أكاد أن أرى على شرفة الغروب دخان زمن (عربي كذلك) يتصاعد كمثل (عِهْنٍ منفوشٍ» من غُليون هندي أحمر. * (18 اكتوبر 2010) لقاء في جامعة هيوستن. بين الحضور نائب رئيس الجامعة جيرالد ستريكلند. ورئيسا قسمي الأدب الإنكليزي، والتاريخ. أدار اللقاء أستاذ عربيّ في الجامعة: حسام أبو العلا - من أم أميركية وأب مصري. * لا بد من الكلام باللغة العربية دائماً في أي لقاء مع لغات أخرى. لكن، لا بُد، في هذه الحالة، من ترجمة عالية. وأعترف أنني في هذا اللقاء أسفتُ كثيراً لأنني لا أتقن اللغة الإنكليزية. * (19 أكتوبر 2010) في الطريق بين هيوستن وخليج المكسيك، حيث تتسلّق ناسّا منحدرات الكون، تتموّج أمامنا - أروى، عزيز، سعاد، علي، وأنا - خيوطٌ من ضوءٍ رمادي يصل القمر بأمه الأرض. وأسمع ما يشبه الكلام كأنه صوتٌ يجيءُ من مغاور غير مرئية في أعالي الفضاء. * خيولٌ، من حولنا، تُسرجها أحلام اليقظة. لم تعد النجوم حواجز. صارت محطات. والرعد الذي تدّخره حناجر الغيوم، يتحول إلى أحصنة تتشرّد في براري السماوات. أوه! يسافر البشر الى عوالم يرفضون، فيما يبدو، أن نرافقهم، نحن العرب، إليها. وتقول، ايها العربيّ: حياتُكَ مجرّد عادة. إذاً، لماذا لا تفحص نفسك وتتأكد: هل أنتَ حيٌّ، حقاً؟ خليجُ المكسيك - الهواء ناشِفٌ، كأنه ينشر جسمه وثيابه تحت شمس الخليج. على الشواطئ. على العمارات في مدينة غالفيستن الشاطئية. بلى، كأن تاريخ المعنى يشيخ في هذا الخليج، الواصل - الفاصل، لا من العمر بل من الحكمة. وزيِّن لي، أنا العربي، أن أقول في نفسي، وخارج السياق أيضاً: ماءُ أحلامي ينضبُ، وقلبي آخذٌ في الذبول. لكن، لكن، كيف يتحوّل الى إعصار من الخراب، هذا الماء الذي يبدو في هذا الخليج، أكثر وداعة من جناح عصفور؟ * ناسا - فضاء ذرّيٌّ تتناسل فيه تباريح الأرض، لكن صعوداً نحو أسرار الكون. ربما لا تقلُّ بهاءً فكرة خلق الإنسان على صورة الله، عن فكرة الخلق ذاتها. فلولاها، لفقد الإنسان القدرة على تخيّله، وعلى معرفته، وحتى على عبادته. هل الأنا الإلهية نرجس الكون؟ * (20 أكتوبر 2010) قراءة شعرية في «روثكو شابيل» في هيوستن. روثكو شاعر ألوان حولها الى خمائر للفاجعة. لوحاته التي تكسو الجدران سُهوبٌ من الألم. فيما نقرأ الشعر بين أحضانها، خالد المطاوع وأنا، كانت تشع كمثل شموس قريبة بعيدة، تلبس السواد الأزرق، وتتكسر على دروبها عربات الظلام. ورأيت وروداً وحشية وديعة تنبت على أطرافها الموحشة. وسمعت فيها موسيقى ماء، لا هو سماوي ولا هو أرضي، بين بين، يكاد أن يتفجّر ويغمر القاعة. روثكو - الى لقاء آخر. أترك الآن ألوانك وحدها في صراعها الراسخ الجامح مع ظلمات العالم. الى الهاوية والسديم تلك النُّظم وتلك التقاليد. وما أشدّ حضورك في سلطانك غير المرئي. أظن، كان مارتن لوثر كينغ يُصغي إلينا في تمثاله الذي ينتصب عالياً الى جوارنا في ساحة «روثكو شابيل». وكنت حييّتُه، وخشعتُ أمام سلطانه، غير المرئي، هو أيضاً. * (21 اكتوبر 2010) جامعة تكساس في مدينة أوستن. للغة العربية هنا حضورٌ قوي يَسهر عليه الدكتور محمود البطل الذي عرفته تلميذاً في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية. رجلٌ ناذرٌ وقته وحياته لإشعاع هذه اللغة. لا بد من أن نُوقظ في اللغة أيضاً قدرتها على غواية الآخر. لا بُد من أن نخلق له المناخ الذي يُهيئ له أن يعشقها. وهو ما يفعله محمود البطل، بما يبتكره، خصوصاً في كل ما يتعلّق بطرق تدريسها، وما يمارسه العاملون معه، وأخصّ بالذكر، السيدة زوجته الأميركية، والأستاذ طارق العريس. وما أجدر اللغة العربية بأن تُعشق حتى الهيام. * الفضاء، حتى في تكساس المشمسة، يزدحم بالغموض. من الثياب الكاوبوية made in China (المصنوعة في الصين)، الى الرهبة التي تُشيعها من ناسا، نبوّة الفلك، وأقمارها الاصطناعية. سِحرٌ يؤالِف بين قُبعة الكاوبوي، وكوكب الزهرة. * بلى، في تكساس، انتسبت نجمة شاردة الى مجرّة أحزاني. غير أنني تركت تكساس حالماً أن اللغة العربية آخذة في التحوّل الى موسيقى ثانية في قيثارة اللغة الإنكليزية. وكنت في إحدى القاعات الكبرى في جامعة تكساس، قلت: يعمل الشعر، كما يعمل قوس قزح: يخلق للغيوم جذوراً، واحلموا أنتم أيها الشبان - لكن بين أحضان غزالات نافرة. ولئن صح أن ترجع الشمس الى نومها، بعد يقظة باكرة، فذلك لا يكون إلا في سرير قمر عاشق. هكذا، لا تقدموا قرابينكم إلا لصقور تتنقل في غابات الأفق، فيما تتكئ إناثها على الأرائك. * تكساس - مدرسة لمعادن تُذوّب في محابر الكتب المقدسة. تخرج تعاليم: أبواب نعيم، أبواب جحيم مفتوحة أبداً نهاراً وليلاً في الهياكل وفي الشوارع من غرب الى شرق من غرب الى غرب تتدفق أنهار السمّ. وعندما يفور الخليج المكسيكي كمثل تنّورٍ ذرّيٍ، تكون ناسا في نُزهة داخل مراياها. ناسا - ماذا تفعلين لذلك الفضاء الأميركي الذرّي الذي تتناسل فيه تباريح الأرض؟ هل ترسلين أيضاً أقماراً لاكتشاف الشوارع التي يغطيها الغضب، أو تلك التي تبدو كأنها إسفلتٌ مجبولٌ في القدور؟ هل أنتِ افتتاحٌ لمجهول الكواكب، أم اكتساح لمعلومها؟ هل أنتِ وصيّة إلهية اختطفها شيطانٌ مَريد؟ * قبيل أن أغادر أوستن، زرت فندق سان خوسيه، برفقة خالد ومحمود وطارق، وشعرت فيه كأن عسل المكسيك يتقطّر من قفير ياباني، وكنت قد كتبت الى صديقة بطاقة لم أرسلها: «الجسد دائماً جديد، ولو كان شيخاً. اسألي الرأس أو القلب». وقلت: «أغارُ من قلبكِ لأنه أكثر إحاطة بي مني». وكان ثقل القبعات الكاوبوية يجمد فوق رؤوس السهول، ويكاد أن يُذيب رأس الهواء. وكنت أشعر أن تكساس، فيما أغادر أوستن، كمثل امرأة تأتي وتذهب في غرفة نومي، من دون أن ينظر أحدنا الى الآخر، من دون أن نتبادل أية كلمة. وها أنا في طريق العودة الى هيوستن، للسفر الى نيويورك، كمثل مسافرٍ يعطي قدميه لا للهدف بل للطريق. ولا يعنى بما يسمونه القدر. يُعنى بضربة النّرد. وبالوردة يثق، لا بالرائحة. حقاً، الحلمُ، لا الواقع، هو أوّل الفضاء. * الحلقة الثالثة الأخيرة تنشر في 9 ديسمبر 2010